حمى ناطحات السحاب تجتاح مدن العالم

أحدثها في العاصمة الكينية نيروبي

الناطحات الجديدة هي لغة مدن المستقبل
TT

رغم استمرار الكساد العقاري في الكثير من دول العالم، فإن نشاط بناء بعض المشاريع المتميزة، ومعظمها من نوع ناطحات السحاب، ما زال مستمرا. ويلجأ مطورو العقار إلى شراكات مع مستثمرين أفراد أو صناديق استثمار لتمويل هذه المشروعات بعيدا عن سطوة وشروط البنوك التجارية. وكانت أحدث هذه الناطحات في العاصمة الكينية نيروبي التي تبني فيها شركة «التأمين البريطانية - الأميركية» أعلى ناطحة في المدينة بارتفاع 30 طابقا مخصصة للمكاتب. وتسمى الناطحة «برج بريت - آم» على اسم الشركة الممولة للمشروع، وهي أول ناطحة سحاب في أفريقيا تضم توربينات هوائية على سطحها لتوليد الطاقة.

وفي دبي تجري محادثات غير رسمية لإحياء مشروع برج نخيل، الذي تجمد في عام 2009 بعد الأزمة المالية. وهناك الكثير من الشركات التي تبدي اهتماما ببناء هذا البرج بعد تسوية أمور التمويل منها شركة «سامسونغ» للبناء التي تولت مشروع برج خليفة، أكبر ناطحة سحاب في العالم حتى الآن، وشركات «شيميتزو» اليابانية، و«غروكون دبليو إس بي» الأسترالية.

الاهتمام بناطحات السحاب يشمل أيضا موسكو التي تبني «راشيا تاور» بارتفاع 612 مترا، وكوريا الجنوبية التي أكملت بناء «انشيون تاور» بارتفاع 670 مترا، بالإضافة إلى مشروع شيكاغو «سباير» ويزيد في طوله عن 600 متر.

ويحتل برج الساعة في مكة المركز الثاني عالميا في الارتفاع بعد برج خليفة، حيث يصل ارتفاعه إلى 600 متر ويضم 120 طابقا، واستكمل في عام 2012.

أما لندن، فإنها تستعد لأن يتغير شكل الأفق المعماري فيها خلال العامين المقبلين بعدد من ناطحات السحاب والبنايات العالية، وإن كان أيها لن يطال مشروع «شارد» الذي يطل على العاصمة البريطانية بارتفاع ألف قدم (330 مترا) على الأقل. وخلال هذا العام وحده سوف يكتمل بناء ثلاث ناطحات جديدة هي سان جورج وارف تاور التي تضم 49 طابقا وتعلو بارتفاع 181 مترا، ورقم 150 هاي ستريت ستراتفورد، بارتفاع 41 طابقا و133 مترا، وأخيرا مشروع ميلتون كورت بارتفاع 35 طابقا و112 مترا. وكان العام الماضي قد شهد اكتمال بناء الناطحة شارد التي يبلغ ارتفاعها 1016 قدما وتضم 87 طابقا.

وترى مصادر تطوير العقار في لندن أن هذه المشاريع هي بمثابة تصويت بالثقة في مكانة لندن كمركز مالي عالمي ومؤشر لاستمرار الانتعاش الاقتصادي فيها بغض النظر عن مجريات الأسواق الأخرى. ويساهم التمويل الأجنبي، ومنه التمويل العربي، في قسم كبير من المشروعات الجديدة التي تشهدها العاصمة لندن.

ومن ناحيتها، أكدت أكبر شركة عقار بريطانية هي «لاند سيكيوريتيز» أنها بصدد بناء ناطحة سحاب جديدة في منطقة السيتي أيضا، وهي ذات شكل غريب يشبه شكل جهاز اللاسلكي، ويطلق عليها اسم «ووكي توكي». وسوف يتم افتتاح الناطحة في عام 2014. بعد أن ظل المشروع مجمدا منذ عام 2008 بسبب أزمة التمويل العقاري وصعوبة تنفيذه في وقت كانت لندن تعاني فيه من زيادة مساحات المكاتب الفائضة عن الحاجة.

وأشار رئيس قسم التخطيط في حي السيتي، بيتر ريس، إلى هذه المشروعات على أنها انعكاس لقوة لندن كعاصمة مالية واقتصادية ناجحة. وأضاف أن المستثمرين الأجانب فضلوا الاستثمار العقاري في لندن عنه في نيويورك أو في الشرق الأوسط.

وتأتي هذه المشروعات علاوة على ما تم تسليمه في الأعوام الماضية من مشروعات عقارية أخرى في لندن بعضها من نوع ناطحات السحاب التي غيرت من شكل المدينة وبعضها مشروعات أخرى على نطاق كبير مثل المجمعات التجارية والسكنية. من الناطحات متوسطة الحجم هناك مبنى «هيرون تاور» في منطقة «بيشوبس غيت» ومركز مالي باسم روتشايلد بجوار محطة «بنك». كما يجري العمل حاليا على ناطحة ثالثة اسمها «بنيكل تاور»، بعد توقف مرحلي جرت خلاله مفاوضات مع كونسورتيوم مالي من أجل الاستمرار في تمويل المشروع.

