مخاوف من إفساد «حقائب الأوراق النقدية» سوق العقارات في دبي

في أعقاب إقرار قانون يحدد القروض العقارية بنسبة 50% للأجانب في الإمارات

جانب من دبي
TT

لا تزال لورا آدامز، وكيلة عقارات في دبي، تتذكر ذلك الرجل الإيراني الذي أراد شراء منزل في الإمارة، بسبب الطريقة التي سدد بها ثمن المنزل. وقالت العضو المنتدب لشركة «كارلتون» للعقارات في مقابلة مع وكالة «بلومبيرغ» الأميركية: «وضع الرجل الإيراني حقيبة على الطاولة وفتحها. كانت مليئة بأوراق النقد من فئة 1.000 درهم. لكني طلبت منه أن يتوجه إلى الجهة المقابلة من الشارع حيث يوجد فرع (ويسترن يونيون) ويستبدل بها شيكا مصرفيا، بنصف مليون درهم (136.000 دولار)».

فالسيولة النقدية تعد السمة المهيمنة على سوق العقارات المنتعشة في دبي، الأمر الذي يحد من سلطة الجهات التنظيمية في السيطرة على ارتفاع الأسعار التي غذت فقاعة العقارات السابقة. من هذا المنطلق، فرضت إمارة دبي قيودا على قروض الرهن العقاري للأجانب. وبحسب باحث في موقع «Reidin.com»، يدفع مشترو المنازل في دبي بدءا من الإيرانيين والروس وانتهاء باليونانيين، أثمان المنازل نقدا لما يقارب 70 في المائة من حجم عمليات شراء المنازل في دبي، حيث ارتفعت من 49 في المائة في عام 2007.

وقد أصدر البنك المركزي الإماراتي، الذي يشرف على الإمارات السبع ومن بينها دبي، الشهر الماضي قواعد تحد من عمليات الرهن العقاري للأجانب في محاولة لمنع ذلك النوع من المضاربة التي أدت إلى الفقاعة العقارية في عام 2008، مما تسبب في انخفاض الأسعار بنسبة بلغت 65 في المائة. ورغم قدرة هذه القيود على الحد من زيادة الأسعار، فإنها ستعوق الجهود التي يبذلها البنك لتنشيط نمو الائتمان.

لقد انتقدت مصارف الإقراض هذه القيود التي تضع حدا أقصى للرهن العقاري للأجانب، وغالبية مشتري المنازل، و80 في المائة من سكان الإمارات، إلى 50 في المائة من قيمة العقار الأول، و40 في المائة من قيمة الثاني. وسيكون الحد الأقصى بالنسبة لمواطني الإمارات 70 في المائة من قيمة المنزل الأول، و60 في المائة للثاني. في السابق، لم يكن هناك سقف معين وكانت المصارف تقرض حتى 85 في المائة.

ويقول نيكولاس ماكلين، العضو المنتدب لمجموعة «سي بي آر إي» في الشرق الأوسط: «المستوى الإجمالي للتأثير على السوق، التي يهيمن عليها بشكل كبير المشترون ممن لديهم سيولة نقدية، سيكون محدودا نسبيا».

من جانبها، تقول شركة «إعمار» العقارية، التي بنت أطول برج في العالم، إنها باعت أقل من 15 في المائة من منازلها العام الماضي لمشترين يستخدمون الرهن العقاري.. وذلك حسب قول منيبة كياني المحللة العقارية في شركة «مورغان ستانلي» لوكالة «بلومبيرغ». وأكدت المتحدثة باسم شركة «إعمار» التي طلبت عدم ذكر اسمها تماشيا مع سياسة الشركة، المعلومات التي وردت ضمن تقرير «مورغان ستانلي» بشأن المبيعات، لكنها رفضت تقديم إحصاءات محددة. ويقول علي رشيد لوتاه، رئيس شركة «نخيل بي جيه إس سي» العقارية، ومطور الجزر الصناعية التي أقيمت على شكل أشجار النخيل في دبي، إن غالبية مبيعاتها تمول عبر السيولة النقدية وإن تأثير القانون سيكون محدودا.

ورغم أن غالبية عمليات الشراء لا تتم بالأوراق النقدية، فإن تلك لم تكن المرة الأولى التي تشاهد فيها لورا آدامز حقيبة مليئة بالأوراق النقدية، فقد أخبرها أحد العملاء أن المال الذي يحمله حصل عليه بعد الانتهاء من صفقة للماس ولم يرغب في الذهاب إلى المصرف. وتقول أيضا إن أحد المشترين الروس دخل الشركة حاملا 250.000 يورو (336.000 دولار) التي تمثل السعر الأدنى لشقة مكونة من غرفتين في برج خليفة، أطول مبنى في العالم. أما البقية، فتم دفعها عبر شيكات.

