قطاع جديد يحرك سوق العقار في بريطانيا

المسنون يملكون 40% من جملة المنازل ويستبدلون بها الأصغر منها

تقول أبحاث شركة «كي ريتايرمنت سوليوشنز» إن مالكي العقارات البريطانية من هم فوق 60 عاما يملكون حصصا عقارية قيمتها 752 مليار جنيه إسترليني
TT

يلعب العجائز في بريطانيا دورا متزايدا في سوق العقار المحلية، بما يجعلهم أحد المحركات الرئيسية للسوق في الوقت الحاضر. وأشارت أبحاث من عدة شركات إلى أن كبار العمر ممن يتخطون الخامسة والستين عاما يملكون نحو 40 في المائة من جملة العقارات السكنية في بريطانيا، وهم يحركون السوق عبر الانتقال منها إلى عقارات أصغر حجما تلائم احتياجاتهم المتغيرة. وهم لا يحتاجون إلى أي تمويل مصرفي في هذه العملية لأن الأغلبية الساحقة بينهم دفعت كل قروضها العقارية وأصبحت تمتلك العقارات ملكية حرة.

وتطلق أسواق العقار على هذا القطاع اسم «القطاع الرمادي»، وتعتقد مصادر السوق أن هذا القطاع يسيطر الآن على الأسواق في العقد الثاني من القرن مثلما سيطر المستثمرون من أجل تأجير العقارات على العقد الأول من القرن الجديد. كما يعرف هؤلاء في أقسام أبحاث العقار بصفة «الباحثون عن تصغير حجم عقاراتهم» أو تعبير (Downsizers). وهو قطاع يتكون من كبار السن، من فوق سن 55 عاما الذين ذهب أطفالهم إلى الجامعة أو تركوا المنزل لكي يعيشوا مستقلين. ويبحث هؤلاء عن عقار أصغر حجما من ذلك الذي يملكونه، لكن يكون من السهل عليهم العناية به وصيانته. ويريد هؤلاء التخلص من الحدائق كبيرة الحجم التي لا يحتاجونها، وبعضهم ممن تخطى السبعين من العمر يبحث عن عقارات معينة ضمن مجتمعات للعناية بالعجائز وتوفير العناية والرعاية الصحية لهم في منازلهم.

هناك أيضا فئات تريد السفر أو الإقامة في الخارج وتريد موطئ قدم صغير في بريطانيا للإقامة فيه أثناء فترات العودة. والعامل المشترك بين كل هذه الفئات هو اكتمال دفع أقساط القرض العقاري، ولذلك، فهناك حافز الاستفادة من العائد المالي الناتج عن فارق الثمن بين العقارات الكبيرة المبيعة وتلك الصغيرة التي يتطلعون إلى شرائها.

وهم يؤدون دورا مهما في سوق العقار البريطانية في الوقت الحاضر. فهم يتركون عقارات كبيرة الحجم لحاجات الجيل الجديد من العائلات ذات الأطفال التي تريد الانتقال إلى عقارات أكبر حجما. كما أنهم يحركون سوق العقار بالعديد من الصفقات لا يحتاجون خلالها إلى تمويل من البنوك. ويتجنب هؤلاء عقبات التمويل التي يعاني منها صغار السن في أسواق العقار الحالية والتي تتسبب في سقوط 20 في المائة من الصفقات العقارية قبل إتمامها.

وتقول أبحاث شركة «كي ريتايرمنت سوليوشنز» إن مالكي العقارات البريطانية الذين يبلغون من العمر 60 عاما أو أكبر يملكون حصصا عقارية قيمتها 752 مليار جنيه إسترليني. وعلى الرغم من أن بعض هذه العقارات تراجع في القيمة عما كان عليه قبل خمس سنوات، فإن القيمة الإجمالية تمثل استثمارا جيدا وزيادة هائلة عما دفعه هؤلاء في عقاراتهم قبل 25 عاما، وهي فترة الملكية المتوسطة في هذا القطاع.

وتقول أبحاث أخرى من شركة «سافيلز» إن هؤلاء الذين يبلغون من العمر 65 عاما أو أكبر عمرا يملكون نسبة 40 في المائة من جملة العقارات السكنية في بريطانيا، بينما هؤلاء الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما لا يملكون أكثر من نسبة خمسة في المائة من إجمالي العقار البريطاني. وتضيف إحصاءات أخرى أن عدد هؤلاء الذين يبحثون عن عقارات أصغر حجما في بريطانيا من الآن وحتى عام 2020 يبلغ 4.7 مليون شخص.

