مصرفيو لندن يتحولون إلى ملاك عقارات للاستفادة من عائد الإيجارات

متوسط الإيجار في العاصمة البريطانية قفز إلى 1240 جنيها إسترلينيا

جانب من حي المال في لندن
TT

تحول فيفيك جيسواني إلى أحد ملاك العقارات عن طريق الصدفة، عندما قام مصرف «دويتشه بنك إيه جي» بنقله إلى مدينة نيويورك بعد أسبوعين من انتقاله للعيش في منزل جديد بوسط العاصمة البريطانية لندن. والآن يعود جيسواني إلى المملكة المتحدة مرة أخرى، حيث ينظر جيسواني إلى شقته في شارع بيكر، الذي كان يسكن فيه شيرلوك هولمز، على أنها أحد أفضل ممتلكاته، وهو الآن على وشك شراء منزل آخر حتى يتمكن من توسيع نشاطه التجاري في مجال الإيجارات.

وقال جيسواني (36 عاما) لوكالة بلومبيرغ الأميركية، وهو المسؤول عن إدارة المخاطر المالية بوحدة بنك التعمير الصيني في المملكة المتحدة: «لا توجد استثمارات أخرى جذابة بهذا الشكل، وستشعر ببعض الأمان إذا كانت لديك أصول يمكنك استخدامها بنفسك. هناك عائد جيد يتجاوز 5 في المائة، ومع الوضع في الاعتبار أن هذا العقار كائن في وسط لندن، فهناك طلب كبير، سواء على المستوى المحلي أو الدولي».

وقد ارتفعت قيمة الإيجارات في لندن بأكثر من 6 في المائة خلال العام الماضي لتصل إلى مستوى قياسي، على الرغم من أن خفض الوظائف من قبل المصارف قد أدى إلى تخفيض العمالة في صناعة الخدمات المالية إلى أدنى مستوى خلال 20 عاما. وتجذب شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام العمالة إلى المدينة، في حين يقوم المقرضون بتقييد عمليات الرهن العقاري، باستثناء العملاء ذوي الجدارة الائتمانية، وهو ما شجع المستثمرين الأفراد والشركات، بما في ذلك شركة «كيه كيه آر آند كومباني» العالمية للدخول في سوق الإيجارات، في ضوء قيام المصارف المركزية بتقليل العوائد على الديون لمستويات قياسية.

وقد قفز متوسط الإيجار في لندن إلى 1240 جنيها إسترلينيا (1974 دولارا) الشهر الماضي، وفقا للمؤشر الصادر عن مؤسسة «هوملت» البريطانية، وهو ما يعني أن قيمة الإيجارات قد ارتفعت بنحو 32 في المائة مقارنة بأكتوبر (تشرين الأول) 2009، عندما كان متوسط الإيجارات لا يتجاوز 940 جنيها إسترلينيا شهريا. وأضافت مؤسسة «هوملت»، التي تعد أكبر شركات التأمين والتأجير في المملكة المتحدة، أن إيجارات العقارات في بقية أنحاء البلاد قد ارتفعت بنسبة 7 في المائة بين عامي 2009 و2012.

ولندن ليست المدينة الوحيدة في العالم الغربي التي شهدت ارتفاعا كبيرا في الإيجار؛ فقد صاحبتها قفزة أخرى في حي مانهاتن الأميركي أيضا، حيث بلغ متوسط إيجار الشقة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي 3195 دولارا، بارتفاع بلغ 10 في المائة مقارنة بقيمة الإيجارات منذ أكثر من عام. وقالت يولاند بارنز، وهي مديرة فريق البحث بشركة «سافيلس بي إل سي»: «تحسن الأداء الاقتصادي يؤدي إلى زيادة الطلب والهجرة إقليميا ومحليا. تتمتع هذه المدن باقتصاد قوي لأنها مدن عالمية».

وفي بريطانيا، يؤدي ارتفاع الإيجارات إلى تشجيع المستثمرين على الحصول على قروض لشراء عقارات بهدف تأجيرها، وهو شكل من أشكال الرهن العقاري الذي ساعد على زيادة المضاربات خلال الطفرة التي شهدتها سوق العقارات. وقد وصل إجمالي القروض من هذا النوع إلى 4.2 مليار جنيه إسترليني خلال الأشهر الثلاثة حتى سبتمبر (أيلول) الماضي، وهو الأعلى منذ الربع الثالث من عام 2008، عندما تعرضت سوق العقارات لأزمة حادة.

