صفقات بنايات المكاتب في سان فرانسيسكو تعود لمستوياتها قبل أزمة المال

465 دولارا للقدم المربعة.. وهو أعلى معدل منذ 2007

TT

ارتفعت مبيعات مباني المكاتب في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية إلى أكثر من 5.3 مليار دولار خلال العام الحالي، وهو أعلى مستوى لها منذ بلوغ سوق العقارات ذروتها عام 2007، وسط تصاعد قيمة الإيجارات التي لم تظهر أي علامة على التباطؤ.

ووفقا للبيانات الصادرة عن شركة «سي بي آر إي غروب» للسمسرة التي نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز»، فقد تم بيع 22 عقارا إداريا في وسط المدينة حتى 20 يوليو (تموز) الماضي، في حين لا تزال هناك ثلاث صفقات معلقة حتى الآن، كما تم إدراج 10 مبان وقطعتي أرض استحوذت على اهتمام قوي من جانب المستثمرين. وارتفع متوسط سعر الشراء ليصل إلى 465 دولارا للقدم المربعة، وهو الأعلى منذ عام 2007 عندما بلغ متوسط سعر الشراء 516 دولارا للقدم المربعة ووصلت قيمة المبيعات إلى 8.6 مليار دولار.

وأعلنت شركة «غرين ستريت أدفيزورز» للأبحاث في الرابع والعشرين من شهر يوليو (تموز) الماضي أن ولاية سان فرانسيسكو ووادي السليكون المجاور لها هما أقوي سوقين للمباني الإدارية في الولايات المتحدة الأميركية. وارتفعت إيجارات المكاتب على مستوى المدينة بنسبة 28 في المائة خلال الربع الثاني من العام الماضي، ووقعت شركات «إير بي إن بي» و«تويتر» و«يلب» على عقود إيجار جديدة، وفقا لما أعلنت عنه شركة «سي بي آر إي غروب» للسمسرة.

وفي مقابلة شخصية عبر الهاتف، قال المدير التنفيذي لشركة «ريال كابيتال أناليتيكس» لأبحاث العقارات دان فاسولو: «من السهل للغاية معرفة السبب وراء هذا الارتفاع في الأسعار مع استمرار الطفرة التكنولوجية. إنها ظاهرة لا تحدث إلا هنا فقط».

وقال الاقتصادي بجامعة كاليفورنيا كينيث روسين في مقابلة شخصية معه إن إيجارات المكاتب قد ترتفع بنحو 25 في المائة خلال العامين المقبلين، وسيستمر الطلب في الارتفاع في حين يكون العرض قليلا للغاية. ووفقا لتقديرات شركة «كاسيدي تورلي» للسمسرة، فإن أكثر من نصف المباني الإدارية المقرر افتتاحها بحلول عام 2014 والتي تصل مساحتها لنحو 2.6 مليون قدم مربعة (242.000 متر مربعة)، قد تم تأجيرها بالفعل.

وقد نجحت سوق سان فرانسيسكو «الملتهبة» في جذب أموال المعاشات الأميركية والأموال المودعة وصناديق الاستثمار العقاري والمشترين من الخارج الذين يبحثون عن ملاذات آمنة لأموالهم، وفقا للتقرير الصادر عن شركة «غرين ستريت». وقال جيد ريغان، وهو محلل بشركة «نيوبورت بيتش» التي تتخذ من ولاية كاليفورنيا مقرها لها، إنه حتى وإن وصلت العائدات إلى 5 في المائة أو أقل، فإن الأموال تتدفق على العقارات التجارية للمدينة لأن مؤشر سندات الخزانة الأميركية آجل 10 سنوات قد هبط إلى أقل من 1.5 في المائة.

وفي مقابلة شخصية معه، قال ريتشارد بينك، وهو المدير التنفيذي لشركة «كلاريون بارتنرز» للاستثمار العقاري التي تتخذ من ولاية نيويورك مقرا لها: «يتطلع رأس المال المحلي والدولي للاستثمار في المدن الرئيسية، وولاية سان فرانسيسكو مؤهلة لذلك من دون أدنى شك لأنها تعد معقلا لصناعة التكنولوجيا القوية والواسعة ولا تقل عن أي مكان آخر في العالم».

