نشاط إقراض الرهون العقارية يعيد «جيه بي مورغان» للأرباح مرة أخرى

حقق ارتفاعا بنسبة 34% بقيمة 5.71 مليار دولار

المركز الرئيسي لبنك جيه بي مورغان في مانهاتن نيويورك (أ.ف.ب)
TT

بعد أن بدأ أخيرا في تجاوز كارثة تداول لوثت سمعته التي كانت ممتازة، أعلن جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لمصرف «جيه بي مورغان تشيس» يوم الجمعة الماضي عن تحقيق أرباح ربعية قوية، نتيجة لزيادة كبيرة في نشاط إقراض الرهون العقارية. وقد ظل ديمون يحارب من أجل صرف الأنظار بعيدا عن خسائر التداول التي وقعت في شهر مايو (أيار) الماضي وبلغ حجمها عدة مليارات من الدولارات، مما أثار ضجة كبيرة بين المستثمرين، ودفع المصرف إلى خصم ملايين من أجور كبار مسؤوليه على سبيل التعويض، وتسبب في عمليات فحص وتفتيش من قبل جهات إنفاذ القانون الفيدرالية.

ومما يساعده على ذلك أرباح الربع الأخير، التي ارتفعت بنسبة 34% لتصل إلى 5.71 مليار دولار.

واستعاد ديمون، الذي كان يتحدث قبل أشهر بنبرة اختيال وهو يقلل من شأن الرهانات الخاسرة التي قام بها المصرف، ثم اضطر بعد ذلك إلى إبداء المزيد من الندم، نبرته الواثقة المعتادة يوم الجمعة الماضي، حيث أكد أن المصرف تمكن من احتواء آثار صفقات التداول غير المتقنة، بعد تصفية المعاملة المالية والحد من الخسائر التي تكبدها المصرف الاستثماري بالنسبة للمتبقي من صفقة تداول المشتقات الائتمانية. وقد بلغت الخسائر التي سببها هذا الرهان 449 مليون دولار في الربع الثالث، مما جعل إجمالي الخسارة يصل إلى 6.25 مليار دولار منذ بداية العام.

وقال ديمون: «الائتمان التركيبي أمر ثانوي»، وأشار بدلا من ذلك إلى النمو القوي الذي سجله المصرف في جميع وحداته التجارية، وخاصة في وحدة صيرفة الرهون العقارية، التي أعلنت زيادة في الأرباح قدرها 57% عن العام السابق. وتابع ديمون: «نحن نرى أن سوق الإسكان قد اجتازت المرحلة الحرجة».

وبشكل عام، فإن أرباح المؤسسة - التي بلغت 1.40 دولار للسهم - تجاوزت تقديرات وول ستريت، حيث بلغت إيرادات الربع الثالث 25.9 مليار دولار، بارتفاع قدره 6% عن الربع المقابل من العام الماضي. وباعتباره أكبر مصرف في البلاد من حيث حجم الأصول، فإن أداء مصرف «جيه بي مورغان» - وخاصة عندما يكون مشرقا - ينظر إليه على أنه مؤشر إيجابي بالنسبة للاقتصاد بأكمله، والنمو الذي يحققه المصرف - وخاصة في القروض التي يقدمها إلى العملاء والشركات - قد يدل على تزايد الإحساس بالتفاؤل بين الأميركيين ويبشر بخير بالنسبة لأسواق الإسكان، التي ظلت تسير بخطى مترنحة نحو التعافي. ويؤكد غلين شور، وهو محلل لدى شركة «نومورا للأوراق المالية»: «إنها بلا شك علامة إيجابية».

كما أعلن المصرف أيضا عن انخفاض أعداد العملاء المتأخرين في سداد فواتير بطاقاتهم الائتمانية، وتراجعت عمليات شطب قروض البطاقات المتعثرة إلى 3.6%، بعد أن كانت 4.7% العام الماضي، وهذه الاتجاهات تمثل نمطا سائدا في الولايات المتحدة. ففي شهر أغسطس (آب) الماضي، كانت حالات التعثر في تغطية البطاقات الائتمانية تبلغ 2.32%، وذلك طبقا لشركة «موديز لخدمات المستثمرين»، بانخفاض عن 3.04% قبل عام.

ومع ذلك، فإن المستثمرين في أسهم القطاع المصرفي ما زالوا يتوخون الحذر رغم الأرباح التي أعلن عنها مصرفا «جيه بي مورغان» و«ويلز فارغو» يوم الجمعة الماضي، حيث خسرت أسهم «جيه بي مورغان» 48 سنتا من قيمتها (أو 1.14%) لتصل إلى 41.62 دولار. ومن الأسباب التي أثارت حالة من الذعر بين المستثمرين انكماش صافي هامش الفوائد، وهو هامش الربح المتحقق من نشاطي الإقراض والاستثمار، حيث انخفض صافي هامش الفوائد لمصرف «جيه بي مورغان»، على سبيل المثال، ليصل إلى 2.43% مقابل 2.66 العام الماضي.

