السعودية: تراجع حركة البناء بـ30% وسط شح في المقاولين مع ارتفاع التكاليف

توقعات باستمرار تباطؤ تنفيذ المشاريع الإسكانية من قبل المواطنين.. حتى نهاية العام

تراجع حركة البناء تلقي بظلالها على سوق العقار في السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

يجمع عدد كبير من المقاولين السعوديين على أن حركة البناء والتشييد تجاوزت مرحلة الركود إلى ما يمكن وصفه بـ«السبات»، حيث قدروا نسبة التباطؤ بنحو 30 في المائة مقارنة بالعام الماضي، في حين أكدوا خلال حديثهم لـ«الشرق الأوسط» أن هناك أزمة جديدة تواجه القطاع، تتمثل في شح عدد المقاولين وخروج بعضهم من السوق، مرجعين ذلك للمعوقات التي باتت تواجه قطاع المقاولات بداية من ارتفاع أسعار مواد البناء وإشكالات استيرادها إلى جانب أزمة شح العمالة.

ويؤكد المهندس عبد العزيز حنفي، وهو رئيس لجنة المقاولين في الغرفة التجارية والصناعية في جدة سابقا، أن هناك حالة ركود غير مسبوقة يمر بها حاليا قطاع البناء والتشييد، بقوله: «حالة الركود هذه كانت تقدر العام الماضي بنحو 20 في المائة، لكنها تصل هذا العام لنحو 30 في المائة، وهذه نسبة كبيرة، وطبعا لا نتكلم هنا عن المشاريع الحكومية الضخمة لأنها تشهد نشاطا وتطورا، لكن حالة الركود تجتاح قطاع البناء السكني بالنسبة للمواطنين».

وأكد حنفي لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك حالة من التخوف العام في ظل شح العمالة وارتفاع أسعار مواد البناء وغيرها من العوامل غير الجاذبة للقطاع، ويضيف: «الإشكالية التي تواجهه المقاولين دائما تكمن في عدم وجود إحصاءات عن احتياج السوق، فنضطر لشراء كميات كبيرة من المواد وتبقى في المستودعات لفترة طويلة، وهو ما يعتبر خسارة لنا، فلا يوجد تقديرات واضحة لعدد الوحدات السكنية التي تطلبها السوق، ولا حجم المواد المطلوبة لإنجازها».

ويتفق معه الدكتور عبد الله المغلوث، وهو عضو اللجنة الوطنية للمقاولين، الذي كشف بدوره عن وجود أزمة جديدة تجتاح القطاع تتمثل في «شح المقاولين»، وهو ما أكد عليه خلال حديثه، قائلا: «المتعارف عليه في مجال البناء أن المقاولين غالبيتهم عشوائيون ومعظمهم من الوافدين، ويقومون بالاتفاق مع صاحب المسكن بتنفيذ وحدة سكنية بأيد عاملة وافدة، وهذا الحاصل منذ سنوات، وبعد إجراءات وزارة العمل في تصحيح أوضاع العمالة وإيقاف ومجازاة المخالفين، أصبح هناك تخوف من العمل في القطاع».

ويؤكد المغلوث في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن المرحلة التصحيحية التي قامت بها وزارة العمل أثرت بدورها على حركة سوق البناء والتشييد من قبل المقاولين، وهو ما يرجعه إلى قلة الأيدي العاملة وتراجع نسبة المقاولين، إلى جانب ما يصفه بـ«عدم أهلية الكثير منهم، وعدم تمكنهم من العمل وفق الإجراءات الصحيحة».

يأتي ذلك في حين تكشف دراسة حديثة أعدتها لجنة المقاولين بمجلس الغرف السعودي، عن أن عدد السعوديين العاملين في قطاع المقاولات يبلغ نحو 200 ألف عامل من إجمالي العاملين الذين يتجاوز عددهم نحو مليوني عامل، بينما يصل عدد السجلات التجارية للمقاولين لنحو 280 ألف سجل تجاري، بينهم 138 ألف مقاول مسجل لدى الغرف التجارية، في حين تبلغ نسبة المصنفين 0.01 في المائة من إجمالي عدد المقاولين.

من جهة ثانية، يرى المغلوث أن هناك أسبابا أخرى أدت إلى حالة التباطؤ التي تشهدها حركة تنفيذ المشاريع الإسكانية من قبل المواطنين والتي توقع استمرارها حتى نهاية العام، من هذه الأسباب تأخر صرف قروض صندوق التنمية العقاري، قائلا: «هذا يجعل المواطن متذبذبا، فكيف يبني مسكنه في ظل عدم توفر السيولة ومع وجوده في قائمة الانتظار؟». وأشار المغلوث إلى أنه من العوامل الأخرى المؤثرة كذلك ما يتعلق بإجراءات البلديات وأنظمة التراخيص التي يصفها بـ«البيروقراطية»، قائلا: «ذلك يجعل المواطنين لا يقدمون على استخراج الترخيص، بسبب بطء الإجراءات».

ويرد على ذلك المهندس سامي العليو، وهو مدير إدارة التعاملات الإلكترونية بأمانة المنطقة الشرقية، الذي كشف لـ«الشرق الأوسط» عن أن الأمانة الآن بصدد العمل على إصدار رخص البناء إلكترونيا، مضيفا: «الرخص تصدر حاليا عن طريق النظام القديم، لكن أمين المنطقة وجه بتفعيل التعامل الإلكتروني، ولقد جهزنا عددا من التطبيقات الخاصة برخص البناء والرخص المهنية، وبإمكان المواطن استخراج الرخصة عن بعد إلكترونيا».

ويوضح العليو أنه تم التعاقد مع 5 مكاتب مبدئيا بهدف تأمين هذه الخدمات الإلكترونية، منوها بأن هذه الخطوة ستمكن المستفيدين من الحصول على الرخص خلال مدة قصيرة بدلا من الوقت السابق، حيث كان ذلك يستغرق وقتا أطول، وتابع حديثه بالقول: «الخدمات الإلكترونية الجديدة نعمل عليها حاليا، وسنطلقها خلال الأسابيع القليلة المقبلة»، الأمر الذي يؤكد أنها ستسهم في سلاسة استخراج رخص البناء.

وتبدو أزمة الركود العمراني متشعبة الأسباب، في الوقت الذي يؤكد فيه المقاولون أن ذلك انعكس بدوره بالخسائر على شركات المقاولات وخروج بعضها من السوق، بينما تقدر الدراسات الرسمية الحديثة نسبة نمو قطاع المقاولات بنحو 16.5 في المائة في عام 2012، في حين بلغت مساهمته من إجمالي الناتج المحلي بما نسبته 4.6 في المائة، وما نسبته 13.2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للقطاع الخاص.