العقار الأفريقي: النمو يجذب الاستثمار الأجنبي

جمود في دول الربيع العربي في القارة بفعل الاضطرابات الأمنية والسياسية

الفكرة السائدة أن أفريقيا القارة الفقيرة بدأت تتغير مع دخول المستثمرين الأجانب في العديد من المشروعات العقارية والاستثمارية في القارة («الشرق الأوسط»)
TT

أكد أحدث تقرير صدر عن مؤسسة «نايت فرانك» الدولية، تحت عنوان «تقرير أفريقيا 2013»، أن اقتصادات القارة بدأت في تحقيق نسب نمو قوية منذ بداية الألفية، وأن الفكرة السائدة عن أن أفريقيا هي القارة الفقيرة بدأت تتغير مع دخول المستثمرين الأجانب في كثير من المشاريع العقارية والاستثمارية في القارة السوداء. وزاد النمو في الدول الأفريقية بمعدل خمسة في المائة سنويا منذ عام 2000.

وللتعبير عن المناخ الاقتصادي المتغير في أفريقيا، ينظر البنك الدولي إلى 27 دولة أفريقية من مجموع 54 دولة على أنها دول ذات دخل مرتفع أو متوسط، وذلك بزيادة 12 دولة عن تقسيم البنك للقارة في عام 2000. وكانت زامبيا وغانا من أحدث الدول التي تدخل إلى مصاف الدول متوسطة الدخل في تصنيف البنك الدولي.

ولكن دول الربيع العربي في شمال القارة مثل تونس وليبيا ومصر لم تكمل رحلة النمو بسبب اضطرابات الربيع العربي وعدم الاستقرار السياسي فيها، حيث يذكر التقرير كثيرا من المشاريع المتوقفة في ليبيا وتونس وتوقف نمو القطاع العقاري الأرستقراطي في مصر مع تحقيق الصفقات على أساس نقدي فوري، مع توقف نشاط الإقراض العقاري تماما للمشاريع الجديدة.

ويعلل التقرير تحسن أحوال القارة من الناحية الاقتصادية بارتفاع أسعار المواد الخام، وخصوصا النفط من غرب أفريقيا، والنحاس في زامبيا. وساهم كثير من العوامل الأخرى في تحسن الإنجاز الاقتصادي، مثل الاستقرار السياسي في معظم القارة، وتراجع العوائق التجارية وتحسن الإنجاز الحكومي.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يستمر النمو الأفريقي خلال السنوات الخمس المقبلة بنسب تصل إلى خمسة إلى ستة في المائة سنويا. ولكن هذه النسب لا يجب أن تخفي حقيقة أن أفريقيا لا تساهم في الناتج الدولي الإجمالي إلا بنسبة أربعة في المائة فقط، وأن مستويات المعيشة فيها ما زالت بين الأفقر في العالم.

وحتى في الدول ذات الدخل المتوسط، ما زالت هناك فوارق شاسعة في الدخل وسوء توزيع للثروة بين الأثرياء والفقراء. ومع ذلك يقول البنك الدولي إن أفريقيا «تقف على شفا الإقلاع الاقتصادي، مثلما كان الوضع في الصين منذ 30 عاما».

ومن المتوقع أن يزداد التعداد الأفريقي من مليار إنسان في عام 2010 إلى مليار و200 مليون نسمة في عام 2020. ويساهم هذا التوسع السكاني في نمو الأسواق الاستهلاكية وزيادة الطلب على السلع والخدمات وعلى العقار. ويساهم انتشار الاتصالات اللاسلكية في سرعة نمو اقتصادات أفريقيا وعلى ارتباطها بالعالم الخارجي حيث زاد عدد أجهزة الهاتف الجوال فيها من 17 مليون جهاز في عام 2000، إلى 700 مليون جهاز في عام 2012.

