السفارات تبيع مبانيها في لندن للاستفادة من ارتفاع أسعار العقار

بعضها ينتقل من وسط العاصمة إلى ضواح شعبية لجني ملايين الدولارات

منطقة «ناين إيلمز» وموقع السفارة الأميركية الجديد فيها («الشرق الأوسط»)
TT

بدأت السفارات الأجنبية العاملة من مدينة لندن حملة تنقلات عقارية من المناطق الأرستقراطية إلى مناطق شعبية، لجني ملايين الدولارات من بيع مقارها القديمة. ومن المتوقع أن تصل إلى الأسواق خلال الشهور المقبلة العشرات من مبان وعقارات مملوكة للسفارات الأجنبية للاستفادة من أسعار العقار المتضخمة في لندن.

ويقدر الخبراء أن العقارات المنتشرة في مواقع مثل مايفير وكنسنغتون وبلغرافيا، تزيد في قيمتها الآن كمنازل فاخرة عنها كسفارات أجنبية. وكانت البداية منذ نحو ثلاث سنوات عندما أعلنت السفارة الأميركية في لندن أنها بصدد الانتقال من موقعها الفاخر في ميدان «غروفنر سكوير» إلى منطقة شعبية جنوب نهر التيمس اسمها «ناين إيلمز». وتبعت الكثير من السفارات الأخرى النموذج الأميركي لبيع العقارات الباهظة ثمنا والانتقال منها إلى عقارات أقل قيمة في مناطق أخرى.

وتؤكد مطبوعة «دبلومات»: المتخصصة بأخبار البعثات الدبلوماسية في لندن، أن الدول أخذت تعيد النظر في مواقع سفاراتها بلندن. فلم يعد مهما لهذه الدول أن يكون عنوان سفاراتها في مايفير أو نايتسبردج. كما أن جاذبية موقع «ناين إيلمز»، القريب من محطة كهرباء باترسي المشهورة، أصبحت نقطة ساخنة في جذب السفارات الأجنبية، خصوصا بعد قرار السفارة الأميركية الانتقال إليه بعد اكتمال أعمال التصميم والبناء في عام 2017.

من العوامل الأخرى التي تشجع حركة التنقلات العقارية الدبلوماسية في لندن، أن تعاقدات إيجار طويلة المدى تقترب من نهاياتها. وهي تعاقدات قديمة أنجزت في عصور سابقة وبأسعار رمزية، ولكن عند تجديدها سوف تكون باهظة التكلفة.

وسوف يكون من السهل بيع هذه العقارات لأثرياء من روسيا والصين والشرق الأوسط، لا يعنيهم كثيرا تكلفة تجديد تعاقدات الإيجار. وبعض هؤلاء يشتري العقارات لتطويرها وإعادة بيعها، وليس بالضرورة لغرض الإقامة بها. وهناك الكثير من السفارات السابقة التي بيعت بعد تطويرها من مستثمري عقار، منها مبنى السفارة الليبية السابق في ميدان سان جيمس، الذي اشتهر تاريخيا بإطلاق الرصاص منه وقتل الشرطية البريطانية إيفون فليتشر في عام 1984، فقد اشترى المبنى جون هنت، مؤسس شركة «فوكستون» العقارية، من مالكها السابق وهي شركة «ريو تنتو» التعدينية. وسوف يقوم هنت بتطوير المبنى إلى 13 شقة فاخرة ومكتب.

ومن أجل توفير الإنفاق، قررت السفارة الهولندية تغيير موقعها الحالي في منطقة هايد بارك غيت إلى مبنى جديد مساحته 50 ألف متر مربع بجوار السفارة الأميركية الجديدة في «ناين إيلمز».

أما الصين، فقد قررت بيع سفارتها في شارع بورتلاند بليس وعينت شركة استشارية لكي تجد لها موقعا مناسبا في أحياء لندن الشعبية. وهي أيضا تناقش إمكانية الانتقال إلى منطقة «ناين إيلمز» جنوب النهر مكان موقع مخزن لمصلحة البريد تصل مساحته لنحو 12 فدانا.

وتتوقع الأسواق قريبا وصول الكثير من السفارات الأخرى إلى السوق قريبا لبيعها، منها سفارة نيبال في شارع كنسينغتون بالاس غاردنز، وهو من أغلى الشوارع في لندن. وكان المبنى قد أعطي إلى الشعب النيبالي على سبيل المنحة من الحكومة البريطانية في عام 1938 اعترافا بمشاركة القوات النيبالية المعروفة باسم «غيركا» في القتال مع الجيش البريطاني.

ولكن المبنى يحتاج إلى ملايين الدولارات من أجل ترميمه وتجديده، وقررت حكومة نيبال دراسة إمكانية تغيير الموقع لضغط المصروفات. وسوف يحقق المبنى سعرا خياليا يصل إلى نحو 100 مليون إسترليني (نحو 150 مليون دولار) وهو ما يكفي لبناء سفارة جديدة في مكان أرخص مع توفير عشرات الملايين من الدولارات.

