لندن الكبرى تتحول إلى «نقطة عقار دولية ساخنة»

تشهد تنافسا محموما بين المستثمرين الأجانب من كل أنحاء العالم

جانب من لندن («الشرق الأوسط»)
TT

في الخمسينات من القرن الماضي كانت منطقة «بلغرافيا» هي الحي الأرستقراطي الوحيد في لندن ونقطة العقار الساخنة فيه. ولكن هذه النقطة توسعت عبر عقود لكي تمتد الآن من حي ريتشموند غربا إلى كناري وارف شرقا. فلندن الكبرى كلها تتحول إلى نقطة عقار دولية ساخنة ترتفع فيها الأسعار بمعدلات هي الأعلى في أوروبا ويتنافس عليها الأثرياء من كل أنحاء العالم.

هذه على الأقل هي استنتاجات أحدث تقرير عقاري صادر من مؤسسة «سافيلز» العقارية في لندن الذي ينصح المستثمرين الجدد بالبحث عن المناطق الواعدة الجديدة داخل لندن وفق استراتيجية تعتمد على ثلاثة توجهات:

أولا – البحث عن مناطق عصرية يقطنها فنانون ومبدعون يحولون الأحياء التي يسكنون فيها إلى أحياء جاذبة لكل جديد. وتشمل هذه المناطق الجديدة أحياء مثل شورديتش ودالستون وبريكستون.

ثانيا – مناطق مشروعات التجديد والإحلال الجديدة وتلك التي تقام فيها مشروعات كبيرة. وهذه تتراوح ما بين مناطق إيرلزكورت وكنغز كروس إلى حي «ناين إيلمز» وبعض أحياء شرق لندن.

ثالثا – المناطق المجاورة للنقاط الساخنة التقليدية، فارتفاع الأسعار في المناطق الساخنة ينعكس عاجلا أو آجلا على أسعار المناطق المجاورة إيجابيا. وهناك الكثير من الأمثلة التي تحققت مثل شارع كنغز رود بجوار ميدان سلون سكوير وأحياء تشيلسي وفولهام.

وما زال وسط لندن يمثل مركز النقطة العقارية الدولية الساخنة، وتلك يتنافس عليها الأثرياء فقط من جميع أنحاء العالم وترتفع فيها الأسعار بنسبة خمسة في المائة سنويا فوق معدلات التضخم منذ السبعينات. أما المناطق الخارجة عن الدائرة المركزية في لندن، فقد ظلت ترتفع بمعدل سنوي قدره 3.6 في المائة فوق معدل التضخم منذ عام 1979، مقارنة بمعدل لا يزيد على 2.9 في المائة سنويا لبقية العقار البريطاني.

ويقول الباحث لوسيان كوك من شركة «سافيلز» إن متوسط سعر العقار الفاخر في وسط لندن تضاعف خلال السنوات الثماني الأخيرة، وبنسبة 116 في المائة، وهو ما يمثل زيادة على معدلات التضخم السنوية بنحو 66 في المائة. وما يجعل هذا الإنجاز استثنائيا هو أنه خلال الفترة نفسها انخفض معدل أسعار العقارات البريطانية بنحو 19.3 في المائة.

ولاحظ كوك أنه في دورتي العقار السابقتين زادت الفجوة السعرية بين أسعار وسط لندن وأسعار بقية أنحاء بريطانيا، والسبب في رأيه أن وسط لندن يخضع لعوامل مغايرة لما تخضع له أسواق العقار الأخرى في بريطانيا.

ففي الوقت الذي تخضع فيه أسواق العقار البريطانية إلى حالة الاقتصاد المحلي وسهولة الحصول على قروض عقارية، والقدرة الشرائية المحلية، فإن أسواق لندن تدفعها عوامل الثروة الدولية والرغبة في الحصول على مكان آمن للاستثمار يتميز بالتنوع العرقي ولكنه أيضا يحقق عوائد مستقرة تاريخيا.

وخلال الثماني سنوات الأخيرة تعززت العوامل التي تدفع سوق لندن الفاخر، وخصوصا مع زيادة الثروة في الأسواق الناشئة، بالإضافة إلى الثروة التي يتم توليدها من الأعمال في لندن نفسها كمدينة دولية. وتتميز لندن بمركز مالي ومصرفي عالمي. ولا توجد منافسة حقيقية لعقارات وسط لندن، كما لا توجد إلا مناطق قليلة خارج نطاق لندن تنافس على مستوى عالمي منها «ونتورث إيستيت» و«سان جورج هيل». وحتى على المجال الدولي، يؤكد كوك أن مدنا قليلة تقدم الشفافية وضمان الملكية التي تقدمها لندن، ولعل أقرب هذه المدن هي نيويورك. ولكن حتى نيويورك لا تجد الإقبال الدولي الذي يأتي إلى لندن.

