سحر مراكش يجذب الاستثمارات الفندقية.. والألمان والأميركيون آخر الواصلين

ملاعب الغولف ووسائل الراحة والترفيه تتحدى الأزمات

TT

لم تمنع حالة الانكماش التي يعرفها الاقتصاد العالمي أن يواصل الاستثمار العقاري في مجال الفنادق انتعاشه في مراكش، حيث فتحت، خلال النصف الأول من السنة الجارية، ستة فنادق، اثنان منها من النوع الباذخ، هما «قصر نماسكر» و«سلمان»، وفندق من خمسة نجوم، هو «آدم بارك»، فيما تصنف الثلاثة الأخرى ما بين نجمتين وأربعة نجوم، أضافت لطاقة الإيواء بالمدينة الحمراء 680 سريرا، لترتفع الطاقة الإجمالية إلى 53190 سريرا، فيما ينتظر أن تفتح ثلاثة فنادق جديدة أبوابها نهاية سبتمبر (أيلول) المقبل.

ولعل من أبرز مميزات المشاريع الجديدة، التي يتم إطلاقها، هو تنوع جنسيات المستثمرين، خاصة المقبلين من أوروبا أو الخليج أو أميركا، حيث تقف خلف الاستثمار في فندق «قصر نماسكر»، مجموعة «أوتكر» الألمانية المتخصصة في النقل البحري والصناعات الغذائية والفنادق. ويتكون «قصر نماسكر» من 41 فيلا وجناحا فاخرا، مع حديقة كبيرة تمتد على خمسة هكتارات مكسوة بمختلف الأشجار والنباتات، مع امتداد مائي يغطي مساحة كبيرة من الأحواض والمسابح. ويظهر تصميم القصر لمسات فنية موريسكية وأندلسية، مع توافق في الديكور الداخلي ما بين المعمار الشرقي والديكور الحديث.

كما تتميز السنة الجارية بدخول «مجموعة مورغانس أوتيل» الأميركية سوق الاستثمار العقاري الفندقي بمراكش، من خلال وحدتين فندقيتين للسياحة الفاخرة، الأولى (دولان) ستفتتح أبوابها في سبتمبر المقبل، بمنطقة (الحي الشتوي)، حيث ستضم 73 جناحا فاخرا، مع تقديم خدمة من فئة خمس نجوم، فيما ستفتح الوحدة الفندقية الثانية (مورغان آند سبا) في نهاية سنة 2013، يتم تشييدها على مساحة تفوق 45 ألف متر مربع في منطقة أكدال، حيث ستوفر 69 غرفة فاخرة، مع مجمع ترفيهي وصحي.

ويعول المسؤولون المغاربة، محليا ومركزيا، على أن تصل الطاقة الإيوائية بالمدينة إلى 80 ألف سرير، في ظل برنامج استثماري يروم فتح 24 وحدة فندقية جديدة في أفق 2015.

وتوجد بمراكش 156 وحدة فندقية، منها 80 مؤسسة فتحت أبوابها منذ 2002، فقط، فضلا عن 773 دار ضيافة مصنفة. وتتوزع الفنادق المصنفة بين 11 فندقا فاخرا مثل «المامونية» و«النخيل غولف بالاس» و«أمل جنة»، و20 فندقا من صنف 5 نجوم مثل «السعدي» و«المنصور الذهبي» و«بالم بلازا» و«كنزي منارة بلاس»، و28 فندقا من 4 نجوم، و35 فندقا من صنف 3 نجوم، و13 فندقا من صنف نجمتين، و10 فنادق من صنف نجمة واحدة، إضافة إلى 16 ناديا، و23 إقامة مفروشة مصنفة، طبعا دون الحديث عن الفنادق ودور الضيافة غير المصنفة. وسعر ليلة المبيت، في مراكش، في الإقامات الفندقية، بشكل عام، في حدود 8 آلاف درهم.

ولمواكبة النشاط السياحي والاستثماري، تنشط بالمدينة 166 وكالة للأسفار، فيما يبلغ عدد العاملين في مهنة الدليل السياحي 800 شخص. وتتوفر المدينة على بنية سياحية وترفيهية مهمة، إذ يوجد بها، فضلا عن مؤهلاتها الحضارية، 400 مطعم، 166 منها من النوع المصنف. كما توجد بها ستة ملاعب غولف، من بينها «الغولف الملكي» و«أملكيس» و«وواحات النخيل»، فيما تجري الأشغال لفتح 5 ملاعب أخرى، قريبا. وتحولت مراكش، في السنوات الأخيرة، إلى «جنة» لعشاق رياضة الغولف، حيث تم إنشاء مسالك جديدة مقرونة بعقارات ضخمة. كما تعرف المدينة تنظيم 32 مهرجانا وتظاهرة ثقافية وفنية، على مدار السنة، أشهرها «المهرجان الدولي للفيلم» و«المهرجان الدولي للضحك» و«المهرجان الوطني للفنون الشعبية».

وإضافة إلى سياح الداخل وآلاف المقيمين الأجانب، يتصدرهم أزيد من سبعة آلاف مقيم فرنسي، سجل مطار المنارة مراكش، خلال السنة الماضية، وصول 3 ملايين ونصف المليون راكب.

وأعادت الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة وتداعيات «الربيع العربي»، خلال الأشهر الأخيرة، طرح سؤال مدى قدرة المدينة المغربية على الوفاء لعادتها في الخروج سالمة من الأزمات التي ظلت تضرب القطاع.

