كيف تحقق ثروة من ملكية عقار متميز؟

الظهور السينمائي يضاعف قيمة القصور التاريخية

TT

استعاد فلاح ألماني اسمه باربر بونغارت قصرا تاريخيا يعود لأجداده كانت الحكومة الألمانية قد صادرته في الأربعينات من القرن الماضي، ولكنه واجه مشكلة ترميمه التي كانت فوق قدرته المالية. ولكن التلفزيون الألماني كان يبحث عن قصر مماثل لتصوير حلقات تاريخية فيه، وعرض ترميم القصر إلى حالته الأولى من أجل تصوير مشاهد حلقات مسلسل اسمه «مغامرات 1900 - الحياة في قصر ريفي». ولكن حظ باربر السعيد لم يتوقف عند إعادة ترميم القصر فقد زادت ثروته من الأموال التي حصل عليها لقاء التصوير، وتحول القصر فيما بعد إلى مزار من المعجبين بالمسلسل الألماني، وفتح بذلك مصدر دخل جديدا من تنظيم زيارات للقصر وبيع المشروبات وتنظيم الحفلات التاريخية.

هذه هي حالة واحدة من حالات الظهور السينمائي أو التلفزيوني الذي يعزز قيمة العقار، حيث يتحول العقار إلى نجم يجذب إليه المعجبين، ويصبح مصدر دخل لمالكه، بالإضافة إلى ارتفاع قيمته الشرائية.

وهناك كثير من قصص العقار المثيرة عن عقارات حققت ثروات لأصحابها عبر استخدامات غير عادية لها. وكل ما يحتاجه الأمر هو العقار المتميز والوكيل المحترف لكي يتحول العقار إلى منجم ذهب! من هؤلاء الوسطاء شركات تبحث عن عقارات غير عادية لكي تكون مواقع لتصوير بعض المشاهد في الأفلام أو المسلسلات. ويتم اختيار الموقع بعناية من سجل العقارات المسجلة لدى وكلاء يتعاملون مع صناعة السينما والتلفزيون. ويتم التأجير باليوم الواحد الذي تتراوح المبالغ المدفوعة فيه بين ألف دولار وعدة آلاف من الدولارات يوميا.

هذا بالطبع إلى جانب فوائد مشاهدة العقار في أفلام السينما، وأيضا إمكانية متابعة بعض لقطات التصوير ومقابلة كثير من النجوم. وعلاوة على كل هذا، فإن العقارات التي تشتهر بالأفلام التي صورت فيها تزداد في قيمتها على غرار الممتلكات العقارية لنجوم سابقين.

العقارات المناسبة لمثل هذا النوع من الاستثمار لا بد أن تكون متوافقة مع الأدوار المطلوبة. بمعنى أن تكون تاريخية أو غير عادية أو ذات مزايا لا توجد في غيرها.

أحد هذه المنازل اسمه «أوك هاوس» في ضاحية ريتشموند غرب لندن، وهو منزل تاريخي ظهر في كثير من المسلسلات البوليسية والتاريخية التي يعرضها التلفزيون البريطاني. وهو عقار يتخصص في الأفلام التاريخية التي تعكس الحياة في حقب القرنين الثامن والتاسع عشر. وظلت الأسرة التي تملك هذا المنزل تستفيد من عرضه لتصوير الأفلام والمسلسلات عبر سنوات كثيرة، لدرجة أنه أصبح أحد مصادر الدخل الرئيسية لها. ولكن تقدم العمر والإحالة إلى التقاعد فرضا عرض هذا المنزل للبيع في السوق، وعرض المنزل للبيع قبل سنوات بسعر يقترب من 3 ملايين جنيه إسترليني، بعد أن قررت الأسرة أن تتقاعد في عقار أصغر حجما. وكانت الأسرة المالكة لـ«أوك هاوس» قد اشترته في صفقة خاصة في عام 1975 وتقول إنه لم يعرض في السوق منذ عام 1932. وهو يحتوي على خمس غرف وحمامين وعدة غرف استقبال ومكتب ومكتبة على مساحة إجمالية تصل إلى 3770 قدما مربعا، بالإضافة إلى حديقة طولها 62 قدما. وهو الآن يزيد في قيمته عن ضعف هذا المبلغ.

ولكن هذا الاستخدام غير العادي للعقار في الواقع ليس بهذه السهولة؛ فالشركات المتخصصة في إيجاد المنازل المناسبة تؤكد أن لهذا المجال متاعبه أيضا بالإضافة إلى الفوائد. فعمليات التصوير تستغرق في العادة فترات تتراوح ما بين يوم واحد وعدة أسابيع، وأحيانا يضطر صاحب العقار إلى تأجير مقر مؤقت حتى ينتهي التصوير. أيضا تتكون فرق التصوير من 20 شخصا على الأقل، وتصل في الأعمال الكبيرة إلى 85 شخصا. وفي معظم الأحيان يتم تغيير ديكورات المنزل بالمرة حتى لا تتكرر الديكورات أو الألوان في أكثر من عمل فني. وأحيانا تدخل على المنزل ديكورات مؤقتة وتغييرات تبدو كبيرة، ولكنها مجرد تركيبات سطحية يسهل نزعها.