وقام جيسواني بشراء شقته الأولى عام 1999 بشارع بيكر مقابل 100.000 جنيه إسترليني، وقال إنه ينوي إنفاق 1.35 مليون جنيه إسترليني على آخر عقار قام بشرائه، ثم ينتقل للعيش فيه ويقوم بتأجير المنزل الذي يعيش به حاليا.

ويقوم جيسواني بتأجير العقار المكون من غرفة نوم واحدة في شارع بيكر بالقرب من حديقة «ريجنت بارك» مقابل 395 جنيها إسترلينيا في الأسبوع، في حين يصل متوسط الإيجار الأسبوعي لـ475 جنيها إسترلينيا في حي تشيلسي، و550 جنيها في حي نايتسبريدغ المجاور، وفقا للبيانات الصادرة عن الموقع الإلكتروني الخاص بعمدة لندن. ويتنامى الطلب على التأجير لأن أول مشترين للعقارات في المدينة عادة ما يطالبون بالحصول على مقدم يصل إلى 25 في المائة من قيمة الإيجار، وفقا لسلطة لندن الكبرى. وقالت وحدة «هاليفاكس» للرهن العقاري التابعة لمجموعة «لويدز» المصرفية، إن متوسط المقدم المدفوع قد وصل إلى 57.175 جنيه إسترليني، أي أكثر من ضعف متوسط قيمة المقدم الشائع في إنجلترا.

وتظهر القيود المفروضة على الإقراض من خلال تراجع عدد القروض العقارية الممنوحة خلال السنوات الخمس الماضية، حيث بلغ إجمالي الإقراض العقاري نحو 141 مليار جنيه إسترليني عام 2011، مقابل 363 مليار جنيه إسترليني عام 2007، وفقا لمجلس مقرضي الرهن العقاري.

* مصرف «نورثرن روك»

* وفي شهر أغسطس (آب) 2007، وقبل انهيار مصرف «نورثرن روك» الذي أشعل الأزمة المالية في المملكة المتحدة، كان هناك 829 رهنا عقاريا متاحا لأولئك الذين يمكنهم دفع 10 في المائة مقدما من قيمة العقار. والآن، ما يقرب من ثلث هذا العدد تقريبا معروض وبهذه النسبة نفسها، حسب موقع التمويل الشخصي moneyfacts.co.uk. وأضاف الموقع أن هناك 101 عقارا متاحا، مع إمكانية الحصول على قرض بنسبة 70 في المائة من قيمة العقار، مقارنة بـ47 في المائة في أغسطس 2007.

وفي الوقت نفسه، فإن مستثمري السندات قد أصبحوا أكثر استعدادا لشراء الأوراق المالية المدعومة برهون عقارية لشراء منازل بغرض التأجير. وقد هبط العائد الإضافي الذي يطالب به المستثمرون لعقد الدين إلى 1.55 نقطة مئوية هذا الشهر، أي 50 في المائة من السائد في شهر يوليو (تموز)، مقابل 11 نقطة مئوية في يونيو (حزيران) 2009، وفقا للبيانات الصادرة عن مصرف «جيه بي مورغان تشيس وشركاه». وكانت مجموعة «باراغون غروب أوف كمبانيز»، التي تقوم في الأساس بتقديم قروض لملاك العقارات الذين لديهم أكثر من 10 عقارات، قد باعت سندات بقيمة 175 مليون جنيه إسترليني الشهر الماضي.

ومن المرجح أن يستفيد المستثمرون الذي يقومون بشراء العقارات بهدف تأجيرها من الإصلاحات التي قامت بها هيئة الخدمات المالية في سوق الرهن العقاري. وبداية من شهر أبريل (نيسان) 2014، سوف يتعين على المقرضين أن يكونوا أكثر صرامة في ما يتعلق بالتحقق من الدخول، كما يتعين عليهم تقييم قدرة المقترضين على التعامل مع ارتفاع أسعار الفائدة.