وفي مشروع آخر اسمه «تشيز غريتر» اتفقت شركة «بريتيش لاند» على شراكة في التمويل من شركة عقارية أخرى اسمها «أكسفورد بروبرتيز». ويحتاج المشروع إلى نحو 350 مليون إسترليني من التمويل لاستكماله. وكان المشروع قد توقف في عام 2006 لنقص التمويل ولكنه يعود حاليا مع توقعات إيجابية لما سوف يكون عليه وضع العقار التجاري في لندن بعد ثلاث سنوات. وهو من تصميم ريتشارد روجرز، المعماري المشهور.

من أبرز الناطحات المرموقة الأخرى في لندن مشروع برج «بيناكل» (The Pinnacle) أو الذروة، الذي يعتبر الأعلى في حي السيتي المالي، بارتفاع يصل إلى 945 قدما (288 مترا). وكانت شركة ألمانية اسمها «بيفا» تقوم بالمشروع ولكنها باعته بمبلغ يفوق المليار إسترليني لشركة الاستثمار العقاري العربية «أراب أنفستمنتس» التي تعمل من منطقة نايتسبريدج. وعلى رغم ضخامة حجم الاستثمار في المشروع فإنه ليس المشروع العربي الوحيد بين أبراج لندن، حيث تدخل سلطنة عمان شريكا في مشروع آخر. وسوف يكون المشروع هو الثاني طولا في بريطانيا بعد الناطحة «شارد»، وهو يتكون من 63 طابقا ويكتمل خلال هذا العام. وتم تخفيض ارتفاع الناطحة نظرا لاعتراض هيئة الطيران المدني البريطانية عليها.

هذا ويعمل مستثمر آخر اسمه جيرالد رونسون على بناء ناطحة سحاب، يطلق عليها اسم «هيرون تاور»، على مقربة من «بيناكل» العربية. ولكن حتى هذا المشروع يشارك فيه أيضا رأس المال العربي، حيث وقع رونسون تعاقدا مع ثلاثة بنوك ألمانية لاقتراض مبلغ 370 مليون إسترليني، بضمانات تشمل مشاركة رأسمال عماني حكومي في المشروع بالإضافة إلى عدد من مستثمري العقار من القطاع الخاص. ويصل ارتفاع ناطحة هيرون إلى نحو 663 قدما (230 مترا) وقد تم افتتاح الناطحة الجديدة في شهر فبراير (شباط) عام 2011.

من ناحيتها تنفذ شركة «بريتيش لاند» الكثير من المشروعات الأخرى التي تستخدم كمجمعات لمكاتب الشركات. وترى الشركة أن هناك الكثير من الطلب على العقارات الذكية في المستقبل، ولكن تبقى مخاوف من أن دخول الكثير من الناطحات في السوق في توقيت متزامن من شأنه أن ينعكس سلبيا على العوائد الإيجارية.

من ناحية أخرى تؤكد شركة «لاند سيكيورتيز» أنها سوف تبدأ البناء فور حصولها على الترخيص لناطحة سحاب تخضع الآن لتحقيق حكومي بسبب انعكاسها السلبي على التراث. وإذا تمت الموافقة سوف يكون البناء أيضا من دون الحصول على تأكيدات مسبقة من مستأجرين راغبين في العقار. ولا تأبه هذه الشركات بتحولات السوق في عام 2013 الذي ستدخل فيه الكثير من المشروعات الجديدة إلى السوق، لأن الاستثمار العقاري بهذا الحجم يكون للمدى البعيد. وسوف يكون الفارق بين مبنى وآخر هو عامل القيمة المضافة الذي ستحاول كل شركة أن تبرزه في تسويقها العقاري. وفي نهاية المطاف تنظر كل شركة عقارية في لندن إلى قيمة استثمارها من زاوية البيع بعد البناء. وكانت آخر الصفقات المربحة التي جرت قبل أربعة أعوام بيع شركة «بريتيش لاند» لمبنى البنك الأوروبي للإعمار والتنمية إلى شركة استثمار ألمانية بمبلغ وصل إلى 406 ملايين إسترليني.

وساهم في هذا النشاط المعماري غير المسبوق في تغيير مناخ إصدار التراخيص العقارية التي كان من الصعب الحصول عليها في الماضي، حتى تم بناء مبنى شركة التأمين السويسرية المعروف باسم «غيركن» والذي يرتفع في هيكل بيضاوي زجاجي لافت للنظر في لندن. وكان لبلدية لندن دور كبير في تشجيع إصدار تراخيص البناء لكي تفتح آفاق منافسة لندن إزاء مدن أوروبا الأخرى في استضافة الاستثمار الأجنبي في العقار وفي مجالات الأعمال الأخرى التي تستأجر هذه العقارات الجديدة.

