الحب في مأزق: شنغهاي تبعد غير المتزوجين عن سوق المنازل

الأسر في الصين تطالب الشباب بشراء منزل قبل الموافقة على الزواج

جانب من مدينة شنغهاي
TT

اضطر تانك زاو إلى التخلي عن التقليد المتبع المتمثل في اختيار العروس قبل شراء منزل، حيث تمنع شنغهاي غير المتزوجين من غير سكان المدينة من شراء أي عقار. وكان مهندس البرمجيات، ذو الـ28 عاما من مقاطعة فوجيان، يبحث عن شقة قبل أن يعتزم الزواج من حبيبته العام المقبل عملا بالمثل الصيني القائل «عليك ببناء العش قبل أن تجذب الطائر». مع ذلك يتعين عليه الآن الحصول على الطائر قبل العش. ويقول زاو «إنها سياسة غير منطقية، فنحن لسنا مضاربين، بل فقط نحتاج إلى مكان لنسكن فيه. الزواج قبل الحصول على المسكن ضد ثقافتنا، سيكون علي أن أفسر لأسرة عروسي السياسة التي تتبعها مدينة شنغهاي»، وذلك وفقا لتقرير نقلته وكالة «بلومبيرغ» الأميركية.

وبدأت شنغهاي العام الماضي تحدد ملكية سكانها للعقارات بمنزلين، في الوقت الذي تتكدس فيه أسر من بين سكان المدينة غير المحليين الذي يبلغ عددهم تسعة ملايين في منزل واحد. ويتم إبعاد السكان غير المحليين غير المتزوجين، الذين كانوا يستطيعون شراء منزل ما دام معهم ما يثبت أنهم يدفعون الضرائب لعام أو أكثر، بسبب القيود الصارمة التي وضعتها المدينة تنفيذا لوعود رئيس الوزراء الصيني وين جياباو في يوليو (تموز) بالسيطرة على الأسعار «بقوة». ويُنتظر من الرجال الصينيين شراء منزل قبل التقدم لطلب يد زوجة المستقبل من أسرتها للحصول على موافقتها. ويقتطع الآباء في المناطق الريفية من البلاد الجزء الأكبر من أموالهم لبناء منازل لأبنائهم قبل الزواج، أما في المدن فيتم تدبير أمر الحصول على شقة. وتشهد أسعار المنازل الجديدة في الصين تراجعا للشهر التاسع على التوالي خلال شهر مايو (أيار) في ظل القيود التي تفرضها الحكومة من أجل تحقيق هدف خفض الأسعار في السوق، بحسب «سوفان هولدينغز ليميتيد» أكبر موقع عقارات في البلاد. وفي يوليو ازدهرت الأرقام وسجلت أعلى مستوى لها منذ ما يزيد على عام، على حد ما ذكرت «سوفان» في الأول من أغسطس (آب).

وتركز السياسات العقارية الصينية بالتأكيد على المدن الراقية الأهم، على حد قول آلان جين، محلل عقارات يعمل لدى «ميزو سيكيوريتيز آشيا ليميتيد» للأوراق المالية ويقيم في هونغ كونغ. ويوضح قائلا «إذا لم تفلح كل العوائق والقيود المفروضة حاليا، ربما ستضطر الحكومة إلى أن تكون أكثر صرامة خلال النصف الثاني من العام. إن هدفهم هو منع ارتفاع الأسعار مرة أخرى».

وبعد تنفيذ القيود على نحو أكثر صرامة، انخفضت مبيعات المنازل الجديدة في شنغهاي بنسبة 16 في المائة في شهر يوليو عنها في الشهر الماضي بحيث وصلت إلى 7.025 وحدة بحسب بيانات شركة «سنشري 21 تشاينا ريال ستيت» التي تعد ثاني أكبر شركة سمسرة عقارية في الصين. وارتفعت المبيعات بنسبة 24 في المائة ووصلت إلى 8.365 وحدة في يونيو (حزيران)، وهو أعلى مستوى لها منذ 17 شهرا. ويقول هوانغ هيتاو، الباحث لدى «سنشري 21» والمقيم في شنغهاي «للسياسات أثر على السوق». ووصل عدد السكان في شنغهاي، التي تعد ثاني أكبر مدينة في الصين من حيث عدد السكان، إلى 23 مليون نسمة في نهاية عام 2010؛ 9 ملايين منهم لا ينتمون إلى المدينة، بحسب مكتب الإحصاءات القومي. وأدى تدفق عمال البناء وتكنولوجيا المعلومات فضلا عن العمال في مجالات أخرى إلى زيادة أسعار المنازل في شنغهاي خلال السنوات العشر الماضية بمقدار ثلاثة أمثال بحسب البيانات الحكومية.