وقد أثار ارتفاع أسعار المنازل والمؤشرات على ارتفاع المنافسة بين المقرضين العام الماضي المخاوف من عودة المضاربة العقارية بعد أربع سنوات من انهيار السوق. لقد ارتفعت أسعار العقارات في دبي بنسبة 19 في المائة، فيما ارتفعت أسعار المنازل بنسبة 24 في المائة، بحسب الوسيط العقاري «جونز لانغ لاسال». وقد صرح عبد العزيز الغرير، رئيس اتحاد مصارف الإمارات، في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن انخفاض معدلات الفائدة والشروط اليسيرة من مصارف الرهن العقاري قد تؤدي بالأفراد إلى «المخاطرة».

وبحسب موقع «ريدن»، قفز الرهن العقاري التجاري والسكني بنسبة 24 في المائة من قيمته خلال الربع الثالث من العام السابق ليصل إلى 1.19 مليار درهم، وهو أدنى بمعدل الثلث عن الفترة نفسها في عام 2008 عندما بدأت سوق العقارات في دبي في الانحدار.

وكانت حكومات سنغافورة وهونغ كونغ قد لجأت إلى فرض تدابير لخفض أسعار العقارات خلال العامين الماضيين، تضمنت تحديد نسبة القرض لقيمة العقار، وضرائب على مبيعات العقارات، بحسب تقرير لشركة «مورغان ستانلي» صدر في 8 يناير (كانون الثاني) الماضي.

وقالت منيبة كياني لوكالة «بلومبيرغ»: «واصلت أسعار العقارات في كلتا السوقين الارتفاع بسبب السيولة الكبيرة نتيجة نسبة الفائدة الحقيقية السلبية وتدني معدلات الرهون العقارية الاسمية عن العائدات الإيجارية». ويشير ماكلين إلى أن المستثمرين سددوا أثمان مشترياتهم نقدا لما يقرب من 80 في المائة من المنازل التي تم شراؤها في دبي خلال السنوات الست الماضية، وأن الاستثناء الوحيد كان في عام 2007 عندما كانت معاملات المنازل تمول عبر الرهون العقارية. وقال: «الشيء الأكثر إثارة للدهشة بشأن انهيار الرهن العقاري والمشترين ممن يتمتعون بسيولة نقدية هو مدى الاتساق بينهما، فحتى في ذروة السوق، كان الاقتراض منخفضا بالفعل وفقا للمعايير الدولية».

من جانبه، قال ريان ماهوني، وهو الرئيس التنفيذي لشركة «بيتر هومز» للسمسرة العقارية، إن القيود على الإقراض قد تستثني 25 في المائة من المشترين غير القادرين على دفع الدفعة الأولى التي تصل قيمتها إلى 50 في المائة من قيمة العقار، مضيفا أن نحو 40 في المائة من عملائه يحصلون على رهون عقارية لشراء العقارات، التي تصل قيمتها بصفة عامة إلى نحو 1.5 مليون درهم. ويميل المستثمرون والمشترون الذين لديهم سيولة نقدية كبيرة إلى شراء العقارات التي يتجاوز سعرها 3 ملايين درهم.

وقد تؤدي القيود المفروضة على الإقراض إلى تقويض الجهود الرامية إلى خلق سوق عقارات أكثر استقرارا في دبي من خلال زيادة عمليات الشراء من قبل الأشخاص الذين يقومون بشراء العقارات من أجل الإقامة بها وليس بغرض التأجير أو البيع لتحقيق أرباح.

وقال كريغ بلومب، وهو رئيس قسم الأبحاث بشركة «جونز لانغ لاسال»، إن هذه القواعد قد تؤدي إلى «استثناء الأشخاص الذين نسعى إلى تشجيعهم: المستخدمون النهائيون والأشخاص الذين يعملون ويعيشون في البلاد، وهو ما لا تنوي الحكومة القيام به بكل تأكيد». قد يؤدي المستثمرون الذين لديهم سيولة نقدية كبيرة إلى زعزعة استقرار السوق لأنه من المحتمل أن يقوموا بنقل أموالهم بسرعة عندما تتاح لهم فرصة أفضل، على حد قول بلومب.

