المغرب يمضي في تشييد شقق للطبقة الوسطى.. والمستثمرون يقاطعون ويطالبون برفع الأسعار

وزير الإسكان لـ «الشرق الأوسط»: المشاريع الأولى في غضون أسابيع.. ولن ننتظر الباحثين عن تراكم الأرباح

نموذج من مشاريع شقق الطبقة المتوسطة في الدار البيضاء («الشرق الأوسط»)
TT

قررت الحكومة المغربية الانطلاق في تنفيذ خطة طموحة تهدف إلى توفير السكن لمعظم شرائح الطبقة المتوسطة في البلاد، وعدم تأجيل هذه الخطة في انتظار انخراط شركات القطاع الخاص في هذه الخطة. وقال نبيل بن عبد الله، وزير الإسكان المغربي لـ«الشرق الأوسط» إن الحكومة قررت الانطلاق في تنفيذ برنامجها، بالاعتماد على شركة «العمران» العقارية التابعة للدولة و«الشركة العقارية العامة» وهي تابعة لـ«صندوق الإيداع والتدبير» (صندوق تنموي حكومي)، إضافة إلى بعض المقاولين العقاريين الذين ستتفاوض معهم الحكومة في إطار تراخيص بناء استثنائية. وقال بن عبد الله: «لن ننتظر من يفضلون جني الأرباح على تقديم خدمة للمجتمع، ونحن الآن بصدد إطلاق المشاريع النموذجية الأولى في غضون الشهرين المقبلين».

ويقدر حجم طلب أفراد الطبقة الوسطى في المغرب على الشقق سنويا بنحو 200 ألف شقة، غير أن انعدام منتوج عقاري خاص بأفراد هذه الطبقة يجعلهم يقبلون على شراء السكن الاجتماعي المنخفض التكلفة والموجه للطبقات الفقيرة. ويهدف البرنامج الحكومي الجديد إلى طرح منتوج عقاري جديد في السوق المغربية بمواصفات وأسعار تجعله ملائما لحاجات أفراد الطبقة الوسطى وفي متناولهم. ويهدف البرنامج إلى إنتاج شقق تتراوح مساحتها بين 80 و120 مترا مربعا بسعر لا يتجاوز خمسة ألف درهم (580 دولارا) للمتر المربع دون احتساب الضرائب. ويرى المقاولون العقاريون أن تحقيق منتوج بهذه المواصفات أمر مستحيل، وأن دخولهم في مثل هذا المشروع سيكبدهم خسارة مالية قدرها بعضهم بنحو 20 إلى 24%.

لكن بن عبد الله يرد على ذلك بالقول إن الدراسات التي قامت بها الوزارة برهنت أن المشروع مربح. ومضى يقول: «صحيح أن هامش الربح أقل من برامج السكن الاجتماعي، لكنها جيدة، وأعتقد أن على المستثمرين في مجال العقار قبولها خاصة أنهم يكسبون المال من برامج السكن الاجتماعي المدعومة من طرف الدولة». وأضاف: «هامش الربح في هذه المشاريع يتفاوت من منطقة إلى أخرى طبقا لأسعار الأراضي، لكن هناك ربح بالتأكيد، وهو يرتفع كلما ابتعدنا عن مراكز المدن الكبرى، أما بالنسبة للذين يقولون: «إن أفراد الطبقة الوسطى سيرفضون السكن في الضواحي، فأقول لهم لاحظوا كيف أن أفراد هذه الطبقة كيف يزاحمون اليوم الطبقات الفقيرة في برامج السكن الاجتماعي بسبب عدم وجود عرض عقاري خاص بهم وملائم لحاجاتهم».

ويقول بن عبد الله: «عند انطلاق برنامج السكن الاجتماعي في عام 2004 لاحظنا نفس التردد، لكن مند إطلاق النسخة الجديدة للبرنامج في 2010 وحصول المقاولين على الإعفاء الضريبي عرف برنامج السكن الاجتماعي توسعا قويا».

ويهدف برنامج السكن الاجتماعي إلى توفير شقق منخفضة السعر للأسر الفقيرة، في إطار اتفاقيات بين الحكومة والمستثمرين في مجال العقار، يتعهد فيها هؤلاء بتشييد شقق لا تقل مساحتها عن 50 مترا مربعا ولا يزيد سعر بيعها على 250 ألف درهم (29 ألف دولار) وفي المقابل يستفيدون من إعفاء تام من الضرائب. وحتى الآن أبرمت الحكومة في هذا الإطار نحو 600 اتفاقية تضمنت تشييد زهاء مليون شقة. واستفاد من برامج السكن الاجتماعي 450 مقاولا عقاريا، بينهم عشر مجموعات عقارية ضخمة، و380 شركة عقارية صغيرة ومتوسطة، و60 مقاولة فردية.

