السعودية: تكاليف إضافية تحمل صغار العقاريين خسائر كبيرة وتهدد وجود مؤسساتهم

في الوقت الذي يعتمد عليهم أكثر من 85% من الراغبين في البناء

قرار رفع العمالة الأجنبية سيسهم في تعثر المزيد من مشاريع البنية التحتية («الشرق الأوسط»)
TT

شكلت الرسوم التي فرضتها وزارة العمل السعودية على المنشآت الخاصة التي يتجاوز عدد العمالة الأجنبية فيها على عدد السعوديين، والبالغة 2400 ريال، عقبة إضافية على شركات المقاولات الإنشائية المتوسطة والصغيرة على وجه الخصوص، التي تعاني من تباطؤ النمو العقاري وارتفاع الأسعار، ناهيك بتورط بعض منهم في اتفاقات استبقت إصدار القرار، مما جعلهم يرضخون لبنود العقود والاستمرار في البناء، على الرغم من جنيهم خسائر قد تعرضهم للإغلاق، نتيجة للضريبة التي يدفعونها لوزارة العمل.

كما أن السوق العقارية خلال الفترة التي استبقت القرار تعاني من نقص في العمالة الماهرة، التي زادت أسعارها إلى مستويات كبيرة، وبات المستهلك يتحمل تبعات هذا القرار الذي يدفع ثمنه المواطن الطامح إلى بناء منزل العمر، خصوصا أن أكثر من 85 في المائة من البنايات الإنشائية يقوم بإعمارها المواطن بشكل مباشر بالتنسيق مع المقاول، وأن النسبة المتبقية تقوم بها الشركات الإنشائية التي رفعت أسعارها، لتضيف الرسوم مع التكاليف الأساسية عند إبرام العقود.

قال بندر التويم الذي يدير مؤسسة متخصصة في الإنشاءات إن المتضرر الأول من هذا القرار هو المواطن، الذي سيدفع بشكل أو بآخر هذه الرسوم، خصوصا في ظل شح العمالة الماهرة التي هاجرت للعمل في الدول المتقدمة، أو استطاعت الشركات الكبرى الظفر بخدماتهم للإنشاءات العملاقة، مما حدا بالمتبقين إلى رفع الأسعار تماشيا مع الواقع الجديد، إلا أنه وبعد هذه الرسوم فإن أسعارهم زادت وستصل إلى مستويات أخرى في ظل عدم تقنين الأمر، ومساواة القطاعات الاقتصادية بعضها ببعض، موضحا أن للشأن العقاري أمرا خاصا لا يصح خلطة بالفروع الأخرى، نظرا لحساسيته الشديدة.

وكانت وزارة العمل السعودية رفعت رسوم رخص العمل من 100 إلى 2400 ريال سنويا، ويستثنى من القرار الذي أثار جدلا واحتجاجات كثيرة في المملكة التي يعيش فيها أكثر من ثمانية ملايين وافد، بينهم ستة ملايين يعملون في القطاع الخاص، كلا من أبناء المواطنة السعودية والعمالة المنزلية والخليجية والشركات التي تبلغ لديها نسب التوطين أكثر من 50 في المائة، وهو الأمر الذي لا ينطبق على كثير من الشركات.

وبالعودة إلى التويم، الذي أبان بأنه يمتلك قرابة الـ90 عاملا، وأنه من الصعب جدا توطين نصف تلك الوظائف بالسعوديين، نظرا لعدم اهتمام السكان المحليين بالالتحاق بها، لافتا إلى أن على الوزارة أن تجد حلا عاجلا لهذا القرار، خصوصا أن القطاع العقاري لا يحتمل المزيد من العزوف والتوقف، وأن هذه الرسوم انعكست وبشكل كبير على تكاليف البناء بشكل عام، لأن بعض الشركات والمؤسسات تتعهد بدفع هذه الرسوم، التي ستستخرجها حتما من المواطن بأي شكل كان، موضحا أن بعض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة قد لا تتحمل دفع هذه الرسوم مما قد يؤدي إلى إغلاقها، وبالتالي إلى نقص في قطاع الإنشاءات الذي يعاني أساسا من الندرة.

وكان مجلس إدارة غرفة الشرقية قد ذكر على لسان رئيسها صالح السيد أن لجنة المقاولات بغرفة الشرقية تقف مع المطالب التي سترفع إلى وزارة العمل بتعليق رسوم العمالة كون قرار رفع رسوم العمالة الأجنبية سيسهم في تعثر المزيد من المشاريع التنموية والبنية التحتية، مشيرا إلى أن قرار إضافة 2400 ريال رسوما للعمالة الأجنبية سيكلف قطاع التشييد والبناء أكثر من 6 مليارات ريال.

