الصناديق الآسيوية تنفق 2.8 مليار دولار على صفقات شراء مكاتب في لندن

الماليزيون والكوريون أكثر المشترين

كناري وورف جوهرة العقارات المكتبية في لندن
TT

احتل المستثمرون الآسيويون المرتبة الأولى على قائمة مشتري العقارات الإدارية في مدينة لندن في العام الجاري، في رهان على تغير الوضع المالي المتقلب الذي ساد المنطقة منذ خروج المشترين اليابانيين من السوق في تسعينات القرن العشرين.

ويعتبر «صندوق المعاشات» الحكومي الماليزي و«الاتحاد الائتماني للمعلمين» الكوري من بين أكبر المستثمرين الآسيويين الذين قاموا بإنفاق نحو 1.77 مليار جنيه إسترليني (2.8 مليار دولار) على شراء المباني الإدارية المدرة للدخل في لندن في عام 2012. وهو ما يزيد عن ربع إجمالي الاستثمارات التي تم إنفاقها في هذا الصدد، حسبما تشير البيانات التي قامت شركة «جونز لانغ لاسال» بتجميعها.

تقوم الصناديق الوطنية الآسيوية بزيادة حجم استثماراتها في قطاع العقارات، حيث تنظر هذه الصناديق نحو الخارج لزيادة عوائدها في ظل تباطؤ معدلات النمو في القارة الآسيوية. يساعد انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني، الذي يتمتع بسمعة كبيرة كملاذ آمن، والعائدات التي تغطي التكاليف الاقتصادية على جعل لندن أكثر مدن العالم جاذبية للاستثمارات الأجنبية في قطاع العقارات. ويقول غودوين غاو، مدير شركة «غاو كابيتال بارتنرز» التي يقع مقرها في هونغ كونغ وشركة «دونتاون للعقارات» التابعة لها لوكالة بلومبيرغ: «بالنسبة لنا، تعتبر لندن وجهة لتنويع الاستثمارات ورحلة نحو الأمان وطريق للحصول على المزيد من العائدات. إنها بالقطع أكثر من مجرد محاولة للحصول على دخل مستقر، فإذا كان الأمر يتعلق بارتفاع قيمة رأس المال، فستكون آسيا هي الخيار الأول».

وذهبت معظم الاستثمارات الآسيوية، التي وصلت إلى 3.5 مليار جنيه إسترليني منذ عام 2010. إلى مدينة لندن. تفوق المشترون القادمون من منطقة آسيا والمحيط الهادي على المشترين الإنجليز حتى شهر سبتمبر (أيلول) من العام الجاري، حيث قاموا بـ28% من عمليات الشراء في مقابل 24% في العام الماضي و4% في العام قبل الماضي، بحسب تقديرات شركة «جونز لانغ لاسال» التي يقع مقرها في شيكاغو.

يقول ألان كارتر، وهو محلل عقاري مقيم في لندن ويعمل لصالح شركة «إنفستك ليمتد»، إن المستثمرين قد حصلوا على الكثير من المكافآت: «إذا كنت تحصل على عوائد 5.5% في ظل الارتفاع المستمر للإيجارات، فهذا يعد أمرا رائعا للغاية في هذا التوقيت». يؤكد كارتر أن حي كناري وارف قد حل مكان مدينة لندن كأكثر سوق عقارية متقلبة في البلاد.