الفِرق الفنية التي تعمل على تحضير الموقع للتصوير تتمتع بدرجة حرفية عالية، فهي تقوم بتصوير الموقع كما هو في بداية التصوير، وتقوم بعد ذلك بإعداد الديكورات والتغييرات المطلوبة للعمل الفني بما في ذلك أحيانا نزع الصور والمفروشات من مكانها، ثم إعادتها لما كانت عليه تماما بعد انتهاء التصوير. وأحيانا يتطلب الأمر خلع مكونات أساسية من المنزل لأنها لا تتناسب مع الحقبة التاريخية، ويدخل في هذا النطاق مكونات أنظمة التدفئة الحديثة والمصابيح الكهربائية والأسلاك والمواسير. وفي بعض الأحيان يطلب أصحاب العقارات أن يترك العمال المكونات التي خلعت من مكانها بلا إعادة تركيب لأن نزعها من مكانها أضاف مساحات أو حسّن من الشكل العام للعقار، وتلك ميزة أخرى لم تكن في الحسبان.

ولا تقتصر المنازل التي تستخدم في التصوير السينمائي على المواقع التاريخية أو الفخمة، فالدراما تقع في كل مكان وفي أكثر من موقع. وتضم أكبر وكالة سينمائية في سجلاتها نحو 15 ألف منزل معدة لتصوير المشاهد السينمائية. ولا يستخدم في العادة إلا أقل من نصف المنازل المتاحة في عمليات التصوير.

وليست هناك شروط محددة في المنازل المعروضة لتصوير اللقطات السينمائية سوي في المساحة التي لا يجب أن تقل عن ستة أقدام عرضا في 16 قدما طولا حتى تستوعب فريق التصوير. وفيما عدا ذلك فنوعية المنازل المتاحة تشمل القصور إلى جانب منازل الأحياء الفقيرة. من مميزات منزل مثل «أوك هاوس» أنه حافظ على ديكورات وشخصية الحقبة التاريخية التي يعود إليها ولم يتعرض لمحاولات ديكور حديثة، كما يحدث في عقارات أخرى بحيث تفسد شخصيتها. فالمكان أيضا يجب أن يعطي إيحاءات الصدق في الأداء مثل الممثلين.

العقارات الناجحة سينمائيا تحقق لأصحابها إيرادات عالية وتزيد في قيمتها عند البيع، وهي أيضا يمكن أن تكون مفتاح شهرة لأصحابها، حيث قالت أكثر من وكالة إن بعض أصحاب العقارات وافقوا على تقديم عقاراتهم مجانا مقابل الظهور في أدوار ثانوية في الأفلام التي يتم تصويرها في عقاراتهم. ولكن من الأمور المتعارف عليها في هذه الصناعة أن أسرار التصوير وقصص الأفلام والمسلسلات تبقى سرا بين كل العاملين في الصناعة، بمن فيهم صاحب العقار الذي يجري فيه التصوير، وهناك بند ملزم بذلك في التعاقد بين الطرفين. ولكن الجمهور سرعان ما يكتشف هذه المواقع، مثل المنزل الذي صور فيه فيلم «نوتنغ هيل» في الحي اللندني الذي يحمل الاسم نفسه. وبلغ من حد ازدحام المعجبين أمام المنزل أن مالكه اضطر إلى تغيير معالم الباب الخارجي الأزرق وتركيب باب أسود لكي يتوافق مع أبواب المنازل المجاورة، لكي يتخلص من مشكلة الازدحام.

هذا الاستخدام العقاري لم يتطور بعد على الصعيد العربي وتتم معظم المشاهد في استوديوهات المدن الإعلامية الجديدة. كما لا توجد وكالات معروفة عربيا لديها سجلات لعقارات معروضة لأغراض الأعمال الفنية. وفي الحالات القليلة التي جرى فيها تصوير مشاهد خارج الحدود كانت الترتيبات تتم على أساس شخصي لمعارف وأصدقاء القائمين على الأفلام أو المسلسلات. ولن يتقدم هذا النوع من الاستخدام العقاري إلا بعد تطوير نوعي لصناعة السينما العربية وأيضا زيادة الإنتاج فيها عن طاقة الاستوديوهات المتاحة.

وهناك الكثير من المواقع التي يمكن أن تضيف مصداقية على الروايات المصورة في الاستوديوهات، مثل عقارات أحياء القاهرة القديمة أو مساكن مدينة جدة التاريخية أو عقارات تطل على الأهرام. وربما يود من له صلة بصناعة العقارات العربية المعدة لأغراض التصوير السينمائي أن يعلق على تجربته الخاصة في هذا المجال.