وفي مقارنة بين إيجارات المكاتب في عواصم أفريقيا، كانت لواندا هي الأغلى بقيمة 150 دولارا للمتر المربع شهريا، بينما جاءت تونس العاصمة في الموقع الأرخص، بسعر 20 دولارا للمتر الواحد شهريا. وتزيد أسعار لواندا عن أسعار لندن ونيويورك وهونغ كونغ. وتساوت القاهرة وطرابلس في سعر يبلغ 35 دولارا شهريا للمتر المربع، بينما جاءت الدار البيضاء بعد ذلك بسعر 30 دولارا للمتر المربع، ثم الخرطوم بسعر 28 دولارا للمتر المربع شهريا.

وتعد الصين الشريك التجاري الأول لأفريقيا، وأحد أكبر المستثمرين الأجانب فيها. وتقدر هيئة «أونكتاد» للتجارة والتنمية التابعة للأمم المتحدة حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا بنحو 42.7 مليار دولار في عام 2011، أي أربعة أضعاف حجمه في عام 2000. ولكن هذا الاستثمار لا يزيد عن ثلاثة في المائة من حجم الاستثمار الأجنبي المباشر على مستوى العالم.

ومن هذا الحجم تستأثر الصين بنحو 166 مليار دولار من الاستثمار المباشر في أفريقيا في عام 2011. وتقدم الصين استثماراتها في قطاعات البنية التحتية في الدول الأفريقية، مثل الطرق والمدارس والمستشفيات مقابل الحصول على موارد المواد الخام من أفريقيا.

وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في دول شمال أفريقيا بداية من عام 2011 بسبب الربيع العربي والاضطراب السياسي والأمني.

ومن المشاريع الصينية في أفريقيا مبنى «بنسيون تاور» المكون من 25 طابقا في كمبالا، الذي يعد أعلى مبنى في أوغندا. كما بنت الصين مبنى رئاسة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا بتمويل كامل يبلغ 200 مليون دولار من الحكومة الصينية. وتعتبر الصين أول من اكتشف القيمة الكامنة لأفريقيا قبل كثير من المستثمرين الغربيين.

ولم تجذب أفريقيا كثيرا من الاستثمار الأجنبي في المجال العقاري، باستثناء جنوب أفريقيا التي جرى فيها استثمار عقاري تجاري بنحو 800 مليون دولار في عام 2012. أما خارج جنوب أفريقيا فإن أسواق العقار الأفريقية تبدو مفتتة وغير شفافة. وهناك بوادر عن اهتمام صناديق عقارية من جنوب أفريقيا بالاستثمار في دول أفريقية أخرى. كما يوجد كثير من صناديق الاستثمار الصغيرة المتخصصة التي تنشط في أفريقيا، خصوصا في لاغوس ونيروبي.

من هذه الصناديق صندوق «رينيسانس»، الذي يقوم ببناء عدة مدن جديدة في أفريقيا، مثل «تاتو سيتي» بالقرب من نيروبي لإسكان 70 ألف نسمة، ومدينة أبولونيا بالقرب من أكرا لإسكان 88 ألف نسمة. وهي مدن تتبع نموذج حي «سانتون» بالقرب من جوهانسبورغ الذي أقيم في الثمانينات ونجح عقاريا، وهو الآن يعتبر الحي المالي للمدينة. ولكن معظم المشاريع الجديدة ما زالت في مرحلة التنفيذ وبعضها يواجه صعوبات في التنفيذ وتأخيرا في مواعيد التسليم. وعلى الرغم من المزايا التي تتمتع بها أفريقيا من تعداد صغير السن وأسواق استهلاكية متوسعة وطلب متزايد على العقار، فإن مناخ الأعمال في القارة يعد من الأصعب في العالم، ويقع في مؤخرة لائحة البنك الدولي للدول التي يسهل إنجاز الأعمال منها. ولذلك فهي تمثل تحديا كبيرا لكل من يريد الاستثمار العقاري فيها.