السعودية: تراجع معدلات الإشغال يدفع قطاع الإيواء بمكة المكرمة لخفض الأسعار بهدف التعويض

حتمية مشاريع التوسعة والمطاف تفرض واقعا استثنائيا لـ100 ألف غرفة فندقية

جانب من مكة المكرمة («الشرق الأوسط»)
TT

قدر متعاملون في قطاع الإيواء تراجع معدلات الإشغال في العاصمة المقدسة إلى 50 في المائة، مؤكدين أنه ولأول مرة من بعد أزمة «إنفلونزا الخنازير» يتراجع فيها معدل إشغال الغرف الفندقية من 1000 دولار لليلة الواحدة إلى 500 دولار في ذروة مواسم العمرة.

ورجح خبراء فندقيون تراجع الأسواق الفندقية بالمعقول، وأنه مكن ولأول مرة كثيرا من الزوار للاستفادة من هذا التراجع الذي أوعز بسبب التوسعات التنموية لمشروع الطواف والمسجد الحرام والذي أفضى إلى تقليص سيتم تخفيض عدد الحجيج من الخارج بنسبة 20 في المائة ومن داخل المملكة بنسبة 50 في المائة، في قرار وصف بأنه «استثنائي ومؤقت» إلى حين الانتهاء من أعمال توسعة الحرم المكي الشريف.

وقال فاضل منقل، مدير فندق دار الإيمان في أبراج البيت في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن التراجع في أعداد المعتمرين والحجاج كان وراءه هدف سامي من الحكومة السعودية الذي أخذت على عاتقها خدمة الإسلام والمسلمين في أرض الحرمين الشريفين، مبينا أن الملك عبد الله، أفسح بإشرافه المباشر على أعمال التوسعة، الطريق أمام مكة المكرمة لتتبوأ دورها التاريخي والمحوري والديني والاقتصادي الذي عرف عنها، وهر قرار يصب بشكل مباشر في خدمة الأمة قاطبة.

وأفاد منقل بأن القرار القاضي بتخفيض أعداد المعتمرين والحجاج لم يكبد خسائر مالية كبيرة، بل خفض من نسب الأرباح ليس إلا، مؤكدا أن القطاع الفندقي في العاصمة المقدسة هو عبارة عن ترسانة قوية لديها خطط بديلة لمجابهة التحولات، وقد مر القطاع الفندقي قبل عدة أعوام بأزمة إنفلونزا الخنازير والذي استطاع دور الإيواء في العاصمتين المقدستين التغلب عليه عن طريق إجراءات ومنظومات بديلة.

إلى ذلك، أوضح عدنان شابي، مدير قسم التسويق في وكالة إيواء للسياحة لـ«الشرق الأوسط» أن كثيرا من الفنادق في العاصمة المقدسة لجأت إلى سن عروض ترويجية قدرت بتراجع قيمته 50 في المائة، وهي تعبر بذلك عن تكتيكات مدروسة للخروج بأقل الخسائر، إضافة إلى أن نسبة انخفاض أعداد القادمين إلى السعودية ستتراجع نتيجة المشاريع التنموية التي أمر بها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، وتهدف إلى التوسيع على المسلمين، وهو أمر كان لا بد منه حتى وإن أدى ذلك إلى انحسارات اقتصادية، إلا أنه أمر حتمي نظير امتداد مشاريع توسعة الحرمين الشريفين، والتي تتوجب عمليات التخفيض خدمة للمعتمرين والحجاج.

وأفاد شابي، بأن كثيرا من الفنادق في العاصمة المقدسة لجأت هذا الموسم نحو تفعيل استراتيجيات تسويقية معززة، تهدف نحو إجراء عمليات تنشيط واسعة بإطلاق حزم ترويجية داخل النطاق السعودي والخليجي لسد الأعداد التي كانت تتهافت على العاصمة المقدسة في الأعوام الثلاث السابقة، مؤكدا أن تراجع أعداد ونسب الكوتة، صدر لتمكين المشاريع العملاقة التي أمر بها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، من أجل تهيئة الظروف المكانية اللازمة لخدمة القادمين لمواسم الحج والعمرة.

وحول طرق تعزيز جذب أكبر عدد من الزوار في ظل الظروف التطويرية التي تعيشها مكة، أفاد شابي، بأن أولها فهم ما يحفز الناس على اتخاذ إجراءات مشجعة في الإقامة في الفنادق للصلوات، والتعامل مع حيثيات الصيام وما يترتب عليها من خدمات، هذه ستكون هي القوة الكامنة التي تسمح للأفضل شركات إدارة الفنادق نحو زيادة الطلب على غرفهم للنزلاء، وبيع جميع غرف الفنادق خاصة في المنطقة المركزية «فندقك» بدفع الانتباه إلى كل التفاصيل المتعلقة بالخدمة والتسهيلات.