من ناحية أخرى، قررت كندا بيع مبنى سفارتها في غروفنر سكوير، وهو مقابل للسفارة الأميركية حاليا ويسمى «ماكدونالد هاوس»، ونقل العاملين في السفارة إلى مبنى آخر اسمه «كندا هاوس» ويقع في ميدان ترافلغار.

وتتوجه السفارات المبيعة إلى مستثمرين من روسيا وشرق آسيا والشرق الأوسط يشترون عقارات لندن من أجل تطويرها وإعادة بيعها في صيغة شقق أو مكاتب فاخرة. ويبدو أن منطقة «ناين إيلمز» أصبحت نقطة الجذب الجديدة للسفارات بعد قرار السفارات الأميركية والهولندية والصينية الانتقال إلى المنطقة الشعبية وترك وسط لندن. وهذا في حد ذاته يحول المنطقة، التي كانت قبل خمس سنوات منطقة مغمورة ومهملة، إلى نقطة ساخنة للاستثمار العقاري. وهي أيضا تقدم أفضل فرص النمو العقاري لوجود الأرض القابلة للتطوير، التي تبلغ مساحتها الإجمالية نحو 180 فدانا.

وسوف يفتح قرار السفارة الأميركية آفاق التطوير العقاري في المنطقة وخدمات السكن والتسوق لأكثر من 700 موظف في السفارة وعشرات الآلاف الذين يقبلون على زيارتها سنويا من أجل الحصول على تأشيرات الدخول لأميركا.

وكان قرار السفارة الأميركية الانتقال من مبناها الحالي في غروفنر سكوير إلى مبنى جديد في «ناين إيلمز» بمثابة كسر الحواجز الاجتماعية والتاريخية في لندن بين شمال العاصمة الأرستقراطي وجنوبها الشعبي على الجانب الآخر من النهر. وحتى وقت قريب، كان الزائر لمنطقة «ناين إيلمز» يجد منطقة تفتقر إلى الكثير من الخدمات وطرق المواصلات وتقع قريبا من خطوط السكك الحديدية.

وكانت السفارة قد أعلنت قبل عدة سنوات أنها تعاقدت لشراء قطعة أرض في منطقة «ناين إيلمز» مساحتها خمسة أفدنة لتطوير مبنى جديد لسفارتها في لندن يوفر المزيد من الحماية الأمنية. وباعت السفارة مبناها الحالي لمؤسسة الاستثمار القطرية، بثمن لم يتم الإعلان عنه، ثم شرعت في أعمال التصميم والبناء في المبنى الجديد الذي لن يكتمل قبل عام 2017.

ومن المتوقع أن يمول ثمن الشراء كافة تكاليف شراء الأرض وبناء المبنى الجديد وتجهيزه.

وتتم معالجة مشكلة فقر شبكة المواصلات في المنطقة ببناء محطة جديدة لمترو الأنفاق تخدم المنطقة اسمها محطة «ناين إيلمز» يتم ربطها بمحطة فوكسهول القريبة.

ولا توجد في منطقة «ناين إيلمز» حاليا سوى 725 وحدة سكنية، ولكن تجري عدة مشاريع استثمار سكني على النهر تقوم بها شركة سان جورج للتطوير العقاري. وتوجد على ضفاف النهر الكثير من المشاريع، مثل مشروع «سان جورج وارف» الذي يماثل جناحي الفراشة وهو يتيح فرص شراء شقق مكونة من غرفة واحدة بأسعار تبدأ من 399 ألف إسترليني، ترتفع إلى ما يقرب من المليون إسترليني لشقق من غرفتين تطل على النهر مباشرة ببالكون.

كما حصلت الشركة نفسها مؤخرا على ترخيص لمشروع آخر مكون من برج يتكون من 50 طابقا بشكل دائري، يحتوي على 223 شقة. وتبيع شركة «هامتونز إنترناشيونال» شقة في المشروع مكونة من غرفتين بسعر 600 ألف إسترليني.

وفي جهة حديقة باترسي، تعمل شركة «باركلي» على مشروع آخر اسمه «تشيلسي بريدج وارف» تقول إنها باعت كل وحداته السكنية ما عدا شقة واحدة مكونة من غرفة نوم واحدة وتتميز بتصميم داخلي حديث. وهي معروضة بسعر 480 ألف إسترليني. وهناك أيضا شركة «بارات» التي تستكمل الآن مشروعا آخر اسمه «فيريديان» بجوار محطة الكهرباء المهجورة. المشروع مكون من 240 شقة، لم يبق منها غير مبيع سوى 25 شقة.