ولذلك تلعب هذه المجموعة دورا متزايدا في سوق العقار البريطانية، خصوصا في المناطق خارج لندن التي يبحث فيها العجائز عن عقاراتهم الأصغر حجما. وتقول شركة «سافيلز» إن أكثر من 40 في المائة من المشترين في مدينة «باث» هم من كبار السن الذين يبحثون عن عقارات أصغر. وتصل هذه النسبة إلى 50% في بعض المدن الأخرى مثل يورك وهاروغيت.

ويبلغ الطلب ذروته في القطاع السعري بين 750 ألف جنيه إسترليني و1.5 مليون حنيه إسترليني. ويتخلص الناشطون في هذا القطاع من الكثير من الأراضي المحيطة بعقاراتهم الأصلية كما يتخلص بعضهم من السيارة الثانية ويقتصر في استعماله على سيارة واحدة. وهم لا يريدون مساحات داخلية ضيقة، ولكنهم حريصون على خفض تكاليف الصيانة والمعيشة.

ونظرا لأهمية هذا القطاع، نشأت صناعة كاملة لخدمته.. فهناك العديد من الشركات والمواقع الإلكترونية التي تقدم النصائح حول كيفية العثور على العقارات الأصغر حجما الملائمة لكبار السن، بينما تقدم بعض شركات النقل حسومات خاصة لكبار السن الذين ينتقلون إلى عقارات أصغر حجما. كما ظهرت العديد من الشركات المتخصصة في ترتيب انتقال كبار السن وترتيب كل الإجراءات بداية من البحث عن العقار المناسب وحتى عملية التخلص من المنقولات الزائدة عن الحاجة عند الانتقال من عقار كبير الحجم إلى آخر أصغر منه. وتشمل الخدمات أيضا ترتيب التسهيلات الطبية لهؤلاء الذين يعانون من حالات مرضية تستلزم العناية المستمرة.

وتقول كاثرين هاكن من إحدى الشركات المتخصصة في نقل المسنين، إن العجائز قد لا يكونون قد فارقوا مسكنهم لعشرات السنين، وأحيانا لا توجد لديهم عائلات لكي تساعدهم، كما توجد لديهم منقولات تم جمعها عبر أكثر من أربعين عاما لا بد من التخلص منها حين الانتقال إلى مساكن أصغر. وتعتبر بعض شركات العقار في بريطانيا أن انتقال كبار السن إلى عقارات أصغر هو أكثر العوامل الفاعلة في أسواق اليوم. وهو أكبر عوامل أربعة أخرى لعمليات بيع العقار منها الديون والطلاق والوفاة.

وتنادي بعض الجمعيات الخيرية في مجال تأمين مساكن أسرية، بأن يتخلى كبار السن الذين يعيشون بمفردهم عن العقارات الكبيرة التي يحتلونها والانتقال إلى مساكن أصغر حجما من أجل إتاحة الفرص للأسر الصغيرة في إيجاد العقارات كبيرة المساحة التي تبحث عنها. وترى هذه الجمعيات أن التفرقة العقارية لم تعد تتعلق بالثراء بقدر ما تتعلق بعمر صاحب العقار، فالكبار يملكون والصغار يعانون. وبلغ من مشكلة عدم عثور الصغار على عقارات مناسبة أن هناك منازل تضم أسرا من ثلاثة أجيال تعيش معا في العقار نفسه لعدم وجود بدائل مناسبة.

وأحد معالم أسواق العقار الغربية الحديثة هو انخفاض نسبة صغار السن الذين يدخلون سوق العقار سنويا. ففي عام 1997، كان عدد المشترين الجدد من صغار السن في سوق العقار البريطانية يفوق النصف مليون شخص، يمثلون فيما بينهم نسبة 45 في المائة من جملة عمليات الشراء. ولكن هذه النسبة انخفضت إلى 37 في المائة في عام 2001، ثم إلى 32 في المائة في عام 2006. وفي العام الماضي 2011 بلغت هذه النسبة 22 في المائة فقط على الرغم من أن إجمالي عدد الصفقات تراجع إلى أقل من نصف ما كان عليه قبل خمس سنوات.

وتعتقد هيئة شركات العقار البريطانية أن هناك ثمانية ملايين عقار بريطاني غير مستغلة بالكامل لوجود كبار السن بمفردهم فيها، وهي عقارات يمكن أن تحل مشكلات عقارية كبيرة إذا ما قرر أصحابها الانتقال إلى عقارات أصغر حجما. وتطالب بعض الجهات بتقديم حوافز للمسنين من أجل ترك عقاراتهم الكبيرة والانتقال إلى أخرى أصغر حجما حتى ولو كانت العقارات الصغيرة مستأجرة. ولكن عملية الاستئجار من مستثمرين من القطاع الخاص ما زالت عملية لها مخاطر لعدم وجود العدد الكافي من العقارات وعدم وجود الضمانات القانونية الكافية لحماية المستأجرين من الارتفاع الدوري للإيجارات.