وأضاف شابي، أن من ضمن الاستراتيجيات الفاعلة في تأطير سير العمل الفندقي معرفة المظهر الخارجي على حد سواء داخل وخارج الفندق، وتهيئة أماكن مريحة للصلاة من داخل أروقة الفنادق بحكم اتصالها المباشر بالحرم المكي، وإضافة ديكورات داخلية تلعب دورا حثيثا في تأثيث غرف الضيوف وجعلها لافتة وجذابة وتنظيف الغرف والعناية بالإطلالات المباشرة على الحرم المكي الشريف، كلها عوامل مهمة جدا، كما يمكنك القيام بمشاريع إنسانية واجتماعية داخل حيزك الفندقي أو التركيز على التفاصيل الصغيرة لجعل تلك الفنادق أكثر ترحيبا بك.

وأفاد شابي بأن حجم الاستثمارات الفندقية في مكة يفتح شهية كبار المستثمرين في العالم، فهو بلد مليء بالآفاق الفندقية الواسعة، ازداد فيه حجم إلى 750 مليار ريال (200 مليار دولار)، وهو رقم مرشح للارتفاع بازدياد حجم الأعمال والاستثمارات، وأن حجم التكلفة الفعلية في المخطط الشامل لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة، الذي يستمر حتى عام 2040، يصل إلى 723 مليار ريال، منها 126 مليار ريال لمشاريع النقل ومنها قطار الحرمين، بالإضافة إلى مشاريع تنموية وبنية أساسية تخدم المدينة المقدسة خلال العقود المقبلة.

من جهته، قال سعد الجودي، خبير في المنطقة المركزية، إن أمر التقليص له تداعيات إيجابية رأتها الحكومة السعودية، وهي في المقام الأول تهدف إلى الحفاظ على سلامة الحجاج والمعتمرين، مبينا أن المشاريع التي تجري حاليا في المسجد الحرام والنبوي هي مشاريع عملاقة وكبيرة وتتركز في أماكن جغرافية ضيقة قد تسبب لا قدر الله حوادث وإصابات للمارة.

وأبان الشريف أن قرار وزارة الحج أتى وفق مرئيات انطلق منها صانعو القرار للحيلولة دون تأخر المشاريع الحيوية والخدمية التي تعج بها أوساط الحرمين الشريفين، حيث يأتي على رأسها مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتوسعة صحن المطاف، والذي يتوقع فيه تنفيذ كامل المشروع على مدار ثلاث سنوات، وسيقام على ثلاث مراحل وسيستفاد من المرحلة الأولى منه في شهر رمضان القادم، حيث سيتسع صحن المطاف لـ105 آلاف طائف في الساعة، وعند انتهاء جميع المراحل ستصل سعته الاستيعابية إلى 130 ألف طائف في الساعة.

بدوره، قال فهد الشنبري، خبير مالي واقتصادي، إنه يوجد 61 ألف غرفة فندقية، فإن مكة المكرمة هي حتى الآن أكبر سوق للفنادق في العالم. للمقارنة، وهي مرشحة لكسر أعداد قياسية في عدد الغرف الفندقية على مستوى العالم، بسبب تعاقب مواسم العمرة والحج عليها، وتنويع وتوسيع أعمال الاستثمارات الفندقية في جميع المناطق المركزية، وهي طفرة كبيرة في بناء الفنادق على مدى السنوات العشر الماضية، مؤكدا ارتفاع أعداد الفنادق إلى 172 في المائة في العشر سنوات الماضية فقط.

وأضاف الشنبري أن إجمالي عدد مشاريع فندق قيد الإنشاء في مدينة مكة المكرمة يتجاوز 100 برج حاليا، وأن الكثير من هذه المباني قد شارفت على الانتهاء، ومن المتوقع أن توفر أكثر من 500 غرفة للزوار.

إلى ذلك، كشف المدير التنفيذي للهيئة العامة للسياحة والآثار في منطقة مكة المكرمة محمد العمري، في وقت سابق عن توقعات بأن يتجاوز عدد الغرف الفندقية في العاصمة المقدسة 160 ألف غرفة بحلول عام 2015، مشيرا إلى أن نسبة إشغال الغرف في الأيام العادية تصل إلى 65 في المائة، وترتفع إلى أكثر من 95 في المائة في مواسم الحج ورمضان.

وقال العمري: «الطاقة الاستيعابية الحالية لمرافق الإيواء في مختلف أحياء العاصمة المقدسة رغم أعمال الإزالة التي تشهدها مكة المكرمة تفوق الطلب، وإن نسبة الإشغال الحالية تصل إلى 65 في المائة وفي المواسم وفي المنطقة المركزية تزيد على 95 في المائة»، متوقعا إضافة 5 آلاف غرفة فندقية جديدة في سوق الفندقة نهاية هذا العام، وبحلول عام 2015 وتماشيا مع رؤى الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، الرامية إلى تنمية وتطوير نشاط الإيواء السياحي، فإن عدد الغرف الفندقية الجديدة سيقفز إلى 160 ألف غرفة في العاصمة المقدسة، وهي إضافة لقطاع ضيافة السياحة بالعاصمة المقدسة، وانعكاس للخدمات الفندقية والسياحية المنافسة التي ستحقق للنزلاء الراحة والرفاهية والرضا عن مستوى الخدمات.