وفي أوروبا تعد باريس هي أقرب نموذج لموقع عقاري فاخر ولكنها وقعت ضحية ضرائب ثروة باهظة فرضتها الحكومة الفرنسية أخيرا. ولكنها مع ذلك ما زالت أرخص من الضرائب الباهظة التي تفرض في مواقع آسيوية مثل هونغ كونغ وسنغافورة.

ويستنتج كوك أنه مع استمرار ارتفاع الطلب العالمي على عقارات لندن ومحدودية الإمدادات سوف تستمر أسعار عقارات وسط لندن الفاخرة في الارتفاع، وهو يتوقع ارتفاعا يبلغ ستة في المائة هذا العام مع ارتفاعات مختلفة حتى عام 2017. وخلال الخمس سنوات المقبلة يتوقع كوك أن تصل جملة ارتفاع الأسعار في لندن إلى 24.3 في المائة.

ولكن الاستثمار العقاري في لندن، مثل أي استثمار آخر، له مخاطره. وأهم مخاطر لندن إمكانية انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، واحتمال فرض ضرائب إضافية على العقارات الفاخرة. كما أن شراء الأجانب لعقارات لندن الفاخرة تحول في الآونة الأخيرة إلى قضية سياسية مما يثير بعض الغموض حول توجهات السياسة مع اقتراب فترة الانتخابات العامة. وسوف توضح الانتخابات المقبلة ما إذا كان احتمال فرض ضرائب على العقارات الفاخرة سوف يزداد أو يتراجع، وسوف ينعكس ذلك على أسعار وقيمة العقارات.

ويلعب الأجانب دورا حيويا في أسواق العقار اللندنية ومعظم المشترين هم من المستثمرين الذين ينظرون إلى العوائد الإيجارية وارتفاع القيمة الرأسمالية كعوامل أساسية للاستثمار. وتشير أحدث خريطة للمبيعات العقارية الأجنبية في لندن إلى أن الصينيين أصبح لهم نصيب الأسد في السوق بنسبة تفوق 30 في المائة من الإجمالي، بينما لا يصل الاستثمار العربي إلى أكثر من 20 في المائة من الإجمالي المتاح. ويقع العرب في المركز الثالث بعد الصينيين والبريطانيين.

ويزداد الإقبال الأجنبي على العقارات الجديدة لأنها تتيح فرصة تعديل التصميم لكي يناسب المشتري. وزادت في الفترة الأخيرة رغبة كبار المشترين في جمع أكثر من وحدة عقارية تحت سقف واحد وشرائها كوحدة واحدة. وتوجد ندرة خاصة في العقارات الجديدة التي تقع على طوابق مرتفعة وبمساحات تفوق 10 آلاف قدم. وتوفر هذه العقارات قيمة خاصة أعلى من معدل السوق. وفي عام 2012 بيعت 40 وحدة عقارية فقط تفوق مساحة كل منها 7000 قدم مربع.

من ناحية أخرى، تزدهر سوق شراء العقار من أجل التأجير في لندن وتبلغ نسبة العقارات المخصصة للإيجار واحدا من كل خمسة عقارات مباعة في القطاع الفاخر. وخلال الفترة من 2005 إلى 2013 تراجعت نسبة العائد الإيجاري في لندن من 6.3 في المائة إلى 3.1 في المائة نتيجة لارتفاع القيمة العقارية أكثر من نسب الإيجار.

ولا يهتم المشترون كثيرا بنسب العائد الإيجاري لأن القيمة الكبرى تكون في ارتفاع قيمة العقار نفسه. ولذلك يهتم المستثمر الأجنبي في لندن، خصوصا من الشرق الأوسط، بالموقع. وتقدم الكثير من شركات العقار خدمة البحث عن العقار المناسب لاحتياجات المستثمر الأجنبي في الموقع الذي يريده.

وتقول باحثة العقار كاتي واريك إن لندن تشهد الآن طفرة في المشروعات الجديدة التي تحاول فيما بينها تلبية الطلب الأجنبي. وهي تشير إلى مبيعات عقارية للوحدات الجديدة تبلغ 16 ألف وحدة سنويا. وكانت إحدى الوسائل التي لجأت إليها شركات العقار لتمويل مثل هذا الاستثمار الهائل تسويق الوحدات العقارية اللندنية في الخارج.

وتسهم هذه المشروعات بدورها في توسيع نقطة العقار الساخنة في لندن إلى آفاق جديدة. فمشروع مثل «لانكاستر» فتح سوق منطقة بيزووتر لنوعية جديدة من المشترين. وفتحت مشروعات جنوب نهر التيمس منطقة ساوث بنك إلى الاستثمار الدولي بحيث يمكن اعتبارها الآن أيضا منطقة عقار ساخنة.