لذلك، بدا عاديا أن تخيم أجواء الظرفية الإقليمية والدولية على قطاع العقار السياحي، إذ يتحدث معظم الخبراء والمهنيين والمسؤولين، ممن التقتهم «الشرق الأوسط»، عن وجود نوع من «الانكماش» تعيشه المدينة، على مستوى أعداد السياح الوافدين، غير أنهم يستدركون بالقول إن الظرفية الإقليمية والدولية، لم تؤثر، بشكل كبير، على مستوى الاستثمار العقاري السياحي في المدينة، التي تؤكد معظم التقارير أنها تشكل «حصة الأسد» في جلب السياح إلى المغرب.

وقال يوسف محيي، وهو رئيس فرع مراكش للاتحاد العام لرجال الأعمال المغاربة لـ«الشرق الأوسط»، إن «المسألة، في الوقت الراهن، لا تتعلق بالاستثمار العقاري في الفنادق، في حد ذاتها، من طرف المستثمرين، كما لا ترتبط بجنسيات هؤلاء المستثمرين، بل في سبل الرفع من جاذبية وإشعاع وجهة مراكش، حتى يمكن ضمان معدل نسبة ملء في الفنادق لا يقل في المتوسط عن 60 في المائة، وذلك بشكل يشجع على الاستثمار ويضمن نجاح المشاريع التي يتم إطلاقها». في حين قال عبد الرحيم بن الطبيب، المدير العام للمجلس الجهوي للسياحة بمراكش، لـ«الشرق الأوسط»، إن الظرفية الدولية الصعبة لم تكن بنفس الحدة التي تخوف منها المسؤولون والمهنيون، مشيرا إلى أن تأثير الأزمة كان نسبيا مقارنة مع أسواق ووجهات عالمية بنفس مواصفات وجهة مراكش. وسجل بن الطبيب أن عجلة الاستثمار في المجال العقار السياحي واصلت سيرها بشكل أتاح زيادة عدد الفنادق وخلق مزيدا من الوظائف المباشرة وغير المباشرة، مبرزا أن الهدف، من وراء جلب الاستثمارات، هو أن تصير مراكش أول وجهة سياحية على مستوى القارة الأفريقية، وأول وجهة سياحية للأوروبيين خارج القارة الأوروبية، مشيرا إلى أن المشاريع العقارية التي أنجزت وحجم الاستثمارات يدلان على «الثقة في مستقبل النمو السياحي وآفاقه الواعدة بمدينة مراكش»، مبرزا أن «الجديد، خلال السنوات الأخيرة، يبقى نوعية الاستثمار، من خلال دخول بعض العلامات السياحية العالمية على خط الاستثمار العقاري السياحي بالمدينة، الشيء الذي يؤكد ثقة المستثمرين العالميين ويبعث الاطمئنان»، ملاحظا أن هذه الاستثمارات تتقاطع مع تقوية بنية الاستقبال في معناها الواسع، من خلال إطلاق مشاريع تساعد على الاستثمار العقاري السياحي، مثل توسيع الطرق وتسهيل حركة المرور، وزيادة حجم المناطق الخضراء والاهتمام، مع تأهيل الأسوار والبنايات التاريخية والساحات، حيث شملت المشاريع الاستثمارية الجديدة قطاع الفنادق والتنشيط السياحي وتهيئة وتثمين الموروث الثقافي والتاريخي والعمراني لمراكش.

وسجلت مؤشرات الرصد السنوية، خلال 2011، أن المدينة الحمراء صارت تتوفر على طاقة إيواء في حدود 27750 سريرا، توفر ما يناهز 52 ألف سرير، وأنها استقبلت مليون و540 سائحا، مسجلة 5 ملايين ليلة مبيت، بنسبة ملء في حدود 45 في المائة.

وأكد تقرير صادر عن المجلس الإقليمي للسياحة أن النصف الأول من السنة الجارية سجل تراجعا على مستوى عدد الوافدين عبر بوابة مطار مراكش المنارة بنسبة 4 في المائة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. وهو ما كان له أثره على مستوى ليالي المبيت، التي تراجعت بـ6 في المائة، فيما تراجعت نسبة الملء بـ2 في المائة.

وجاء التراجع المسجل في عدد السياح أوروبيا بالأساس، وذلك بنسبة 12 في المائة، وهو ما يمكن إرجاعه إلى تداعيات الأزمة الاقتصادية التي أثرت في مستوى حركية الأوروبيين. وتوزع التراجع، بشكل خاص، بين السياح الفرنسيين بنسبة 10 في المائة، والألمان بنسبة 20 في المائة، والإسبان بنسبة 30 في المائة، فيما سجل ارتفاع في عدد السياح البريطانيين بنسبة 20 في المائة، مع ارتفاع في عدد سياح الداخل بنسبة 25 في المائة.

ويتوقع عدد من المتتبعين أن يكون سبتمبر المقبل بداية تعافي وجهة مراكش، خاصة مع انطلاق البرنامج الخاص بسياحة المؤتمرات ورجال الأعمال والسياحة الراقية.

وتحولت مراكش، في السنوات الأخيرة، إلى قبلة لسياحة الأعمال والمؤتمرات، وذلك بفضل بنيتها المهمة، خاصة على مستوى عدد من الفنادق وقصور المؤتمرات، من قبيل «فندق المنصور الذهبي» وقصر مؤتمراته وفندق «النخيل غولف بالاس» وقصر مؤتمراته، وهي البنية التي ترافقت مع توفر المدينة على وكالات متخصصة في تنظيم الرحلات المهنية، جعل المدينة تجذب أكثر من 60 في المائة من سياحة الأعمال بالمغرب، إلى درجة أن تنظيم الاجتماعات والندوات والمؤتمرات والمعارض صار يمثل 15 في المائة من العدد الإجمالي للأشخاص الوافدين على مراكش، والذين يتركز قدومهم خلال أشهر أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) ويناير (كانون الأول).