الاهتمام يعود لعقارات أوروبا بعد تراجع قياسي في الأسعار

وسط تركيز على العقارات البيئية والتجارية

TT

كشف بحث ميداني من شركة «إيرنست أند يونغ» للمحاسبة، نشر هذا الشهر، أن أكبر 500 مستثمر عقاري في 15 دولة أوروبية، يعتقدون أن قطاع العقار الأوروبي وصل إلى الحد الأدنى في أسعاره، وأن معاودة النمو متوقعة بداية من منتصف العام الجاري وحتى عام 2014. ومع ذلك، فضل هؤلاء المستثمرون البداية من دول أوروبية لا تتعامل باليورو مثل بريطانيا وشرق أوروبا، على أن يكون دخول سوق اليورو في مرحلة لاحقة.

وتوقع المستثمرون أن يزداد حجم الصفقات الأوروبية من تعاملات عبر الحدود، وأن يتركز الطلب على العقارات المتوافقة مع معايير البيئة، وعلى العقارات التجارية في وسط العواصم الأوروبية.

واعترف التقرير بأن السيولة النقدية الدولية لم تصل بعد إلى سابق معدلاتها قبل الأزمة المالية العالمية، وإن كان حجم الصفقات والاهتمام بالمواقع الجيدة والعقارات الحديثة أكبر من أي وقت مضى منذ نهاية عام 2008. وتلجأ شركات العقار الأوروبية إلى مصادر تمويل بديلة للبنوك، كما تعتقد نسبة كبيرة من المستثمرين أن حالة الاقتصاد الأوروبي الصعبة تجعل مجال العقار أكثر جاذبية من مجالات الاستثمار الأخرى. وكانت الصورة متباينة في بعض الأسواق الأوروبية وفقا لظروف الاستثمار المحلي.

وبينما تتميز فرنسا مثلا بأنها من أكبر الدول الجاذبة للاستثمار العقاري السياحي بفضل موقعها العالمي الأول في مجال السياحة، إلا أن الطلب تراجع كثيرا على العقارات الفرنسية خلال فترة الأزمة المالية منذ عام 2008. وترى شركات تسويق العقار الفرنسية أن العودة التدريجية إلى الاهتمام بسوق العقار الفرنسية كانت بفضل الأسعار المنخفضة، ولتراجع قيمة اليورو أيضا. ويقول مدير «شركة ليغيت العقارية» الفرنسية، تريفور ليغيت، إن شركته شهدت ارتفاعا في الطلب على العقارات الفرنسية في الأشهر الأخير بلغت نسبته 38 في المائة.

وهو يرى أن الأسعار انخفضت في أنحاء فرنسا مما أتاح الكثير من فرص العقار الجيدة. كما أن اليورو تراجع عن مستوياته القياسية مما قد يجعل 2013 فرصة جيدة للشراء العقاري في فرنسا بأفضل الشروط. وهو يرى أن سياسة البنوك الفرنسية المحافظة في الإقراض تعني عدم وجود عقارات معروضة للبيع اليائس بأي ثمن تسديدا للقروض العقارية (كما هو الحال في بعض إرجاء إسبانيا)، ولكن منطقة الجنوب الغربي من فرنسا تحديدا شهدت الكثير من التراجع السعري الذي انخفض في بعض المناطق بنسبة 30 في المائة.

ويقول بول همفريز رئيس قطاع العقار الفرنسي في شركة «نايت فرانك» الدولية إن هناك بعض المواقع التي توفر عقارات جيدة لهؤلاء الذين قرروا الشراء في فرنسا، مثل مناطق بيرجيراك وغاسكوني. وتعرض شركة «نايت فرانك» قصرا في غاسكوني بسعر 995 ألف يورو، انخفاضا من سعره السابق البالغ 1.49 مليون يورو. وهو قصر مكون من سبع غرف نوم وجناح للضيوف يحتوي على شقتين بالإضافة إلى حمام سباحة وبحيرة صغيرة.

وبالقرب من مدينة تولوز تعرض شركة «سافيلز» منزلا ريفيا بخمس غرف نوم تحيطه أراض زراعية مساحتها 15 فدانا ولا يبعد عن مطار تولوز بأكثر من ساعة، ويبلغ سعره 695 ألف يورو، انخفاضا من مليون يورو سابقا.

