السعودية: المبالغة في أسعار تأجير العقارات المكتبية تسببت في عزوف الطلب مؤقتا

مكاتب خاوية بسبب عدم تنازل الملاك عن خفض القيم الإيجارية.. وتخوف من مشاريع ضخمة تغرق القطاع

ينتظر أن يدخل مشروع مركز الملك عبد الله المالي في قائمة العرض في قطاع العقارات المكتبية مع قرب إنهاء أعماله (تصوير: خالد الخميس)
TT

سجلت مؤشرات العرض في قطاع العقارات المكتبية ارتفاعا في السعودية خلال الفترة الماضية، خاصة في المدن الرئيسية، عطفا على زيادة الاستثمارات في هذا القطاع، منذ عام 2007. في الوقت الذي ينتظر أن يدخل المزيد من العقارات في هذا القطاع، وبالتحديد في مدينة الرياض بعد الانتهاء من مركز الملك عبد الله المالي.

وبحسب متعاملين في سوق العقارات المكتبة فإن هذا القطاع يواجه تحديات من جهات مختلفة، قد تتمثل أبرزها في أن دراسات الجدوى للاستثمار في مثل هذه العقارات قبل الأزمة المالية كان يتوقع أن يحقق عوائد محددة، في الوقت الذي أجبر العرض والأزمة المالية إلى تراجع الطلب على مثل هذه العقارات، ورغم وجود طلب متنام من شريحة المنشآت المتوسطة والصغيرة، فإن عددا من المشاريع الكبرى لا تزال فارغة، ولم تؤجر أو تباع.

ويؤكد بدر محمد صاحب منشأة متوسطة أنه عمل على البحث على مكاتب تأجيرية لبدء منشأته المتوسطة والتي تعمل في قطاع الاستيراد والتصدير، إلا أن المبالغة في الأسعار في الأبراج المكتبية ساهمت في عزوفه على التأجير في مثل هذه الأبراج، التي لا تزال معروضة للتأجير، وقال: «هناك مبالغة من الملاك، يبدو أنهم لم يستوعبوا ما يحدث في الأسواق العقارية، وإذا لم يعملوا على خفض السعر فإنهم سيواجهون عدم تحقيق تلك العقارات جدواها الاستثمارية على المدى القصير والمتوسط».

وكان تقرير صادر من شركة «سي بي آر إي» للاستشارات العالمية بعنوان «نظرة على سوق المملكة العربية السعودية» أشار إلى أنه رغم التحديات الوشيكة في قطاع تأجير المكاتب، فإن الملاك لم يتبنوا كلية مفهوم الحوافز أو التخفيضات الإيجارية، ولربما تكافح على المدى المتوسط تلك العقارات التي لا تستطيع تأمين مستأجرين قريبا، مشيرا إلى أن المشروعات الجيدة التموضع في المواقع الرئيسية تمتعت بدرجة عالية من البروز وإمكانية الوصول ما أدى إلى تحليها بأداء ممتاز.

ولفت إلى أن مشروع بوابة أعمال الرياض استطاع اجتذاب المستأجرين بفضل الإدراك الجيد لمفهومها في تقديم مساحات مكتبية في بيئة خاصة بالأعمال ذات مبان قليلة الارتفاع مع قربها من المجمعات السكنية الراقية والمطار، وكون الوصول إلى المشروع سهلا مع توفر مواقف سيارات فسيحة وخدمات الأمن ومتاجر التجزئة ومنافذ لبيع الأطعمة والمشروبات.

وبين التقرير أن ذلك المفهوم تمخض عن امتصاص سريع وأداء قوي للقيم الإيجارية في بيئة النمو الإيجاري الأساسي وارتفاع معدلات الإشغال.

وتعمل الحكومة السعودية ممثلة في المؤسسة العامة للتقاعد وهي أحد الصناديق الحكومية الضخمة على بناء مركز الملك عبد الله المالي في العاصمة السعودية الرياض، والذي يعتبر الوحيد من نوعه في الشرق الأوسط، وينتظر أن يتضمن مجموعة من ناطحات السحاب، موزعة على مساحة المشروع البالغة 1.6 مليون متر مربع.