وقامت شركة «كلاريون بارتنرز» بشراء مبنيين إداريين في ولاية سان فرانسيسكو الشهر الماضي بالنيابة عن عملائها من أصحاب المعاشات، حيث دفعت 180 مليون دولار، أو 502 دولار للقدم المربعة، لشراء مبنى «600 كاليفورنيا ستريت» في الحي المالي، كما دفعت 147 مليون دولار، أو 603 دولارات للقدم المربعة، لشراء مبنى «475 برانان ستريت» في منطقة «ساوث أوف ماركت»، وفقا لما أعلن عنه المدير التنفيذي لشركة «كلاريون بارتنرز» ريتشارد بينك.

وقال روسيل انغروم، وهو نائب رئيس المجموعة المالية التابعة لشركة «سي بي آر إي» التي تتخذ من ولاية سان فرانسيسكو مقرا لها، إن المبنى الأبرز في سوق المباني الإدارية هو برج «101 كاليفورنيا ستريت» الذي تصل مساحته إلى 1.25 مليون قدم مربعة ويصل سعره إلى نحو مليار دولار، بناء على أسعار المتر المربع التي تم الإعلان عنها مؤخرا. ووفقا للبيانات الصادرة عن شركة «إيستديل سيكورد إل إل سي»، فإن حصة شركة «نيبون للتأمين على الحياة» في هذا البرج التي تصل إلى 92.4 في المائة معروضة للبيع من خلال إحدى وحدات الرهن العقاري الأميركية. وأعلنت «إيستديل» أن 92 في المائة من وحدات هذا البرج، المكون من 48 طابقا الذي تم تطويره عن طريق شركة «هاينس» التي تتخذ من هويستون مقرا لها وتم تصميمه عن طريق المهندس المعماري فيليب جونسون، تم إيجارها بالفعل، ويمنحك هذا البرج إطلالة رائعة على الأماكن المحيطة به. وأعلنت شركة «سي بي آر إي» أن هذا البرج هو ثاني أكبر المباني الإدارية في المدينة بعد مبنى «555 كاليفورنيا ستريت» المملوك لصندوق «فورنادو ريالتي ترست» المعروف اختصارا بـ«في إن أو». وتضم قائمة مستأجري الوحدات في هذا البرج كلا من مصرف «بنك أوف أميركا» الذي يستأجر مساحة تبلغ 122.000 قدم مربعة، ومؤسسة «مورغان ستانلي» المصرفية التي تستأجر 100.000 قدم مربعة ومصرف «دويتشه بنك» الذي يستأجر 75.000 قدم مربعة.

وقال روسيل انغروم: «إنه مبنى رائع واستثنائي وفريد من نوعه».

وسوف تحتفظ شركة «هاينس» بنسبة 7.6 في المائة من أسهم البرج وحق الإدارة، وفقا لما أعلنت عنه شركة «إيستديل». ولم يرد جيمس بوي، وهو المدير التنفيذي لشركة «هاينس» للشؤون الغربية، على المكالمات للتعليق على ذلك الأمر، في حين امتنع كل من داروين رودريغيز، وهو نائب رئيس شركة «إيستديل»، وكريغ بيراردي، المتحدث باسم شركة «أوساكا» اليابانية في سان فرانسيسكو، عن التعليق.

وقال فاسولو: «أبرز المرشحين لاستئجار وحدات في برج (101 كاليفورنيا) هي المصارف وشركات التأمين التي يتحد بعضها مع بعض في نقابات. في الواقع، تبحث رؤوس الأموال عن العودة، ولا يمكنك الحصول عليها من خلال السندات الأميركية».

وقد دفعت شركة «يونيون إنفستمينت ريال ستيت جي إم بي إتش» التي تتخذ من هامبورغ مقرا لها 446.5 مليون دولار، أو نحو 802 دولار للقدم المربعة، لشراء مبنى «555 ميشن ستريت» في شهر مايو (أيار) الماضي، لتكون بذلك هي الصفقة الأغلى وأغلى متر للقدم المربعة خلال العام الحالي، حسب البيانات الصادرة عن شركة «سي بي آر إي». وقام نظام تقاعد المعلمين بولاية أوهايو بدفع 244 مليون دولار لشراء مبنى «400 هاوارد ستريت»، في حين دفعت شركة «تيشمان سبير بروبرتيس» 230 مليون دولار لشراء مبنى «650 كاليفورنيا ستريت».

