السوق العقارية «هادئة تماما» في مدن المغرب الرئيسة

انخفضت.. ولكنها لم تصل إلى حد «النكبة» في مراكش وطنجة وأغادير

ترام الدار البيضاء ساهم في رفع أسعار العقار في وسط المدينة وبعض الضواحي (تصوير: منير أمحميدات)
TT

تنظر الشركات العقارية المغربية بقلق إلى انحسار أرباحها بسبب انخفاض أسعار العقارات نتيجة تراجع الطلب على الشقق بجميع أنواعها من جهة، وارتفاع أسعار مواد البناء بسبب الإجراءات الضريبية التي اتخذتها حكومة عبد الإله ابن كيران مع بداية العام الحالي من جهة ثانية.

انخفاض أسعار العقار لم يعد يقتصر على المدن السياحية، التي كان قطاعها العقاري قد دخل في أزمة منذ التداعيات الأولى للأزمة المالية العالمية قبل خمس سنوات، مثل مراكش وطنجة وأغادير، التي كان الطلب الأجنبي يشكل قاطرة نمو قطاعها العقاري. فقد بدأت بوادر الانخفاض تظهر في الفترة الأخيرة في مدن أخرى استطاعت أن تصمد أمام صدمات الأزمات الدولية المتتالية خلال السنوات الأخيرة، وخصوصا مدينتي الدار البيضاء والرباط اللتين يعتمد نمو قطاعهما العقاري على الطلب الداخلي.

ويقول رحال بولكوط رئيس «ماريتا» العقارية، وهي شركة تساهم في رأسمالها أموال مغربية وإماراتية وإيطالية، إن السوق العقارية أصبحت «هادئة تماما» منذ بداية العام في مدن الدار البيضاء والرباط وسلا، وهي المدن التي صمدت طويلا أمام الأزمة والتي عرف قطاعها العقاري زخما ملحوظا في السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع الطلب على الشقق كونها كبرى حواضر البلاد وعاصمتيها السياسية والاقتصادية. وقال بولكوط لـ«الشرق الأوسط»: «الوضعية في هذه المدن لا تزال أفضل بكثير من الأوضاع الكارثية في المدن المنكوبة مثل مراكش وطنجة وتطوان وأغادير. لكن أسواقها أصبحت هادئة تماما منذ بداية لعام الحالي».

ويفسر بولكوط ذلك بقوله: «السبب في خمول السوق هو توقف عمليات المضاربة»، ويوضح قائلا: «المضاربون توقفوا تماما ولم يتبقَّ سوى سوق الحاجة، أي أن المستثمر الذي يتقدم لشراء سكن فإن ذلك يكون بغرض الحاجة إلى سكن لا إلى المضاربة». ويضيف: «حتى هؤلاء أصبحوا قليلين وأصبحوا يتريثون كثيرا قبل الشراء بحثا عن فرص أفضل».

توقف المضاربين عن الشراء عجل بانخفاض الأسعار في أسواق العقار، وأدى إلى نوع من التريث والانتظار في سلوك باقي المستثمرين بسبب ترقبهم لمزيد من الانخفاض. وأمام تراجع الطلب بدأت الشركات العقارية تتجه نحو اعتماد سياسة التخفيضات والإغراءات والسعي للبيع في أول فرصة، وبالتالي فإنها أصبحت بدورها تنتهج سلوكا يصب في اتجاه تسريع هبوط الأسعار والرفع من وتيرته.

ويقول عبد الحق الموزوني، وسيط عقاري في الدار البيضاء: «الأسعار المعلنة لم تعرف حتى الآن سوى تغيرات بسيطة، فهي شبه مستقرة. لكن الأسعار التي تتم بها الصفقات أقل بكثير مما هو معلن. فأصحاب الشقق أصبحوا يتمسكون بأي مستثمر ويبذلون مجهودا كبيرا لإقناعه بالشراء. من قبل كانوا جد متفائلين، وكانوا يفضلون الانتظار. وفي الدار البيضاء لدينا شقق جديدة ظلت تنتظر زبائن بسعر أفضل منذ أكثر من أربع سنوات، اليوم تغير سلوك أصحاب الشقق. وأصبح البحث عن فرصة للبيع في أسرع وقت أفضل من الاحتفاظ بالشقق في وقت يبدو فيه التوجه نحو انخفاض الأسعار أكثر احتمالا».

لكن الوضع ليس منسجما تماما في الدار البيضاء، إذ تختلف الأسعار من حي إلى آخر كما تتباين توجهات العرض والطلب في العاصمة الاقتصادية والتجارية للبلاد. وشكل انطلاق «الترام» بداية العام الحالي طفرة نوعية بالنسبة لبعض أحياء وشوارع وسط المدينة التي انتشلتها وسيلة النقل الجديدة، والتي تعرف اختصارا باسم «ترام كازا» (أي ترام كازابلانكا)، من النسيان ونقلتها من دائرة الظل إلى الواجهة، حيث استقطبت اهتمام المستثمرين العقاريين والسياحيين، وفي مقدمها شارع محمد الخامس ووسط المدينة وشارع عبد المومن وحي المستشفيات، بالإضافة إلى عدد من الأحياء في الضواحي والتي ربطها الترام بباقي مناطق المدينة.

وبالإضافة إلى التوجه الانخفاضي لأسعار المنتجات العقارية عرفت أسعار المواد الأولية للبناء بدورها ارتفاعا بسبب الرسوم الجديدة التي فرضتها الحكومة في موازنة العام الحالي على مواد البناء الأساسية، خصوصا الرسوم الجديدة على حديد البناء وعلى الرمال والإسمنت، بالإضافة إلى زيادة الضريبة على الأرباح العقارية المتعلقة ببيع الأراضي، والتي ارتفعت من 20 إلى 30 في المائة. وتختلف تقييمات المستثمرين العقاريين لأثر هذه الزيادات في أسعار المواد الأولية على كلفة الإنتاج، لكنها بالتأكيد سيكون لها أثر على عائدات وأرباح المشاريع العقارية، خصوصا أن توجهات السوق نحو الانخفاض لن تسمح للشركات العقارية بعكس ارتفاع كلفة البناء على أسعار بيع الشقق للمستثمرين. لذلك تترقب الشركات العقارية وضعية صعبة خلال العام الحالي مع تراجع كبير في أرباحها المرتقبة بين سندان انخفاض الأسعار، ومطرقة ارتفاع تكاليف البناء.