وكانت دراسة لمكتب الخبرة «ماكنزي» أبرزت أن القطاع العقاري المغربي مصنف من بين القطاعات العقارية التي تحقق أعلى نسب أرباح في العالم. وحسب دراسة ماكنزي فإن هامش الربح في السكن الاجتماعي يتراوح بين 15 و20%، وفي السكن المتوسط الجودة بين 30 و50%، ليصل في السكن الراقي إلى نسب تتراوح بين 40 و100%.

وترى «فيدرالية العقاريين المغاربة» والتي تضم نحو 700 عضوا، أن نجاح مشروع توفير السكن لأفراد الطبقة الوسطى يقتضي من الحكومة بذل مزيد من الجهد. وترى الفيدرالية أن هذا البرنامج يمكن أن ينجح إلى ما تم تحديد سعر البيع في ستة آلاف درهم (700 دولار) للمتر المربع دون احتساب الضرائب، بدلا من خمسة آلاف درهم التي تقترحها الحكومة في المشروع الحالي، كما دعت الفيدرالية إلى تحديد المساحة الدنيا للشقق في 80 مترا مربعا، على أن يستفيد المقاولون العقاريون بكل الامتيازات الضريبية التي يستفيد منها السكن الاجتماعي، إضافة إلى ذلك، طالبت الفيدرالية الحكومة بتحمل الضريبة على القيمة المضافة على المستثمرين في هذه الشقق بهدف التخفيف من تكلفتها. وطالبت كذلك بتحديد الحد الأدنى من عدد الشقق المطلوبة للدخول في اتفاقيات مع الحكومة في إطار هذا البرنامج في 200 شقة في خمس سنوات، مقابل 500 شقة في خمس سنوات بالنسبة لبرنامج السكن الاجتماعي. وفي انتظار تجاوب الحكومة مع هذه المطالب قرر المنعشون العقاريون مقاطعة برنامج سكن الطبقة الوسطى.

بالنسبة للحكومة، وخاصة زير الإسكان، فإن هذه المقاطعة من طرف المستثمرين العقاريين لن تقف حجر عثرة في طريق تنفيذ برنامج إسكان الطبقة الوسطى. ويقول نبيل بن عبد الله: «بدأنا في تحديد المواقع التي سننجز عليها المشاريع السكنية الأولى ضمن هذا البرنامج، وسنبرهن للجميع وبالملموس بأن برنامج الحكومة لإسكان أفراد الطبقة الوسطى برنامج مربح ومجد اقتصاديا بالنسبة للمستثمرين العقاريين، إضافة إلى دوره الاجتماعي الكبير بالنسبة للبلاد».

وبالإضافة إلى الشركات العقارية التابعة للحكومة و«صندوق الإيداع والتدبير» تسعى الحكومة إلى إشراك مجموعة من شركات القطاع الخاص في البرنامج عبر إجراء مفاوضات استثنائية كلما سنحت الفرصة.

ويقول بن عبد الله: «هناك عدد من المستثمرين الذين يملكون أراضي خاصة في مواقع تتطلب الحصول على رخص تعمير استثنائية من أجل الاستثمار فيها. وهذه الرخص الاستثنائية تمنح عبر مفاوضات بين الحكومة والمستثمرين على أساس مجموعة من الشروط من بينها إنشاء مرافق ثقافية واجتماعية والتجهيزات الأساسية، الآن سنطرح من ضمن هذه الشروط تخصيص جزء من المشروع لبناء شقق موجهة للطبقة الوسطى ضمن مواصفات البرنامج الحكومي». ويضيف بن عبد الله: «نحن الآن ما زلنا في البداية فقط بالنسبة لهذا البرنامج، وهذا التردد طبيعي في مرحلة الانطلاق. لكن يجب أن نأخذ بالاعتبار بأن السكن الاجتماعي لن يدوم، هناك طلب قوي اليوم عليه، لكن في مستقبل قريب ستتشبع هذه السوق ويتراجع حجمها، عند ذلك سيكون على المنعشين العقاريين البحث عن بديل، والبديل البديهي حاليا هو سكن الطبقة الوسطى».