وفي حديثه للصحافيين في 27 يناير الحالي، قال رئيس جمعية مصارف الإمارات عبد العزيز الغرير إن مصارف دبي، التي ستتحمل وطأة القيود على الإقراض التي فرضها المصرف المركزي، تقترح تحديد سقف الرهن العقاري بـ75 في المائة للأجانب، و80 في المائة للمواطنين الإماراتيين بالنسبة لأول رهن عقاري، و65 في المائة للعقار الثاني.

وفي حوار مع صحيفة «الاتحاد» الإماراتية في 21 يناير الحالي، قال محافظ المصرف المركزي سلطان بن ناصر السويدي إن التعليمات التي تم إرسالها الشهر الماضي إلى المصارف بشأن فرض القيود على الإقراض تعني «لفت انتباههم إلى معايير محددة من المتوقع تطبيقها في ظل النظام الجديد». وتعتزم الإمارات العربية المتحدة إصدار لوائح جديدة تحكم سوق الرهن العقاري في غضون ستة إلى تسعة أشهر.

ويستحوذ مصرف أبوظبي التجاري على الحصة الأكبر من سوق الرهن العقاري في الإمارات التي تصل إلى 24.3 في المائة، وفقا لياب ماير، وهو مدير أبحاث الأسهم بشركة «أرقام كابيتال المحدودة» التي تتخذ من دبي مقرا لها، مقابل 19.2 في المائة لبنك «الإمارات دبي الوطني»، و14.3 في المائة لبنك «أبوظبي الوطني»، و12.9 في المائة لبنك «الخليج الأول».

وقال مراد أنصاري، وهو محلل بالمجموعة المالية «هيرميس» بالرياض، إن الدفعة الأولى التي تصل قيمتها إلى 50 في المائة من سعر شراء العقار تعد «مقيدة للغاية»، نظرا لأن متوسط الأسعار يتراوح بين 1.5 مليون درهم و3.5 مليون درهم للشقق ومنازل الأسرة الواحدة.

وقال ديجفيجاى سينغ، وهو محلل بمؤسسة «في تي بي كابيتال» بدبي، في تقرير في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إن العقارات لم تمثل سوى 22 في المائة فقط من القروض بنهاية عام 2011، من بينها 18 في المائة منها للمغتربين. وقال الأنصاري إن الإقراض العقاري يعد «فرصة للمصارف لزيادة قروضها في سوق تعاني من حالة من الركود في غياب الطلب من جانب الشركات. وهذا يضيف ضربة أخرى، بمعنى أن هذا قد يؤدي أيضا إلى تباطؤ معدلات الطلب على الائتمان».

وعلى الرغم من الخلاف الدائر حول حجم القيود المفروضة على الرهن العقاري، فإن القلق من المضاربات قد أدى إلى وجود تأييد واسع لبعض أنواع القيود. إن نسبة المنازل التي تم شراؤها بالقروض كانت هي الأعلى خلال العامين الماضيين، وهو مما أدى إلى حدوث أزمة كبيرة في سوق العقارات، حيث كان المقترضون يقومون بدفع 10 في المائة من قيمة العقار ثم يقومون ببيعه للاستفادة من ارتفاع الأسعار.

وقالت لورا آدامز إن الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2012 قد شهدت عودة ملحوظة للمضاربين، حيث أصبح البائعون «غير واقعيين في توقعاتهم، في حين كان المشترون يحاولون ركوب موجة التعافي في بعض المناطق، متوقعين أن تقفز الأسعار بنسبة 25 في المائة في غضون أشهر قليلة». وأضافت لورا آدامز: «يجب القيام بشيء ما. لست متأكدة مما إذا كانت نسبة القرض إلى قيمة العقار ستصل إلى 50 في المائة أم لا، ولكننا بدأنا نرى بالفعل حدوث تقلبات سريعة في أسعار العقارات في بعض المناطق». وقالت لورا آدامز إن منازل الأسرة الواحدة ستكون الأكثر تأثرا بقواعد الإقراض الجديدة لأن هذه العقارات تشهد إقبالا كبيرا من جانب المغتربين، علاوة على أن الأسعار قد قفزت بصورة حادة، في إشارة إلى بعض الأماكن مثل «المرابع العربية» و«ميدوز» و«الينابيع». واختتمت آدامز حديثها قائلة: «من الصعب للغاية أن تتفاوض الآن حول السعر مع المشترين الذين دفعوا مبالغ طائلة في شراء العقارات، ولكن الأمر يختلف عندما تقوم بشراء عقار من مال شخص آخر».