وشهدت المدينة أكبر صفقة في شهر يونيو (حزيران) 2007 عندما قام مصرف «مورغان ستانلي» بشراء مجمع «وان ماركت»، بصفته جزءا من عملية استحواذ من مجموعة «بلاكستون غروب إل بي»، مقابل 953 دولار للقدم المربعة، حسب البيانات الصادرة عن شركة «سي بي آر إي». وتم تمويل الصفقة من خلال الأوراق المالية المدعومة بالقروض العقارية التجارية.

وربما تكون السوق الفرعية الوحيدة في الولايات المتحدة التي يمكن أن تقارن بولاية سان فرانسيسكو، هي جنوب وسط مدينة نيويورك، وبالتحديد المنطقة الواقعة بين شارع «34» وشارع «القناة»، التي تشتهر بانتشار شركات التكنولوجيا والإعلام، حسب تصريحات فاسولو. وحسب البيانات الصادرة عن شركة «سي بي آر إي»، كان من بين الصفقات التي عقدت في الآونة الأخيرة صفقة استحواذ شركة «إس إل غرين ريالتي كورب» على مبنى «304 بارك أفينيو» في شهر مايو الماضي مقابل 135 مليون دولار، أو ما يعادل 628 دولارا للقدم المربعة.

وقد ارتفعت قيمة المباني الإدارية في المدن الرئيسية بشكل أكبر من العقارات الأخرى في جميع أنحاء الولايات المتحدة، حيث ارتفعت أسعارها بنسبة 8.1 في المائة خلال الفترة ما بين شهري فبراير (شباط) ومايو، حسب مؤشر أسعار العقارات التجارية الصادر عن وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني وشركة أبحاث «ريال كابيتال أناليتكس».

ومع ذلك، لا يخلو الاستثمار في سان فرانسيسكو من المخاطر. وقال ريغان، الذي يعمل بشركة «غرين ستريت»، إن شركات التكنولوجيا تستحوذ على نحو ثلثي الطلب على الإيجارات في المدينة، وسيكون مشترو العقارات في الآونة الأخيرة عرضة أكبر للتباطؤ في هذه السوق التي تتأرجح بين حالات الازدهار والكساد. ويجب أن لا ننسى أن انهيار شركات الإنترنت عام 2001 تبعه انخفاض حاد في قيمة إيجار العقارات بنسبة 60 في المائة. وقال ريغان: «سان فرانسيسكو هي أكثر سوق متقلبة في الولايات المتحدة. وفي الحقيقة، تثير هذه الاستراتيجيات الاستثمارية بعض القلق، لا سيما أن المدينة تعتمد اعتمادا كبيرا على التكنولوجيا».

وقال روسين، وهو اقتصادي بجامعة كاليفورنيا، إن مبيعات المباني الإدارية في الآونة الأخيرة قد قدرت قيمة مبنى «101 كاليفورنيا ستريت» من دون تكاليف إعادة البناء، في حين أكد بينك أن تكلفة إنشاء المبنى في حي المال تصل إلى 700 دولار للقدم المربعة.

ووفقا للبيانات الصادرة عن إدارة تنمية العمالة في كاليفورنيا، فإن ولاية سان فرانسيسكو قد أضافت 3800 مقر جديد لتقديم خدمات مهنية في شهر يونيو (حزيران)، أي بزيادة قدرها أربعة أضعاف عن المتوسط الشهري، كما ارتفع معدل العمالة في قطاع التكنولوجيا لأعلى مستوياته منذ عام 2000. وانخفضت نسبة الوحدات الإدارية الشاغرة خلال الربع الثاني من العام إلى 9.7 في المائة في جميع أنحاء المدينة، كما وصلت إلى 4.3 في المائة في منطقة «ساوث أوف ماركت»، حسب البيانات الصادرة عن شركة «سي بي آر إي».

وقال فرانك فوديم، وهو شريك في شركة «كاسيدي تورلي» التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقرا لها، إن الاقتصاد المحلي، الذي يعد موطن الشركات العالمية مثل «آبل» و«غوغل» و«تويتر»، يدعم الابتكار في جميع أنحاء العالم و«فريد من نوعه» على الساحة العالمية.

وقال انغروم إن المستثمرين الذين يتذكرون فقاعة الإنترنت والأزمة الاقتصادية عام 2008 يدركون جيدا ما يحدث حاليا ويعملون على إعادة تقييم العقارات بعناية، وأضاف: «أصبح الناس اليوم أكثر حكمة وحذرا من المخاطر. وأصبحت تكلفة المال أقل بحيث تدفع أكثر وتحصل على العائد نفسه».