عقارات لندن: المشترون العرب يواجهون منافسة حادة من أثرياء من أنحاء العالم

1.5 مليون دولار لم يعد كافيا لشراء شقة صغيرة بوسطها

جانب من وسط لندن
TT

تواصل العقارات في لندن جذب المشترين الأجانب، ومن بينهم المشترون العرب، لكن أمام ارتفاع الأسعار الخيالي، الذي تعرفه أسعار العقارات في لندن خاصة في وسطها، وبالأخص في قطاعها الفاخر، فإن المشترين العرب يواجهون تنافسا كبيرا، خاصة مع دخول المستثمرين الأجانب، ومن بينهم المستثمرون العرب، الذين يواجهون بدورهم مؤخرا منافسة من الأثرياء الروس والصينيين والأثرياء الأوروبيين «الهاربين» من أزمة منطقة اليورو.

ومع الزيادة القياسية التي تعرفها أسعار العقارات في وسط لندن وخاصة في أحيائها الراقية فإن مبلغ مليون جنيه إسترليني (1.5 مليون دولار تقريبا)، لكنه لم يعد في بعض المناطق بوسط لندن كافيا لشراء شقة صغيرة. ويحتاج من يريد أن يكون له موضع قدم عقاري في مناطق غنية، مثل كينزينغتون وتشيلسي ووست مينيستر، إلى أكثر من مليون جنيه إسترليني. ولم يعد هذا المبلغ كافيا إلا لشراء عقار عادي، وليس عقارا فاخرا جدا. ويواصل قطاع العقارات الفاخرة التحليق عاليا في سوق العقارات البريطانية، وحتى وإن تأثر بالأزمة المالية العالمية قليلا إلا أنه سرعان ما تعافى، وعاد ليشهد فورة ونشاطا ملحوظين. ويقول تقرير لبنك «لويدز تي إس بي» إن العقارات التي يفوق سعرها المليون جنيه إسترليني تصل إلى 19 صفقة يوميا. وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار، يعرف قطاع العقارات الفاخرة، خاصة في العاصمة البريطانية.

ويعرف قطاع العقارات الفاخرة في وسط العاصمة البريطانية لندن، شحا في المعروض، خصوصا مع تزايد الإقبال عليها من قبل المستثمرين الأجانب. وقد أظهرت تقارير لوكالات عقارية أن رقما قياسيا من المشترين بلغ في معدله 18 مشتريا، يتزاحمون ويتسابقون على كل منزل معروض للبيع يفوق سعره مليون جنيه إسترليني (1.5 مليون دولار).

وذكرت التقارير أن في منطقة بروك غرين بغرب لندن، حيث تصل قيمة منزل من أربع غرف إلى 1.5 مليون جنيه إسترليني، فإن نحو 35 مشتريا يتسابقون لشراء كل منزل معروض في المنطقة المعروفة بجودة مدارسها.

أما في منطقة نوتينغ هيل المشهورة أيضا بوسط لندن، فإن 22 مشتريا يتنافسون على منزل معروض للبيع، أما في منطقة تشيلسي، وهي من المناطق الفاخرة أيضا، فإن 19 مشتريا يتسابقون على كل منزل معروض للبيع.

ويسجل قطاع العقارات الفاخر في إنجلترا، وخصوصا في العاصمة لندن، معدلات نمو قياسية بلغت 102 في المائة خلال السنوات العشر الماضية.

وتواصل لندن جذب المستثمرين الأجانب الذين يبحثون عن ملاذات آمنة فيها، وتزايد بشكل واضح في الفترة الأخيرة عدد المستثمرين المقبلين من أوروبا «الهاربين» من أزمة منطقة اليورو، الذين يرون في لندن خاصة «ملاذا آمنا» لهم من أزمة الديون المتفاعلة في أوروبا.

وتجذب لندن بطابعها الكوسموبوليتي (المتنوع الأعراق والأصول) الأثرياء من كل أنحاء العالم، كما تجذبهم أيضا مدارسها وجامعاتها والبيئة الاستثمارية المساعدة والقوانين المشجعة والحامية، وبالإضافة طبعا إلى عراقة المدينة ومفاتنها المعمارية والسياحية.

لكن هذا «الهوس» بلندن قد يبدو غريبا، خاصة لو ابتعد المشتري، خاصة الأجنبي، مثلما الأمر بالنسبة للمشترين العرب، الذي يشترون المساكن في لندن بغرض استعمالها للإقامة أثناء عطلهم ولنزهاتهم السياحية، التي تكون عادة خلال الصيف، وتدوم في أقصى تقدير شهرين أو حتى ثلاثة خلال السنة، فإن الابتعاد قليلا بمعدل ساعة بالقطار أو أقل بالسيارة عن لندن فإن بإمكانك الحصول على بيت أرخص بكثير وأكبر والتمتع بحياة أكثر هدوءا وأقل تلوثا.

