السوق العقارية السعودية تستقبل 2014 بتفاؤل

ارتفاع الأسعار أسهم في جفاف العمليات التسويقية

جانب من العاصمة السعودية الرياض («الشرق الأوسط»)
TT

أداء منخفض ونشاط متعثر عاشت تفاصيله السوق العقارية السعودية، مع نهاية عام 2013 في كل فروعها وأذرعها التجارية التي تأثرت بشكل سلبي في العام الموشك على الانصرام، وبذلك لم يستطع القطاع العقاري أن يخرج من أدائه المتواضع الذي استمر أكثر من ثلاث سنوات، إلا أن أهم ما يميز السنة الأخيرة هو العزوف الكبير عن المبيعات، حيث شهدت أقل مستوى في عمليات البيع، نظرا لاستمرار ارتفاع الأسعار.

وقد دخلت السوق السعودية منحنيات مختلفة خلال العام، ما بين زيادة بسيطة في نسبة مبيعات الأراضي المنفردة، وانخفاض مبيعات المباني القديمة، إلى ضمور في إنشاء المجمعات السكنية الكبيرة، وتناقص في مبيعات الفيلات والمنشآت التي تعود ملكيتها إلى المواطنين.

وعلى الرغم من توسع الحكومة المحلية في التصريح بطرح كثير من المخططات الجديدة لتحريك عمليات التملك، فإن الحالة العامة للسوق شهدت تباطؤا، إن لم يكن توقفا في تحقيق المزيد من النمو، في دولة تحتاج خطوات كبيرة ومتسارعة لسد عجز الإسكان الذي يشكل مشكلة رئيسة.

وقال ناصر التويم، الذي يمتلك مؤسسة عقارية متخصصة «إن مؤشرات السوق العقارية تشهد أن هناك توقفا يلف قطاعاتها بشكل عام، بغض النظر عن بعض التحركات الفردية أو الصفقات الصغيرة التي تتم من فترة لأخرى، والتي تعد محركا بسيطا في قطاع كبير يعمل بمليارات الريالات، ومن المفترض أن يكون أداؤه أضعاف حركته الحالية»، لافتا إلى أن الحال لا يمكن أن يستمر على ما هو عليه، إذا أخذ في الحسبان أن العقارات تشيخ مع الزمن، وتنقص معه قيمتها، خصوصا أن بعضها تبلغ قيمته ملايين الريالات؛ مما يجعل الاستثمار فيها غير مرغوب فيها.

يذكر أن الاستثمار في السوق العقارية كان الأكثر رواجا خلال الفترات الماضية، خصوصا بعد نكسة سوق الأسهم عام 2008 حيث زادت شعبيته وتصنيفه بأنه من الاستثمارات الأكثر أمانا، إلا أن العقار يعد في هذه الفترة من أكثر القطاعات ركودا، على الرغم من تمسكه بقيمته، إلا أن الأيام المقبلة قد تُحدث مفاجآت من العيار الثقيل، لصعوبة بقاء حال القطاع على ما هو عليه الآن، وهو ما يثير تخوفات بعض المستثمرين في هذه السوق المترددة.

ويزيد التويم بأن القطاع العقاري لم يعد جاذبا للاستثمار، على الرغم من تزعمه شتى القطاعات الاقتصادية الأخرى في فترات ماضية. وعن تأثير هذا الركود في الأداء العام للسوق أوضح أن عمليات البناء شبه متوقفة، في ظل ارتفاع أسعار الأراضي وأسعار المقاولين، وعمليات تصحيح أوضاع العمالة، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف مواد البناء، التي أصبحت تشكل ضغطا إضافيا على أداء القطاع، الذي لم يعد يحتمل مزيدا من الضغوط، خصوصا أن السوق تترنح بشكل يُعجز عن تفسير ما يحدث فيها.

من جهته، شخّص إبراهيم العبيد، الذي يمتلك شركة «العبيد للاستشارات العقارية»، حالة السوق خلال العام المنصرم، بأنها لا تسير بالشكل المطلوب؛ بل عكس معطيات الحالة الاقتصادية؛ إذ إنه في الوقت الذي يسجل فيه الاقتصاد المحلي فائضا في موازنته وارتفاعا في العرض، فإن الطلب ما زال منخفضا منذ ثلاث سنوات؛ لكن السنة الماضية كانت الأشد توقفا عن الطلبات، نتيجة تحليق الأسعار خارج السرب؛ مما يثير حالة من التساؤلات عن أسباب توقف الحركة، على الرغم من حاجة السعودية إلى مئات الآلاف من الوحدات السكنية، لسد العجز الحاصل في الإسكان، في دولة يسكن أكثر من نصف شعبها في منازل مستأجرة.

يُذكر أن السوق العقارية في السعودية لم تشهد منذ نشأتها أي انخفاض في الأسعار؛ بل في ازدياد مطرد، نتيجة النمو المتزايد، ولكونها دولة شابة تحتاج مزيدا من الاستثمارات العقارية بشكل مستمر، لتلبية الطلب المتزايد على المساكن، وهو الأمر الذي جعل ملف الإسكان أحد أهم الملفات التي تحرص الحكومة على حلها، حيث يرى المواطن السعودي أن توفير السكن على رأس أولوياته.

وبالعودة إلى العبيد الذي حدد القطاعات العقارية الأكثر سكونا، فقد وضع على رأسها مبيعات المباني القديمة، ومبيعات الفيلات التجارية التي كانت تتزعم العمليات العقارية الأكثر نشاطا، إلا أن العام الماضي اختلف وأصبح الهدوء إحدى سماته الرئيسة، في سوق أصبحت في عداد أكثر القطاعات الاقتصادية توقفا عن تحقيق الأرباح، لافتا إلى أن اختصار وضع السوق خلال السنة الفائتة هو عزوف في الطلب، على الرغم من وفرة العرض؛ مما جعل السوق تعيش دوامة من الركود، على الرغم من حاجة السكان إلى التملك.

وفي الموضوع ذاته، استغرب ياسر المريشد، المستثمر العقاري، من حال السوق خلال العام القريب من الانتهاء؛ إذ من المعروف أن السعودية من أكثر الدول التي تحتاج مزيدا من الإنشاءات العقارية؛ ولكن التوقف عن المبيعات جعل الشركات الإنشائية الكبرى تؤجل مشروعاتها أو تنهيها في ظل هذه الحالة المتردية، لافتا إلى أن مشروعات كبرى قد توقفت أو ألغيت؛ بسبب نقص سيولة المواطنين، الذين أصبحوا يتفرجون على المباني من دون أن تكون لديهم قدرة مادية على امتلاكها، أو لتصحيح أوضاع العمالة، على الرغم من تنافس البنوك على تمويلهم لتملك العقارات؛ لكنها لم تكن بالشكل نفسه الذي كان يطمح إليه المستهلك البسيط. وأضاف «يجب إعادة النظر في الأسعار الحالية للعقارات؛ لأنه مهما زادت العروض والمغريات فإن المواطن البسيط لا يستطيع امتلاك العقار؛ إذا أخذ في الاعتبار تمثيله شريحة كبيرة من السكان المحليين، وستستمر السوق في أدائها المنخفض، إن لم تعد الأسعار إلى طبيعتها»، مبينا أن تملك السكن على رأس أولويات المواطنين، الذين تلاشى لديهم هذا الحلم بسبب ارتفاع الأسعار.