وانخفضت نسبة مشتريات المواطنين البريطانيين لتصل إلى 20% من إجمالي عمليات الشراء التي جرت في السوق في الأشهر التسعة الأولى من عام 2012، في مقابل 37% عام 2011. حيث انصب تركيز الشركات على تطوير أعمالها. وصلت نسبة مشتريات المستثمرين الأميركيين، الذين احتلوا المرتبة الأولى في عام 2010، إلى 19% من عمليات الشراء من حيث القيمة في العام الجاري، وفقا لشركة «جونز لانغ لاسال». زادت شركة «بروكفيلد أوفيس بروبرتيز» من نسبة مشترياتها التي بلغت 7% في العام الماضي، بعدما قامت بشراء حقيبة استثمارية بلغت قيمتها 518 مليون جنيه إسترليني من شركة «هامرسون». وتحولت المدينة إلى سوق للعقارات بعد أن دفع انخفاض قيمة العقارات الملاك اليابانيين لخفض نسبة ممتلكاتهم في المدينة إلى 2% في عام 2005 في مقابل 11% قبل عقد من الزمن. يساعد تباطؤ العرض أمام الطلب وانخفاض الأسعار بنحو 25% عن مستويات عام 2007 وقوة العملات الآسيوية في جعل سوق العقارات في لندن أكثر جاذبية.

وارتفعت قيمة الدولار السنغافوري بنحو 52% أمام الجنيه الإسترليني على مدار الأعوام الخمس الماضية، وهو ما يعني أن المستثمر السنغافوري يستطيع شراء مبنى في لندن بأقل من نصف سعره في عام 2007. مقارنة بانخفاض يصل إلى 23% بالنسبة للمشترين البريطانيين، وفقا لشركة «نايت فرانك» للسمسرة. ومن ناحية أخرى، زادت قيمة الرينغيت الماليزي بنحو 41%.

يؤكد غاو أن شركته تستطيع الاقتراض في المملكة المتحدة بمعدل فائدة يصل إلى 4% تقريبا، وأن الاستثمار في لندن سوف يدر عليهم أكثر من هذا المعدل، حيث يصل معدل الإيرادات التشغيلية الصافية للعقارات مقسوما على أسعار المبيعات إلى 6 أو 7% أو ربما يزيد عن ذلك.

وفي مقابلة أجريت معه عبر الهاتف، قال غاو: «تؤدي العائدات الخاصة بالعقارات إلى حدوث انتشار كبير لتكلفة التمويل، وهو الأمر الذي لا نراه في نيويورك ولا في هونغ كونغ بالقطع».

يتمثل أحد عوامل الجذب الأخرى بالنسبة للمشترين الأجانب في عدم دفع ضرائب على مبيعات العقارات في المملكة المتحدة إذا لم يكونوا مقيمين في المملكة، وذلك وفقا لأندي سميث، وهو شريك في شركة «برايس ووترهاوس كوبرز».

ويرى كولي ليزيري، أستاذ العقارات في جامعة كمبردج ضرورة تقييم جاذبية لندن اليوم وفق دورات الازدهار والتدهور، وقيمة العقارات التي انخفضت بمقدار النصف بعد التضخم الذي شهدته البلاد في الثمانينات.

وقال ليزيري، الذي أعد دراسة العام الماضي أظهرت أن المشترين الأجانب يمتلكون أغلب المكاتب في المدينة: «كان أداء مكاتب المدينة مفزعا، فتحقيق عوائد جيدة يتعلق يتطلب معرفة التوقيت الأنسب للدخول والخروج الآمن من السوق، لكن الكثير من المستثمرين تعاملوا مع ذلك بشكل خاطئ.

ويشير بيتر ريس، مسؤول التخطيط في المدينة إلى أن المصارف تميل إلى زيادة استثماراتها في مجال التنمية العقارية في ذروة الدورات الاقتصادية، عندما يشتد الطلب. ومع انتهاء المباني الجديدة سيتجاوز العرض الطلب سريعا ويواصل الارتفاع.

وقال بيتر داميشك، المسؤول الاقتصادي لعمليات أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في مجموعة سي بي آر إي للوساطة العقارية «بالنسبة للمشترين اليابانيين في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات، تزامن مستوى قياسي من التطوير مع انخفاض حاد في الطلب حيث سقطت المملكة المتحدة في مستنقع الركود عام 1990».