ولعل أشهر عقار ظهر في عمل فني في السنوات الأخيرة كان «عمارة يعقوبيان»، وهي عمارة واقعية تقع في وسط القاهرة ويذهب إليها بعض الزوار لتفقد واجهتها.

وتعيد الأفلام أحيانا الحيوية لعقارات مهجورة أو مهملة مثلما كان الحال مع فندق «روما» في برلين الذي يمتلكه الثري البريطاني روكو فورتي. وكان الفندق مقرا لبنك درسدن الألماني، وبقي شاغرا لمدة 10 سنوات إلى حين تصوير فيلم ألماني فيه، وبعده عاد الاهتمام بالمبني، وتحول إلى فندق فاخر.

ويقول مدير وكالة عقارية متخصصة في العثور على العقارات الملائمة للأعمال السينمائية إن المبنى يعكس الواقع الدرامي للعمل الفني من حيث الحقبة التاريخية، وأحيانا الشعور العام بنوعية الفيلم سواء كان رعبا أو دراما أو كوميديا. ويؤكد أن هناك جوائز سينمائية تمنح للمواقع المؤثرة مثل أوسكار «أفضل موقع» (Best Location) وتركز الجائزة على مدى مصداقية الموقع من حيث الديكورات وإيحاءات تساهم في الجو العام للفيلم.

وهو يشير إلى أن العوامل الحيوية في الاختيار ليست الديكور الحديث، وإنما المساحة ووجود أماكن قريبة لصف السيارات. كما توجد متطلبات عملية أخرى، مثل شارع يتسع لشاحنات نقل الديكورات والأثاث وغرف واسعة تسمح بالتصوير وتحرك الكاميرات على قضبان. وبشكل عام تكون مساحات التصوير ضعف المساحات المطلوب ظهورها في المشاهد المصورة.

وأحيانا تكون عمليات التصوير في المواقع المناسبة فنيا، وليس على أرض الواقع؛ ففي كثير من أفلام هوليوود تظهر مشاهد لندن مصورة في برلين التي تقدم تسهيلات أفضل، وتضاف فيما بعد رتوش إلكترونية للدلالة على لندن، مثل ظهور ساعة بيغ بن أو حتى دقاتها. وفي فيلم «مؤامرة بورن» ظهرت برلين على أنها موسكو. وتعرف برلين جيدا فوائد تقديم تسهيلات لفرق التصوير والتمثيل من حيث الوظائف والطلب على السلع والخدمات، ولذلك تستأثر بالنسبة الأكبر من الأفلام، مهما كان موقع القصة الحقيقي. وعربيا، اشتهر المغرب بتصوير المشاهد التاريخية العربية، حتى لو كان الفيلم عن مصر القديمة، وذلك لأن المغرب يعرف تماما قيمة صناعة السينما، ويلغي الروتين في التعامل معها بعكس جهات عربية أخرى.

* منازل اشتهرت بظهورها على الشاشة

* هناك كثير من المنازل المعروضة للبيع حاليا في بريطانيا اشتهرت بالظهور في أعمال مصورة.. سواء في الستينات أو في السنوات الأخيرة.. وبالإضافة إلى الإيرادات التي حقتها هذه العقارات لأصحابها أثناء تصوير الأعمال الفنية فيها فهي تكتسب قيمة إضافية عند البيع نظرا لشهرتها من ناحية والإيراد المتوقع منها في تصوير أعمال جديدة أخرى وتفضل شركات ووكالات التصوير السينمائي أن يكون الموقع ضمن لندن الكبرى بحيث لا يضطر الممثلون خصوصا الأميركيين منهم إلى السفر لمسافات بعيدة خارج العاصمة.. وهناك كثير من هذه المواقع التي اشتهرت بظهورها السينمائي والتلفزيوني معروضة الآن للبيع في العاصمة البريطانية، منها شقة في منطقة هوكستون بحجم غرفة نوم واحدة، ولكن سعرها يصل إلى ثلاثة أرباع المليون جنيه إسترليني. وفي ضاحية هايجيت يباع منزل بسعر 2.85 مليون جنيه إسترليني جرى تصوير كثير من الأفلام المعروفة فيه، وشهد كثيرا من كبار الممثلين والممثلات، كان آخرهم شارون ستون. وخارج لندن يعرض في مدينة برايتون الساحلية الجنوبية منزل يحتوي على 5 غرف بنحو 3.6 مليون إسترليني كان مسرحا لأحداث فيلم مشهور من الستينات. ويمكن الاستفسار عن هذه العقارات من شركات العقار البريطانية الكبرى عبر مواقعها على الإنترنت.