وتوجد تحولات أخرى في سوق العقار البريطانية منها تراجع الإقبال على الاستثمار العقاري بغرض التأجير. والسبب الرئيسي في ذلك أن الإيجارات لا تكاد تغطي تكاليف القروض العقارية والتأمين والصيانة، بينما أسعار العقارات، التي كان المستثمرون يعتمدون عليها في تعويض نقص العوائد، ما زالت في اتجاه الهبوط منذ عام 2007. وتؤكد الإحصاءات تراجع هذا النشاط في بريطانيا. ففي عام 1999، بلغ عدد المقترضين من أجل تأجير العقارات نحو 44 ألفا، زادوا إلى 72 ألفا في عام 2001. ومع زيادات أسعار العقار المضطردة وسهولة الإقراض، زاد عدد المستثمرين في هذا المجال إلى ذروته في عام 2006 حيث بلغ عدد الذين اقترضوا من أجل الاستثمار العقاري بتأجير المساكن نحو 152 ألف مقترض في الأشهر الستة الأولى من العام.

ولكن أوضاع السوق تغيرت منذ وقوع الأزمة المالية في عام 2008، ومنذ ذلك التاريخ خرج من السوق نحو نصف مليون مستثمر باعوا عقاراتهم بعدما يئسوا من تحقيق أي مكاسب في هذا المجال. وفي عام 2011، وعلى الرغم من ارتفاع الطلب على استئجار العقارات، لم يتقدم للحصول على قروض عقارية بغرض الاستثمار في إيجار العقارات سوى 120 ألف شخص، وهو ما يمثل تحسنا هامشيا عن معدلات عام 2010، ولكنه يقل عن معدلات الذروة بنحو 40 في المائة.

وساهمت هذه المتغيرات في تراجع نشاط الاستثمار بغرض التأجير وضعف إقبال المشترين الصغار في السوق، وما زال القطاع المسيطر في السوق حاليا هو قطاع كبار السن الذين يقبلون على بيع عقاراتهم الكبيرة من أجل تحقيق بعض السيولة وشراء عقارات أصغر حجما وأسهل صيانة.

* قطاع المسنين يفرض احتياجات جديدة في أسواق العقار

* أدت المتغيرات في سوق العقار البريطانية وزيادة الإقبال من كبار السن على الاستبدال بعقاراتهم الكبيرة أخرى صغيرة الحجم، إلى ظهور احتياجات جديدة في سوق العقار أهمها الحاجات الأمنية، ووسائل الاتصال الحديثة التي تعد حيوية خصوصا في حالات الحاجة إلى الإسعاف أو الاتصال بالأقارب والأصدقاء.

وتقام بعض العقارات الخاصة مجهزة بهذه الحاجات، وتأتي بتصميمات جديدة في مجمعات سكنية وراء أسوار حماية خارجية. كما ترتبط بعض العقارات، خصوصا في القطاع الفاخر، بأزرار الإنذار من أي غرفة في أي وقت، بالإضافة إلى وجدود غرف معزولة للحماية، وخزائن للأغراض الثمينة.

هناك أيضا عقارات توفر الحراسة الخارجية لمداخل العقار لحماية المسنين. وقالت كاميلا ديل من شركة «بلاك بريك» العقارية إنها لاحظت زيادة مطالب الأمن من المشترين الأثرياء في الآونة الأخيرة، وإنها زادت من تعاون شركتها مع العديد من شركات الأمن التي توفر خدمات متنوعة في هذا المجال. وتضيف أن مطالب الأثرياء تتراوح بين مجرد طلب تركيب خزنة في العقار إلى مطالب معقدة تشمل عمليات المراقبة للمنطقة المحيطة بالعقار.

كما أكد دومينيك غريس رئيس قطاع التطوير في شركة «سافيلز» العقارية أن إحدى فوائد شراء العقارات الجديدة قدرة المالك الجديد على تحديد مطالبه مقدما بحيث يمكن إدخالها في التصميم. فالمشتري يمكنه أن يحدد موقع الخزانة في العقار بحيث تتم تقوية الأرضية في المساحة التي توجد عليها الخزانة. ومن أمثلة هذه العقارات مشروع «كينوود بليس» في منطقة هامستيد الذي يوفر أحدث أنظمة الأمان مع نظام اتصال داخلي بالفيديو وأبواب فولاذية وأنظمة إنذار موصلة بمكتب «كونسيرج».