وبالعودة إلى بدر محمد الذي أشار إلى زيارته لعدد من الأبراج المخصصة للمكاتب خلال العام الماضي، والعودة لها خلال العام الجاري إلا أنها لم تسجل أي أشغال تذكر، مشيرا إلى أن الأسعار لم تتغير، وبالتالي فإن معادلة الاستثمار لم تحقق جدوى الاستثمار فيها، الأمر الذي بحاجة إلى إعادة النظر في هذا الاستثمار.

وذكر تقرير «سي بي آر إي» أن مدينة الرياض تملك في الوقت الحالي قرابة 3 ملايين متر مربع من المساحات المكتبية بكافة الفئات مع تخصيص نحو 600 ألف متر مربع من هذه المساحة من الفئة الأولى المحلية أو الدولية «الدرجة أ».

وبين التقرير أنه في الوقت الحالي تعمل المساحة المكتبية من هذه الفئة في المناطق الوسطى بمعدلات إشغال 15%، إلا أنه من المحتمل أن يفوق الحجم المجرد للمساحة المتميزة الجديدة التي من المقرر أن تدخل السوق بمركز الملك عبد الله المالي وحده هذه الفئة من حيث العرض. وأشارت «سي بي آر إي» إلى أنه مع توقع دخول ما يزيد على 800 ألف متر مربع من المساحة المكتبية المتميزة إلى سوق الرياض خلال العامين القادمين فإن مستقبل هذا القطاع على الأمد القصير يبدو باعثا على التحدي.

وأضاف: «نتيجة لذلك شهدت القيم الإيجارية انخفاضا طفيفا خلال النصف الأول من عام 2012 رغم أن ذلك أمر نموذجي في العقارات الجديدة التي تدخل السوق بقيم إيجارية أقل بشكل طفيف عن العقارات القائمة ما يخفض من قيمها الإيجارية، وهناك مقاومة عامة بين الملاك في السعودية لمفهوم تخفيض القيم الإيجارية أو تقديم حوافز، وهذه الظاهرة تستمر حتى في الأسواق التي تكون فيها تفاوتات العرض الزائد وشيكة».

وزاد: «بمعنى أوسع، انخفض متوسط القيم الإيجارية للدرجة (أ) 20% عن تلك المتحققة في الرياض ولا توجد مساحات مكتبية يمكن تصنيفها ضمن فئة (الدرجة الأولى الدولية) وهو ما يعزى بشكل جزئي للطبيعة المتفاوتة للتطوير المكتبي في جدة حيث لا توجد هناك منطقة أعمال مركزية محددة بشكل واضح».

ويتم توزيع المساحات المكتبية في جدة (غرب السعودية) في رقعة واسعة مع تنفيذ معظم أنشطة الإنشاءات في موازاة الطرق الرئيسية في المناطق الشمالية من المدينة، وتتسم مستويات أنشطة الإنشاءات بالكبر مع توقع بتضاعف حجم المساحة المكتبية المحلية من الدرجة «أ» خلال العامين المقبلين.

ووفقا لخالد الضبعان المستثمر العقاري فإن العقارات المكتبية فرضتها معطيات معينة قبل الأزمة المالية، وبالتحديد بعد هبوط سوق الأسهم، حيث بحثت رؤوس الأموال عن قطاع مجد، وهو كان بالتحديد قطاع العقارات المكتبية، مما سجل نموا كبيرا في الاستثمارات التي نفذت في وقت شهدت فيه مواد البناء ارتفاعا في الأسعار الأمر الذي تسبب بمشاكل حسابية بعد الأزمة المالية في تحقيق العوائد التي قامت عليها دراسات الجدوى لتلك المشاريع.

وأضاف الضبعان «الكثير من الملاك يتوقع أن تنتعش الأسواق مرة أخرى، إلا أن الواضح وعلى المدى القصير فإن المعروض سيتسع مع زيادة ضخ المشاريع المخصصة للعقارات المكتبية، خاصة مع وجود عرف بأن مستأجري المكاتب من شركات ومؤسسات أفضل في الالتزام بسداد الإيجار من مستأجري العقارات السكنية بنسبة تصل إلى 40%».

وشدد أن انخفاض الأسعار في العقارات المكتبية قادم مع وجود مشاريع تستثمر بها الصناديق الحكومية كأبراج غرناطة في العاصمة السعودية الرياض، والمركز المالي، داعيا إلى أن الدور على شركات التثمين العقاري السعودية التي يقع على عاتقها دور كبير في تعديل الأسعار المعروضة في الوقت الحالي، وتقديم المشورة الصحيحة لملاك العقارات المكتبية.