وبلغ من حدة الصراع على بناء الناطحات في لندن في الوقت الحاضر أن بعض جهات التراث التقليدية أخذت تحذر من مخاطر انتشار الناطحات بلا حساب في وسط لندن. ويزداد الخوف كلما اقتربت هذه الناطحات من قصور ملكية أو معالم تاريخية، حيث ظهرت أول انتقادات إعلامية لبناء الناطحات في لندن في أعقاب إعلان شركة «لاند سيكيورتيز» أنها بصدد بناء ناطحتي سحاب إحداهما في حي فيكتوريا القريب من قصر باكنغهام التاريخي، والثانية بالقرب من برج لندن السياحي. والمبنى الأخير تعترض عليه هيئة التراث البريطاني التي تقول: إنه سوف يفسد الذوق العام في حي تاريخي عريق. وتذهب الهيئة إلى حد المطالبة بمنع بناء المزيد من ناطحات السحاب في لندن، على الأقل في المسار الذي يوازي نهر التيمز حتى شرقي لندن.

ويتم التحقيق حاليا في حالة ناطحة سحاب حي فيكتوريا لمعرفة مدى أضرارها على المنظر العام من قصر باكنغهام. وكانت شركة «لاند سيكيورتيز» قد كلفت شركة «كول بيدرسون فوكس» التي تبني أعلى ناطحة سحاب في العالم في شنغهاي لبناء ناطحتين في حي فيكتوريا لا يقل طول كل منهما عن 50 طابقا. وفي الوقت الذي تحاول فيه المجالس المحلية عرقلة مثل هذه المشاريع يحاول عمدة لندن انتزاع حق الفيتو من مجالس أحياء لندن لكي تكون له الكلمة الأخيرة في تطوير لندن والسماح ببناء الناطحات فيها حتى تنافس العواصم الأخرى.

ولجأ أحد أحياء لندن، وهو حي ويستمنستر، إلى هيئة اليونيسكو، لكي تتدخل لحماية التراث التاريخي في لندن من الناطحات وكتبت الهيئة فعلا احتجاجا إلى الحكومة البريطانية تعترض على عدم تدخلها لحماية المواقع الأثرية.

من مخاطر هذا التوسع الرأسي غير المسبوق في لندن زيادة الإمدادات العقارية بطريقة يعتبرها البعض مضاربة عقارية لأن البناء يجري من دون ضمانات الحصول على مستأجرين. وفي نهاية الربع الأخير من العام الماضي كانت المساحة الشاغرة للعقارات التجارية في لندن نحو ثمانية ملايين قدم مربع. وتشير شركة «نايت فرانك» العقارية إلى أن نشاط البناء الجاري حاليا سوف يضيف مليون قدم مربع أخرى إلى السوق. ولكنها تشعر بالتفاؤل أن المساحات الجديدة سوف يتم استغلالها من قطاع البنوك المتوسع دوما في لندن.

هذا وتعد لندن حاليا هي الموقع الأغلى عقاريا في العالم متفوقة بذلك على إمارة موناكو التي كانت تعرف تقليديا بأنها جنة الأثرياء. وسبب هذا الانطلاق العقاري هو الاستثمار الأجنبي خصوصا من مناطق مثل الشرق الأوسط وروسيا وشرق آسيا. وتحظى لندن بأكبر عدد من أثرياء العالم من المقيمين فيها، ومعظم هؤلاء هم أيضا من الأجانب.

هذا، وما زال برج خليفة في دبي هو صاحب الرقم القياسي العالمي بين ناطحات السحاب بينما تمتلك الصين خمس ناطحات سحاب بين العشرة الأوائل في العالم. ولا توجد حتى الآن مشروعات معلنة تهدف إلى انتزاع اللقب من دبي قريبا.

* أكبر 10 ناطحات سحاب في العالم بترتيب ارتفاعها

* 1 - برج خليفة (دبي) 828 مترا واستكمل عام 2010 2 - برج الساعة (مكة) 601 متر واستكمل عام 2012 3 - برج تايبي 101 (تايبي) 509 أمتار واستكمل عام 2004 4 - برج مركز شنغهاي المالي (شنغهاي) 492 مترا واستكمل عام 2008 5 - المركز التجاري الدولي (هونغ كونغ) 484 مترا واستكمل عام 2010 6 - برج بتروناس المزدوج (كوالالمبور) 452 مترا واستكمل عام 1998 7 - برج زايفنغ (نانجنغ، الصين) 450 مترا واستكمل عام 2010 8 - برج مركز شنغهاي المالي (شنغهاي) 442 مترا واستكمل عام 1973 9 - برج كنكي 100 (شينزن، الصين) 442 مترا واستكمل عام 2011 10 - برج غوانزو المالي الدولي (غوانزو، الصين) 440 مترا واستكمل عام 2010