ويمثل تضخم الودائع في مصرف «جيه بي مورغان» تحديا كبيرا بسبب استمرار انخفاض أسعار الفائدة، مما يجعل العوائد على استثمارات المصرف هزيلة. إلا أن ما عزز من أرباح المصرف هو الزيادة في نشاط إقراض الرهون العقارية، الذي حفزه جزئيا الانخفاض الشديد في أسعار الفائدة، التي انخفضت أكثر في الأسابيع الأخيرة نتيجة البرنامج الذي انتهجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي لشراء السندات المضمونة برهون عقارية. وقد بلغت قروض المنازل الجديدة وعمليات إعادة التمويل في المصرف 47 مليار دولار، بارتفاع قدره 29% عن الفترة نفسها من العام الماضي.

وقد خفف ديمون من توقعاته بالنسبة للسوق، حيث أشار إلى أن قسما كبيرا من القروض الجديدة جاء من طفرة مفاجئة في نشاط إعادة التمويل سوف تهدأ في النهاية. وتمثل عمليات إعادة التمويل نحو 75% من حجم الرهون العقارية في الربع المنصرم. كما حذر أيضا من إمكانية استمرار حالات التخلف عن السداد، إلى جانب عمليات الحجز على الرهون، التي ستؤدي في أغلب الظن إلى زيادة التكاليف التي يتحملها المصرف. ولمح ديمون أيضا بنبرة مألوفة إلى أن سوق الإسكان قد تتعافى بصورة أسرع إذا قلل المشرعون في واشنطن من تدخلهم، وقال في مؤتمر هاتفي أجراه مع المراسلين الصحافيين: «أرجو من أجل خير أميركا أن نبدأ في تصحيح الأشياء التي تجعل عملية ضمان الرهون العقارية ضيقة للغاية».

وقد أظهر مصرف «جيه بي مورغان» مؤشرات قوة في مختلف أنشطته الإقراضية الأساسية، حيث سجلت المجموعة المصرفية التجارية إيرادات قياسية، وقفز حجم مبيعات بطاقات الائتمان بنسبة 11% مقارنة بالعام السابق، مما عزز من الوحدة الأكبر حجما، وحققت خدمات البطاقات ونشاط السيارات أرباحا قدرها 954 مليون دولار، بارتفاع نسبته 12%.

ومع التحسن الذي تشهده بيئة الائتمان، قلل مصرف «جيه بي مورغان» من الأموال التي يقوم بتجنيبها من أجل تغطية الخسائر المحتملة، مما أدى إلى زيادة أرباحه. ففي نشاط صيرفة الرهون العقارية، خفض المصرف 900 مليون دولار من حجم احتياطياته، ليصل إجمالي ما جنبه المصرف من هذه الأموال إلى 1.79 مليار دولار، مقارنة بمبلغ 2.41 مليار دولار قبل عام. وظلت الإيرادات من أسواق الدخل الثابت وأسواق الأسهم راكدة إلى حد كبير.

إلا أن التحقيقات ما زالت تطارد المصرف، مما قد يزيد من المشكلات التي سيواجهها مستقبلا. وفي أحدث التحديات التي برزت أمامه، توالي السلطات الفيدرالية رفع القضايا الجنائية المتعلقة بخسائر التداول، كما تفحص مكالمات تحدث فيها موظفون بالمصرف عن كيفية تقييم تلك الرهانات، علاوة على قيام «لجنة الأوراق المالية والبورصة» هي الأخرى بالتحقيق في خسائر التداول. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مصرف «جيه بي مورغان» يواجه قضية مرفوعة ضد شركة «بير ستيرنز»، وهي الوحدة المتعثرة التي أصبحت ملكا له. ففي وقت سابق من هذا الشهر، في أول خطوة تتخذها ضد مصرف كبير، قامت مجموعة العمل الفيدرالية المعنية بالرهون العقارية - التي يشارك في رئاستها النائب العام في نيويورك إريك شنايدرمان - بمقاضاة شركة «بير ستيرنز» ووحدة الإقراض التابعة لها، متهمة إياها بالنصب والاحتيال على المستثمرين الذين اشتروا أوراقا مالية مضمونة برهون عقارية أثناء طفرة الإسكان.

وفي محاولة لمحو آثار صفقة التداول الفاشلة قبل الإعلان عن أرباح الربع الثالث، قام مصرف «جيه بي مورغان» بإجراء إعادة هيكلة واسعة في صفوف إدارته العليا. وعلى سبيل المثال، فمن المتوقع أن يتنحى دوغلاس براونستاين الرئيس المالي للمصرف عن منصبه الذي يشغله منذ عام 2010. وإن كان من المتوقع أن يستمر مع المؤسسة. وفي وقت سابق، أعلن باري زوبرو - الذي يرأس حاليا قسم الشؤون التنظيمية بالمصرف - أنه سيستقيل من منصبه بنهاية العام الحالي.

وفي الربع الثاني، قام المصرف بتحويل الرهانات الائتمانية المتبقية في مكتب رئيس الاستثمار إلى وحدة الصيرفة الاستثمارية التابعة له. وفي يوم الجمعة الماضي، صرح المصرف بأنه «أغلق فعليا» صفقة المشتقات، التي أبرمها برونو إكسيل الملقب بـ«حوت لندن».

* خدمة «نيويورك تايمز»