ولا يفسد جاذبية الاستثمار في العقار الفرنسي سوى الضرائب الجديدة التي فرضها الرئيس الفرنسي الاشتراكي فرانسوا هولاند، وبنسبة 15.5 في المائة على العوائد العقارية والارتفاع في القيمة الاستثمارية للعقارات الفرنسية المملوكة لأجانب. وتطلق الحكومة الفرنسية على هذه الرسوم اسم «ضرائب اجتماعية». ومن المتوقع أن يكون لهذه الضرائب انعكاسات سلبية على قيمة العقار الفرنسي خارج باريس، تقدرها بعض المصادر بنسبة ثمانية في المائة سنويا.

وفيما يتعلق بالشراء في إسبانيا لا بد من الحرص في اختيار المواقع التي يتوجه إليها الاستثمار وفقا لخبيرة الشراء في السوق الإسباني، باربرة وود من شركة «بروبرتي فايندر»، فالأسعار في المناطق الراقية المطلوبة ضمن الإطار السعري الذي يبدأ من نصف مليون يورو، مثل ماربيا وجزيرة مايوركا، تراجعت بنحو 30 في المائة، ولكن أسوأ العقارات في المناطق دون المتوسطة شهدت تراجعا في الأسعار بلغت نسبته أحيانا 70 في المائة مقارنة بما كانت عليه قبل الأزمة المالية. وأضافت وود أنه خلال الأزمة المالية السابقة في نهاية عقد التسعينيات عاودت العقارات دون المتوسطة صعودها مرة أخرى بعد أربع سنوات من بداية صعود العقارات المتميزة. وهي تتوقع أن يتكرر هذا السيناريو مرة أخرى بحيث تشهد السوق عودة النشاط للعقارات الممتازة أولا.

ويضيف دافيد فون المستشار العقاري مع شركة «سافيلز» أن هناك قناعة سائدة في الأسواق الآن أن الأسعار في القطاع العقاري الفاخر لن تتراجع في المدى المنظور. فأغلبية المتعاملين في السوق يعتقدون أن الأسعار بلغت قاع السوق فعلا. وفيما تستقر الأسعار وتزداد وتيرة عقد الصفقات، لا يعتقد فون أن ارتفاع الأسعار سوف يعود قبل عام 2014 على الأقل.

وفي البرتغال، شهدت منطقة غرب «الغارف» تراجعا سعريا بلغت نسبته 40 في المائة، مما يعني إمكانية شراء فيلا تطل على ملاعب غولف بأسعار تبدأ من نصف مليون يورو. ويقول رئيس قسم «ايبيريا» في شركة «نايت فرانك»، كريستيان دو ميلاك إن هناك الكثير من العقارات المعروضة في السوق تنتظر المشترين ولكن من الصعب العثور على فيلا جيدة التجهيز والديكور الداخلي وتقع في منتجع مرغوب مثل كوينتا دو لاغو أو فالي دو لوبو.

وتعرض شركة «أيديال هوم» في البرتغال فيلا مكونة من خمس غرف وأربعة حمامات وحمام سباحة وحديقة وقريبة من منتجعات سياحية بسعر 1.5 مليون يورو، بعد أن تم خفض سعرها من 1.8 مليون يورو.

واتخذت الحكومة الإسبانية قرارا بوقف طرد أصحاب العقارات المتخلفين عن سداد قروض عقارية لمدة عامين في حالات تقررها المحاكم، وذلك للحد من إضافة المزيد من العقارات المصادرة إلى السوق. هذا وتصل نسب الديون العقارية الرديئة لدى البنوك الإسبانية إلى نسبة 10.7 في المائة من إجمالي القروض، وهي نسبة تعد من الأسوأ في أوروبا ويبلغ حجمها 179 مليار يورو.

من ناحية أخرى، تبدو إيطاليا للوهلة الأولى من أسوأ مواقع الاستثمار العقاري في أوروبا. فاقتصادها غارق في الكساد، وديونها الحكومية هي ثاني أعلى ديون في أوروبا بعد اليونان. ولا تلقى إجراءات التقشف التي فرضتها الحكومة المؤقتة أي قبول لدى الرأي العام الإيطالي.

ومع ذلك، هناك الكثير من المستثمرين الدوليين الذين يبحثون عن عقارات إيطالية للاستثمار فيها كملاذ آمن. ويشرح روبرت فاوست، رئيس قسم العقار الإيطالي في شركة «نايت فرانك» أن المشتري الدولي بعد الأزمة المالية في عام 2008 بدأ يتجنب الاستثمار في المواقع الناشئة الجديدة، وعاد مرة أخرى للاستثمار في المواقع التقليدية المضمونة مثل توسكاني. فهذه المناطق تحتفظ بقيمتها في المدى الطويل حتى في أوقات الأزمات.