العقارات في بريطانيا.. أسواق مختلفة وليست سوقا واحدة

تباين قياسي في الأسعار خاصة بين الجنوب والشمال

صورة جوية لعقارات في بريطانيا («الشرق الأوسط»)
TT

أظهر تقرير طبي صدر مؤخرا في بريطانيا أنه إذا كانت نسبة الأمراض القلبية قد تراجعت بمقدار النصف في المملكة المتحدة منذ ثمانينات القرن الماضي، فإن سكان شمال بريطانيا معرضون للإصابة بالأمراض القلبية وبالنوبات القلبية وحتى السكتات القلبية أكثر من سكان جنوب بريطانيا لتؤكد بذلك ذلك الانقسام، الذي أصبح أشبه بمسلمة في بريطانيا، بين الشمال الفقير، والجنوب الغني. ويظهر التقرير الذي أعدته جامعة إمبريال كوليج، وتناولته الصحافة البريطانية باهتمام أن شباب المناطق الشمالية في بريطانيا أكثر عرضة من نظرائهم في الجنوب بأربعة أضعاف للإصابة بالأمراض القلبية بسبب مستوى المعيشة ومعدلات الفقر والبطالة ومستويات التعليم، حيث إن مستوى المعيشة وفرص العمل ومستويات التعليم والوعي الطبي بالتالي أكبر في جنوب بريطانيا منها في شمال بريطانيا، على الرغم من أنه كان مهد الثورة الصناعية ليس في بريطانيا فقط بل وحتى في أوروبا والعالم. غير أن النشاط الصناعي في شمال بريطانيا تراجع بشكل رهيب مما أحدث خللا بنيويا كبيرا في اقتصاد المناطق مع مرور السنوات.

ومثلما هناك اختلاف في النشاط الاقتصادي بين شمال إنجلترا وبريطانيا عموما مقارنة بجنوب إنجلترا وخاصة جنوب شرقي إنجلترا، الذي يضم العاصمة لندن، فإن هناك اختلافا كبيرا أيضا في أسعار العقارات.

وقد تكون أسعار العقارات في العاصمة البريطانية لندن نارا ملتهبة تحرق من يقترب منها.. وستجد صعوبة للعثور حتى على استوديو فما بالك بشقة من غرفة واحدة بأقل من 200 ألف جنيه إسترليني (260 ألف دولار) حتى في بعض ضواحيها، فإذا اتجهت شمالا، على بعد أربع ساعات في أقصى تقدير، إلى مقاطعة لانكشر بشمال إنجلترا، وبالتحديد مدينة بارنلي، لتجد منزلا من غرفتين معروضا للبيع مقابل 15 ألف جنيه إسترليني (21 ألف دولار) فقط!، مثلما ذكرت وسائل إعلام بريطانية مؤخرا. وبإمكانك وبنفس المبلغ الذي لا تستطيع به شراء استوديو في لندن أي 200 ألف جنيه إسترليني (260 ألف دولار) بإمكانك شراء فيلا أو بيت كبير بأربع غرف في مناطق أخرى من بريطانيا خاصة في الشمال، وفي ويلز في أقصى غرب بريطانيا. وإذا كان هذا الفرق بين أسعار العقارات في جنوب إنجلترا، وشمالها ليس جديدا. لكن هذا الفارق يعرف تزايدا كبيرا وبمعدلات قياسية خاصة منذ تفجر الأزمة المالية في 2008. ففيما تعافت أسعار العقارات أو على الأقل استقرت أسعارها في جنوب إنجلترا من تبعات الأزمة المالية، فإنها تواصل تراجعها في شمال إنجلترا. ويبدو أن منطقة جنوب شرقي إنجلترا، خاصة التي تضم العاصمة لندن، والتي تعتبر قلب البلد الاقتصادي والسياسي، تسبح في فلك مختلف «عقاريا»، منفصل تماما عن شمال إنجلترا.

وقد اتسع الفارق بين عقارات شمال وجنوب إنجلترا بشكل ملحوظ في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث تراجعت أسعار مبيعات العقارات في جنوب إنجلترا بنحو 42 في المائة، فيما هبطت مبيعات العقارات في شمال إنجلترا بـ51 في المائة، بينما تراجعت مبيعات المساكن بـ47 في المائة في عموم بريطانيا خلال السنوات الثلاث الماضية.

ويؤكد مارتن إيليس الاقتصادي المختص بشؤون الإسكان ببنك هليفاكس. ويقول إيليس: «هناك انقسام بين الشمال والجنوب بشكل واضح سواء في أسعار أو مبيعات العقارات. فالشمال يعاني فيما أداء القطاع في الجنوب معقول نسبيا، خاصة في تلك الأوضاع الاقتصادية المحلية والعالمية الحالية. لقد تأثرت سوق العقارات عموما بفعل الأزمة المالية والركود، لكن تأثر الشمال كان أكبر، بينما كان الوضع أفضل نسبيا في الجنوب، الذي يعرف نشاطا اقتصاديا أفضل».

وحتى وإن كان الاتجاه الواضح أن بريطانيا عموما وبشكل خاص إنجلترا أصبحت سوقا عقارية من عالمين مختلفين، فإن هناك أيضا مقاطعة ويلز، التي تقع في وسط غرب بريطانيا فإن أسعار العقارات فيها في بعض المناطق قد تكون مذهلة بأسعارها الرخيصة، التي لا يمكن مقارنتها حتى بالمناطق الإنجليزية القريبة منها فما بالك بالعاصمة لندن. ونفس الأمر ينطبق على اسكوتلندا، التي تنخفض أسعار العقارات فيها بشكل كبير مقارنة بإنجلترا، ولا تخرج عن القاعدة إلا مدينة «ادنبره» التاريخية، التي ترتفع أسعار العقارات فيها، ومدينة «أبرديين» حيث صناعة النفط البريطانية، التي تعتبر الأسعار مرتفعة فيها أيضا مقارنة بالمعدل العام في اسكوتلندا. وإن كانت لا تبلغ الأسعار فيها مستويات أسعار لندن أو جنوب إنجلترا.