وتقول شركة إنفستكس كارتر: «اشترى اليابانيون عددا كبيرا من المباني الإدارية عامي 1988 و1989 ودفعوا مبالغ ضخمة للغاية. ثم بدأوا في تقليص خسائرهم بعدما بدأت القيمة في العودة إلى وضعها السابق مرة أخرى عامي 1993 و1994». وتظهر الإحصاءات التي جمعتها شركة داتابنك للاستثمار العقاري انخفاض قيمة مكاتب المدينة بنسبة 26% منذ سبتمبر 2007 مقارنة بتراجع بلغ 15% في وست إند وميدتاون، فيما زادت قيمة رأس المال في المدينة نحو 25% في السنوات الخمس الأخيرة بدأ من الربع الثالث لعام 2007.

ونشرت الشركة في يوليو (تموز) أن القيمة في المدينة وصلت إلى ذروتها، حيث ارتفعت مباني لندن الإدارية المدرة للدخل 1.3% خلال شهر سبتمبر بحسب إحصاءاتها. ويرى ريس من قسم التخطيط في المدينة أنه بات الآن بمقدور المشترين من آسيا إنهاء دورة الازدهار والتدهور، وقال في مقابلة معه: «لا يتوقع أن تخرج منتج محفوفا بالمخاطر، والأكثر احتمالية هو أن يكون استثمارا على المدى البعيد، وهو الأمر الأكثر صحة لسوق لندن».

اشترت عقارات داون تاون، التي يعمل بها غاو، فيننرز بلاس، المبنى الإداري الذي تم تأجير أجزاء منه إلى مجموعة جيفريز غروب بسعر لم يعلن عنه في سبتمبر. وكانت الشركة التي يقع مقرها في لندن قد قامت بعملية الشراء ضمن شراكة ضمت اتحاد ائتمان المعلمين الكوريين والاتحاد الكوري لتعاونيات الائتمان.

ويرى سونغ هونغ صن، رئيس قسم التمويل والمعاشات في معهد سوق رأس المال الكوري ومقره سيول أن توجه مستثمرو كوريا الجنوبية إلى الأسواق الخارجية والاستثمارات مثل العقارات لأنه من الصعب الحصول على عوائد مرتفعة في كوريا.

وقال: «نظرا لأن تقدم السن أصبح القلق الأكبر في المجتمع الكوري تحتاج صناديق المعاشات الثلاثة والتعاونيات الائتمانية إلى التركيز على أي عائدات إضافية يمكنهم الحصول عليها من الاستثمارات. وهم يميلون إلى دراسة الاستثمارات طويلة الأجل».

عاد اليابانيون أيضا إلى سوق لندن مع شراء شركة «ميتسوبيشي» أضخم مطور عقاري في اليابان، بحسب القيمة السوقية، ومقرها طوكيو، برجا يشغله مصرف دويتشه بنك إيه جي في شهر يونيو (حزيران) 2011، بحسب شركة «كوشمان آند ويكفيلد». كما تمت الموافقة من قبل أعضاء مجلس مدينة لندن أمس على خطة مستقلة لتطوير مبنى إداري جديد بمساحة 23.000 متر مربع (240.000 قدم مربع) على موقع على فينسبيري سيركس من خلال وحدتها باترنوستر أسوشيتس.

وقال هيرويوكي أريمورا، المدير الإداري لفرع شركة «ميتسوبيشي» للعقارات في المملكة المتحدة في رسالة بريد إلكتروني: «تعلمنا أن سوق لندن واحدة من الأسواق الأكثر روعة للعمل بها، لأنها واحدة من أكثر الأسواق العالمية الجاذبة للمستثمرين. ويمكن للسيولة الحالية أن تخلق مزيدا من الجذب».

أيضا، اشترت شركة «ميتسوي فودسان»، أضخم مطور عقاري ياباني بحسب المبيعات، موقعا العام الماضي في 70 مارك بلاس في بالشراكة مع شركة «ستانهوب» ومقرها لندن، بحسب موقع للمشروع. ولم يتوفر أحد من الشركة للتعليق على استراتيجية الشركة للاستثمار في لندن، بحسب المتحدثة باسم مجلس المدينة كريستينا لأوتون.