وفي ذات الصلة قال إبراهيم العبيد، وهو مستثمر عقاري، إن مشكلة القرار تكمن في مفاجأته للمستثمرين، أي لم يتم التنسيق معهم أو حتى إحاطتهم بذلك، لإضافتها في العقود وعدم تحميل المستثمرين الخسائر، لافتا إلى أن بعض العقود التي أبرمها تمتد إلى سنتين قادمين وإلى ثلاث، متسائلا عمن سيتحمل هذه الرسوم التي لم تدرج في بنود الاتفاق، موضحا بأنه يدير عشرات العمالة وأنه مسؤول عن تسديد الرسوم حتى لا تتوقف المشاريع أو تتعثر، مبينا بأنه يتحدث عن مبالغ كبيرة سيدفعها المستثمرون في الوقت الحالي، تصل إلى مئات ملايين الريالات.

وأضاف: «توطين الوظائف هم يتقاسمه معظم المستثمرين كغيرهم من شرائح المجتمع، لكن هل القطاع العقاري جاذب ممتاز للظفر بخدمات السعوديين في مجال العمل؟ هذا هو السؤال»، مضيفا بأن المؤسسات الصغرى والمتوسطة كانت الأكثر تضررا من هذا القرار، مبينا أن القطاع العقاري بحاجة ماسة إلى الظفر بخدمات المزيد من العمالة المحترفة وليس تنفيرهم، خصوصا أن السعودية تقف على مشاريع ضخمة في البناء، وتحتاج إلى أعداد أكبر في عدد الأيادي العاملة، التي هي بطبيعة الحال من الأجانب، نظرا لعدم تقبل السعوديين فكرة العمل الإنشائي، أو عدم ملاءمة الراغبين في العمل لهذا النوع من الوظائف بسبب نقص الخبرة أو طبيعة العمل.

وكان وزير العمل السعودي عادل فقيه أشار إلى أن السعودية لم تبتدع قرار رفع رسوم العمالة الوافدة، مشيرا إلى أن مثل هذه القرارات موجودة في بلدان العالم، وبمبالغ تصل إلى أضعاف ما أقره مجلس الوزراء، مستشهدا بتجربة سنغافورة التي قال إنها فرضت رسوما سنوية على العامل الوافد قيمتها 20 ألف ريال سنويا، مؤكدا أن وزارته سترد جميع الأموال التي خسرها المقاولون والتجار من خلال المناقصات الحكومية، ممن وقعوا عقود عملهم قبل 1 محرم الماضي، وثبت فعلا أنهم تضرروا من القرار.

وفي صلب الموضوع تذمر محمد القحطاني، الذي يدير مؤسسته العقارية، من تحمله وغيره من المستثمرين مبالغ كبيرة بسبب قرار مفاجئ، أجبرهم على إعادة ترتيب أوراقهم من جديد ومراجعة حساباتهم، خصوصا في ظل التساؤل عمن سيتحمل هذه التكلفة بالضبط، هل هو العامل أم الجهة الكافلة؟ مبينا بأنه وفي كلتا الحالتين سيدفعها صاحب العمل، سواء بزيادة مرتبات العمالة لتتماشى مع القرار أو تحمل الكفيل المبلغ بشكل مباشر مما سيزيد من أعبائهم التشغيلية، موضحا أن الوضع العقاري يسير بخطى بطيئة منذ أوقات سابقة، ولا يطيق تحمل المزيد من النفقات.

هذا وقد طالبت لجنة المقاولات في غرفة جدة وزارة العمل، بتعليق قرار زيادة رخص العمالة الوافدة 2400 ريال لمدة ثلاث سنوات، بهدف الانتهاء من المشاريع القائمة حاليا والتي تتجاوز تكلفتها 300 مليار ريال، وتمثل نقلة تنموية كبيرة في تاريخ السعودية، وتحتاج إلى تضافر جهود كل الجهات بما فيها العمل لإنجازها.

وحول أبرز المشكلات الحالية التي تواجههم من القرار، كشف القحطاني أن المشكلات تكمن في العقود الموقعة التي لم تأخذ في حسبانها هذه الزيادة، وأنها أموال أصبحت تدفع من جيوب المستثمرين مباشرة لتدارك الوضع، لافتا إلى أن هذا الأمر سيلقي بظلاله على رفع تكاليف البناء على المواطنين الذين يعتمد أكثر من 85 في المائة منهم على البناء بمقاولين صغار، مما يزيد من أعبائهم بشكل غير مباشر يتحملونه في نهاية المطاف.