وأنشأ زانغ لي، مدون من مقاطعة زيجيانغ التي تقع شرق البلاد، وأقام في شنغهاي لمدة ثماني سنوات، على شبكة الإنترنت تحالفا من السكان غير المحليين غير المتزوجين لمناهضة القيود المفروضة على الشراء. وكان الشاب، الذي يبلغ 31 عاما، مستعدا لدفع مبلغ مقدم لشراء منزل سعره 3 ملايين يوان (471 ألف دولار) في شمال شنغهاي في يونيو (حزيران) على حد قول زانغ. لكن الحكومة أفسدت بعد ذلك خطته. وقال زانغ الذي يتابعه أكثر من 110 آلاف على موقع «سينا ويبو» الشبيه بموقع «تويتر»: «إنه أمر مستفز ويتضمن تمييزا. لقد كنت أجني المال وأنتظر الوقت الذي أستطيع فيه شراء منزل، ثم فجأة تخبرنا الحكومة بأننا لا نستطيع القيام بذلك». ويُسمح للأجانب بشراء منزل واحد في شنغهاي ما دام لديهم ما يثبت عدم امتلاكهم لأي عقارات أخرى في البلاد وعملهم بها لمدة عام. كذلك يسمح للشركات الأجنبية بشراء مكاتب في المدينة إذا قاموا بتسجيلها بحسب وزارة الإسكان وهيئة تنظيم العملة.

وقال زانغ «نحن ندفع الضرائب هنا ونسهم في تنمية المدينة مثل السكان المحليين والأجانب، فلماذا يحظر علينا نحن فقط شراء منازل؟». ويوجد في شنغهاي، التي تتسم بلهجتها الخاصة، أكثر الصينيين صرامة وتزمتا، فحتى يحصل المرء على وصف «محلي»، عليه أن يولد في المدينة لأبوين من سكان المدينة المحليين وأن تكون له مهنة مميزة يجيدها وأن يبلغ عدد سنوات إقامته في المدينة سبع سنوات على الأقل، وأن تكون لديه إيصالات تثبت دفعه للضرائب أو أن يتزوج بفتاة من المدينة ويظل متزوجا بها لمدة عشر سنوات.

وتغذي سياسات الإقامة الشيفونية أو المبالغة في الشعور القومي ضد السكان غير المحليين وتدعم الانقسام بين المجموعتين على حد قول وانغ زياويو، الأستاذ المشارك في جامعة تونغجي بشنغهاي والناقد الاجتماعي. وقال «إذا كانت السياسات قائمة على دفع الضرائب، سيكون ذلك أقرب إلى مفهوم حقوق المواطنة. عوضا عن ذلك تسيطر علينا فكرة أن الأولوية للسكان المحليين، مما أدى إلى تنازع الناس الذين ينتمون إلى مناطق مختلفة داخل البلد على الإنترنت».

وفي الماضي كان السكان غير المحليين غير المتزوجين يحق لهم شراء منزل ما داموا يعملون ويدفعون الضرائب في المدينة لمدة عام على حد قول لو كويلين، مدير أبحاث في «ديو فولنت ريالتي»، التي تعد ثالث أكبر شركة سمسرة عقارية. تغير هذا بعد دعوة وين إلى اتخاذ إجراءات صارمة. يمكن أن يفكر المشترون في تزييف عقود الزواج، ولن يقوم المجلس المحلي للمدينة بالتحقق من تلك العقود ما داموا ليسوا من سكان شنغهاي على حد قول لو، الذي أشار إلى أن تكلفة شهادة الزواج المزورة تبلغ 100 يوان تقريبا. وأضاف لو «إنه مبلغ زهيد مقارنة بثمن منزل». ومع ارتفاع الأسعار خلال العام الماضي، اضطر بعض الأزواج إلى ادعاء الطلاق من أجل تفادي القيود التي تحدد عدد المنازل باثنين فقط.

وخفض البنك المركزي الصيني سعر الفائدة في يونيو للمرة الأولى منذ ثلاثة أعوام، وخفضها مرة أخرى في يوليو. وزادت مبيعات المنازل بنسبة 41 في المائة في يونيو، بحسب بيانات الحكومة. واستدعى سرعة هذا الازدهار اتخاذ إجراء سريع، فأصدر البنك المركزي تعليمات للبنوك المركزية المحلية التي كانت متساهلة في تنفيذ سياسات الإسكان بالالتزام «بتطبيقها بكل صرامة» من أجل الحيلولة دون عودة الأسعار إلى الارتفاع بحسب «بيان عاجل مشترك» لوزارتي الأراضي والإسكان في 20 يوليو. ولا تزال القيود على العقارات في «مرحلة حرجة» بحسب تصريح الحكومة.

وأرسلت الصين 8 فرق إلى 16 منطقة في نهاية يوليو من أجل النظر في مدى تطبيق هذه القيود العقارية، بحسب ما جاء في بيان على الموقع الإلكتروني للحكومة المركزية في 25 يوليو. وربما تصبح القيود الجديدة على العقارات نافذة مع عودة فرق التفتيش إلى بكين، بحسب ما جاء في دورية «تشاينا سيكيوريتيز» الرسمية في 9 أغسطس الحالي.