وقال نيل تشيغويدن، وهو مدير البحوث السكنية بمؤسسة «لانغ جونز لاسال» لوكالة بلومبيرغ: «هذه الإصلاحات لا تنظم سوق شراء العقارات بهدف الإيجار. وفي الحقيقة، غالبا ما يكون مستثمرو شراء العقارات بهدف تأجيرها من الأثرياء، فغالبيتهم يكون لديه أكثر من عقار، ولذا يكون هناك قدر كبير من الأمن والضمان في هذا النوع من الرهون العقارية». ومن المتوقع أن ترتفع الإيجارات في لندن بنسبة 3 في المائة خلال العام الحالي، وبنسبة 4 في المائة خلال العام التالي، وفقا لشركة سافيلس. ويعود السبب في ذلك إلى قلة عدد المنازل الجاهزة للسكن في لندن لمدة 18 شهرا وحتى ربع العام السابق لشهر سبتمبر الماضي، وفقا للبيانات الصادرة عن وزارة الجاليات والحكومة المحلية. وقال بارنز: «بالنسبة للمستثمرين، يبدو قطاع الإيجارات في المملكة المتحدة خيارا جذابا».

وتدرس شركة «كيه كيه آر آند كومباني» بقيادة مؤسسيها هنري كرافيس وجورج روبرتس، تمويل تطوير الشقق بهدف الإيجار والبيع في لندن. وقال رئيس الشركة رالف روزنبرغ، إن الشركة تسعى لتلبية الطلب على المساكن من المقيمين في المملكة المتحدة والمستأجرين الأجانب ومشتري المساكن، مضيفا: «السوق أعمق بكثير من مجرد سوق محلية، نظرا للاهتمام من جانب الأفراد الأثرياء القادمين من الشرق الأقصى والشرق الأوسط وأوروبا».

وقالت شركة «سافيلس البريطانية» إن الإيجارات في العاصمة البريطانية سوف ترتفع بنسبة 26.4 في المائة خلال السنوات الخمس المقبلة حتى عام 2017، مقابل 24 في المائة في أرقى أحياء لندن، مثل نايتسبريدغ وبلغرافيا، و18.2 في المائة على الصعيد الوطني، وهو ما يعد سوقا مثالية لأولئك الباحثين عن مكان لوضع أموالهم، في ضوء تقلص العائدات المحتملة في صناعة الخدمات المالية في لندن. وتقوم الشركات المالية الأوروبية واليابانية، التي تعد لندن مركزا رئيسيا لتداول الأوراق المالية الخاصة بها، بتخفيض عدد العاملين بها، في ظل أسواق متقلبة وإجراءات عدة لتنظيم هذه السوق في المملكة المتحدة. وتنوي شركة «يو بي إس إيه جي» السويسرية العملاقة خفض 10.000 وظيفة، حيث تخطط الشركة لتقليص المصرف الاستثماري التابع لها.

يعكس الانخفاض في عدد الوظائف في لندن هبوطا نسبته 20 في المائة في تداول الأسهم هذا العام مقارنة بعام سابق، وانخفاضا نسبته 50 في المائة في حجم الطلبات الدولية على تداول الأسهم. هذا وقد هبطت عمليات الاندماج في إنجلترا بمقدار الثلث، فيما قلت الصفقات الدولية بشكل حاد، حسب ما أفاد مركز بحوث الاقتصاد والأعمال هذا الشهر.

وسوف يساعد العاملون في مجال التكنولوجيا الذين يفدون من الخارج في حماية أعلى الإيجارات من حالة الكآبة والتشاؤم التي تلقي بظلالها على القطاع المالي الأوروبي والتي تسببت في فقدان آلاف الوظائف هذا العام، بحسب سافيلس. وقد أسهم هذا النوع من الهجرة في تحفيز فئة المستأجرين التي يقوم جيسواني بالتأجير لها، والتي تضمنت أفرادا من الهند ولبنان والمغرب وسويسرا. وعما قريب، سوف يضيف زوجين فرنسيين إلى تلك القائمة، مع أنه ليس من المرجح أن يرفع قيمة الإيجار.

يقول جيسواني: «بالنظر إلى أن هناك طلبا هائلا، فقد استفدت في ذلك في فرز أنواع المستأجرين. فعلى سبيل المثال، إذا لم أكن أرغب في مستأجرين من الطلاب، يمكنني أن أظهر بمظهر الشخص صعب الإرضاء. يمكنني تجنب الفترات التي تكون فيها العقارات شاغرة، وفي حالة ما إذا رغب شخص ما في مشاركة العقار، فإنني لا أرغب في حدوث تلفيات نتيجة كثرة الاستعمال، لذلك، أبحث عن متخصص واحد. لقد أصبحت مالك عقارات بالصدفة».