قطاع المقاولات السعودي.. الحلقة الأضعف في طريق تحقيق نهضة عقارية

تذبذب كبير في ظل غياب التشريع الحكومي.. وسعودته لا تتجاوز 20 في المائة

عدد من السعوديين أمام نموذج لأحد المشاريع العقارية الضخمة في السعودية (تصوير: خالد الخميس)
TT

يعد قطاع المقاولات في السعودية الحلقة الأضعف بين سائر القطاعات العقارية الأخرى، حيث يعيش تذبذبا في أدائه بسبب عدم وجود مرجعية منفصلة يمكن اللجوء أو الاحتكام إليها، إضافة إلى ضعف قدرات معظم المقاولين الموجودين في السوق وعدم استقرارهم، الأمر الذي انعكس بشكل ملحوظ على تزايد البناء التجاري في سوق نشطة تترأس منطقة الشرق الأوسط من حيث المشاريع العمرانية والتوسع البنائي.

واقترح عدد من العقاريين إعادة صياغة قطاع المقاولات من جديد من قبل الجهات الحكومية المختصة، إضافة إلى إنشاء جهة تكون مسؤوليتها تنظيمه، مشيرين إلى ضرورة إعادة تأهيل المقاولين السعوديين وفتح كليات متخصصة في إعداد مقاولي إنشاءات منازل، بعدّها سوقا كبيرة يستحوذ عليها الأجانب بنسب تتجاوز 80 في المائة.

وقال إبراهيم العبيد، الذي يدير شركة مقاولات خاصة، إن المشكلة الكبرى التي تواجههم هي أزمة الثقة بينهم وبين العميل، حيث إن العقود تكون مكتوبة ومدونة بشكل يدوي بدائي، رغم أن العقد قد تصل قيمته إلى مئات الآلاف من الريالات، لافتا إلى أن هذا الأمر يكون موترا للغاية بالنسبة للمقاول أو العميل، الذي لا يقوم بالدفع عادة إلا بعد انتهاء المرحلة الأولى، وإن هذا الأمر مكلف للغاية بالنسبة إليهم كمقاولين، والعكس أيضا صحيح، نظرا لتخوف العملاء من وقوعهم ضحية الغش والنصب الذي راح ضحيته الكثير نتيجة غياب التنظيم.

وأضاف: «نعاني غياب المرجعية الحكومية التي يجب أن تكون منطلقا لجميع عمليات المقاولة، من تسجيل عقد إلى إشراف على البناء وتوفير الضمان للمنشأة فور انتهائها، وذلك بعقود موثقة ورسمية تعمم على جميع العاملين في القطاع، وجميعها أمور أساسية لتنظيم العمل وتلافي التصادم مع العملاء أو حتى المقاول، الذي يضطر إلى الذهاب للمحاكم عند أي خلاف حاد يصعب حله، وينتظر على أثره سنوات طويلة من أجل الظفر بالحكم، مما يعطل مصالحه».

يشار إلى أن مشكلات قطاع المقاولات في السوق السعودية ليست جديدة، بل تعد مزمنة وطالما عانى منها القطاع، إلا أن الأمر ازداد تعقيدا بعد اتساع الرقعة العمرانية مع الثورة الإنشائية التي تعيشها المملكة، إذ إن السوق المحلية تشهد نموا مطردا لا تستطيع العمالة الموجودة تلبيته أو تغطيته بشكل كامل، وتعد السعودية من أوائل الدول في العالم التي تشهد طفرة نوعية في قطاع الإنشاءات، نظرا إلى حاجتها المتزايدة لوجود المؤسسات المؤهلة للقيام بالمشاريع.

وفي صلب الموضوع، أكد ياسر المريشد، المستشار العقاري، ضرورة سعودة القطاع بشكل غير إجباري وبحوافز مغرية للسعوديين، وذلك عبر افتتاح كليات وجامعات متخصصة في تدريس الإنشاءات، رغم أنها متعبة نوعا ما، فإنها تدر أرباحا خيالية لا يدركها سوى العمالة الوافدة، الذين يسيطرون على أكثر من 80 في المائة من قطاع المقاولات، مقابل 20 في المائة للسعوديين الذين ينحصر دورهم على الإشراف العام والعمليات النظرية وتحسينات الديكور، والتي لا تدر سوى مبالغ بسيطة مقارنة بالعمليات الفعلية، مثل السباكة والكهرباء والتلييس، التي يجني أصحابها مئات الآلاف من الريالات في المنشآت الصغيرة، وتزيد الأرباح مع توسع المشاريع وحجم المنشأة.

وحول تأثر القطاع بالنهضة العمرانية القائمة حاليا في السعودية، أكد المريشد أن سوق الإنشاءات تسير ببطء شديد نتيجة التخبط الذي تعيشه ولا تزال تعاني منه، لافتا إلى أن من المفترض أن يجري تنظيم السوق بشكل يليق بمليارات الريالات التي تدر فيها بالسنة الواحدة، مبينا أن المقاولات منجم كبير للأرباح، إلا أن الوضع الحالي يعيش بعكس المفترض أو المتوقع، مشيرا إلى ضعف قدرات معظم المقاولين الموجودين في السوق وعدم استقرارهم، والتلاعب الكبير الذي يحصل حاليا في القطاع.

وفي الموضوع ذاته، تحدث ناصر التويم، الذي يمتلك شركة «التويم للتطوير العقاري»، عن تباطؤ محتمل في عمليات الإنشاء في السعودية نتيجة شح العمالة الذي بدأ يظهر جليا بالنسبة للمهتمين بالقطاع، خصوصا بعد المهلة التصحيحية والحملة التي شنتها الحكومة عليهم والتي دفعت إلى اختفائهم. وزاد: «من المعروف اعتماد المؤسسات الصغرى والمتوسطة على العمالة المخالفة المنتشرة في الشوارع في الفترات السابقة، والتي بدأت تشهد اختفاء ملحوظا تسبب في توقّف كثير من المشاريع التي قد تكون على وشك الانتهاء».

وعرج التويم إلى ضرورة سماح الحكومة لشركات المقاولات بالذات بزيادة أعداد عمالتها، لتتسنى لها تغطية العجز الحاصل حاليا في السوق، والذي ينعكس سلبا على أسعار العقار بشكل عام، وأن السوق تستطيع جذب العمالة لسنوات طويلة دون أن يكتفي نظرا إلى الحاجة الشديدة إليهم، وتزايد أعداد المنشآت.

ويأتي ذلك في ظل توقعات بنمو قطاع الإنشاءات والمقاولات في عام 2014 بنسبة 7.1 في المائة، وسط تفاؤل بازدهار سوق القطاع نتيجة التنامي العمراني الذي تعيشه الدولة، إذ بين عدد من العقاريين أن قطاع المقاولات يجذب بشكل ملحوظ الكثير من الاستثمارات الأجنبية إلى السوق السعودية، لما ينفرد به من اهتمام ورصد ميزانية كفيلة بعمل خريطة فرص تشغيلية كبيرة.