وبحسب دراسة أخيرة لبنك هاليفاكس فإن «سعر المنازل في المناطق البعيدة عن لندن بنحو ساعة بالقطار أرخص بقيمة 375 ألف جنيه إسترليني (580 ألف دولار) عن سعر المنازل في وسط لندن. أما في المناطق التي تبعد عن لندن بنحو نصف ساعة فإنه تكون حتى أرخص من ذلك، ففي مدينة ريدينغ أو ميلتون كينغس يبلغ متوسط سعر المنازل 275 ألف جنيه إسترليني، بينما يبلغ متوسط سعر المنزل في وسط لندن 620 ألف جنيه إسترليني».

وأظهر «هاليفاكس» في دراسته أنه وحتى إن كانت تكلفة التنقل عالية جدا، فإنه بحساب الربح والخسارة فإن الذين يعملون في لندن ويعيشون خارجها يحققون أرباحا لا غبار عليها إذا أخذ في عين الاعتبار قيمة المنازل في لندن وفي المناطق التي يتنقل منها هؤلاء العمال.

ووجدت الدراسة أنه مع تذكرة للسكك الحديدية بتكلفة 4400 جنيه إسترليني في السنة، فإن المتنقلين من مدن مثل بيتربورو سويندون للعمل بإمكانهم توفير مبلغ يعادل التنقل إلى لندن من نفس المدينة لمدة 80 عاما.

وبإمكان المسافرين إلى لندن من هذه المواقع الأقصر زمنا والأرخص من حيث سعر التذاكر، أي نحو 3100 جنيه إسترليني في سنة، يكون تسديد قروضهم العقارية أرخص بنسبة 66 في المائة.

وحتى سكان الأحياء في ضاحية ويمبلدون، التي لا تبعد سوى بـ15 دقيقة من وسط مدينة لندن، يدفعون في المتوسط أقل من 300 ألف جنيه إسترليني للسكن فيها.

وأكد نيتش باتل، الخبير العقاري في «هاليفاكس»: «إنه ليس من المستغرب، في لندن على الأقل أنه على قدر ابتعادك منها على قدر دفعك لمبلغ أقل لشراء مسكن».

وإلى جانب العوامل المادية التي تدفع الكثيرين إلى «الهروب» من لندن، فهناك عوامل اجتماعية مثل المدارس وتحسن نوعية المنازل.

وتبدي لندن مناعة خاصة أمام تقلبات السوق العقارية، ولا يقتصر هذا على العقارات وسط لندن فقط أو العقارات الفاخرة، التي يتهافت عليها المستثمرون الأجانب، وفي طليعتهم المستثمرون العرب، إنما حتى في مناطق أخرى محيطة أو حتى بضواحي لندن، فقد سجلت أسعار العقارات في بلدية ايزلنغتون بشمال لندن زيادة قاربت 10 في المائة خلال العام الماضي، بينما سجلت أسعار العقارات في بلدية برانت أعلى معدل ارتفاع خلال السنوات الثلاث الماضية بمعدل بلغ 53 في المائة. وإذا كانت ايزلنغتون منطقة قريبة جدا من وسط لندن، وتضم ملعب «الإمارات» مقر نادي آرسنال، فإن برانت تعتبر من ضواحي لندن وهي تابعة إداريا لمحافظة لندن الكبرى، بينما هي في الحقيقة تقع في مقاطعة «ميدل سيكس»، ومن أشهر معالم «برانت» ملعب ويمبلي الشهير.

وبينما يتزاحم المستثمرون الأجانب على شراء منازل في لندن خاصة فإنه ربما يضيعون فرصا لشراء مساكن أرخص وأكبر غير بعيد عن لندن. وإلى جانب توفير الأموال فإنه بإمكانهم الاستفادة من امتيازات أخرى مثل التمتع بحياة أكثر هدوءا خاصة في مدن أو بلدات صغيرة قريبة من لندن ومرتبطة بها بشبكة مواصلات جيدة من قطارات وطرق سريعة. وبالإمكان أيضا التمتع ببيئة جميلة وأقل تلوثا وضجيجا من لندن.

وحتى من جانب القرب من المطارات الدولية التي تسهل السفر من وإلى بريطانيا، فإن الكثير من هذه المناطق الأرخص من لندن أقرب لمطارات مثل «هيثرو» و«غاتويك» مثلا من وسط لندن نفسها.