هل نحن بصدد طفرة عقارية أخرى؟

دكتور يارمو كوتيلين

TT

رغم بقاء منطقة دول مجلس التعاون الخليجي واحدة من النقاط المضيئة في الاقتصاد العالمي خلال فترة الأزمة المالية العالمية، فإنها واجهت بعض الصعوبات خلال السنوات الست الماضية. وبشكل خاص، شهد القطاع العقاري في الكثير من الاقتصاديات الإقليمية مجموعة من الإصلاحات التي كانت مصحوبة بتداعيات واسعة، ليس أقلها ما اختبره القطاع المالي. وكانت أكثر حالات الانكماش شدة قد شهدتها إمارة دبي، التي قاد قطاعا الزجاج ومواد البناء النمو فيها حتى عام 2008. كما شهدت أسعار المنازل في الإمارة موجة تدقيق شملت 50 في المائة منها، وتوقفت مشاريع أو جرى إلغاؤها تماما. كما جرى عمل إصلاحات مؤلمة في أماكن أخرى، مع استثناء جزئي للملكة العربية السعودية، التي اقتصرت الإصلاحات فيها بشكل كبير على شرائح محددة من سوق العقارات التجارية بفضل الطلب الزائد على العقارات السكنية. وفي الوقت الذي ظهر فيه كم كانت تداعيات الأزمة العقارية الإقليمية شديدة وقاسية، أتاحت تلك الأزمة فرصة لوضع مسألة تطوير القطاع العقاري على أسس أكثر قوة. وكان واجبا على المطورين العقاريين أن يركزوا انتباههم على أكثر الأساسيات الاقتصادية أهمية. وكانت المشاريع العقارية السكنية والتجارية الراقية - التي كانت رائجة في وقت من الأوقات - قد تركت الساحة على نحو متزايد للاستثمارات التي تستفيد من الاتجاهات الإقليمية الديموغرافية واحتياجات التنوع الاقتصادي. وعلاوة على ذلك، استجاب صانعو السياسات الإقليمية للأزمة من خلال وضع معايير احترازية جديدة ولوائح وقوانين أشمل فيما يخص الأنشطة العقارية. ويعتبر قانون الرهن العقاري السعودي الجديد أبرز الحالات في هذا الشأن. غير أنه جرى أيضا اعتماد قوانين أكثر صرامة في الكثير من الاقتصاديات الأخرى، فقد ضاعفت دبي رسوم تسجيل المنازل حتى 4 في المائة في محاولة للحد من عمليات شراء المضاربة. كما قامت قطر أيضا بسن قانون عقاري جديد.

ويبدو واضحا أن ديناميكيات السوق تمر حاليا بمرحلة تغيير مرة أخرى. وقد برز القطاع الخاص غير النفطي في طليعة عملية التنمية الاقتصادية، وذلك بعد فترة انتعاش كبيرة في قطاع النفط وزيادة في الإنفاق الحكومي بين عامي 2010 و2012. وقد ساهمت زيادة الثقة وإعادة التوازن إلى الكثير من أنماط النمو في تدشين حالة من الانتعاش في سوق العقارات الإقليمية كذلك. وفي حين حظي ذلك الانتعاش الاقتصادي بترحيب كبير، للكثير من الأسباب ليس أقلها أنه أعطى قبلة حياة إلى القطاعات الأخرى ذات الصلة، يرى الكثير من المراقبين - وبشكل متزايد - أصداء غير مريحة للطفرة التي شهدتها فترة ما قبل عام 2008.

السؤال الآن، هل نحن بصدد تكرار ذلك النوع من فقاعة المضاربة التي شهدناها في فترة ما قبل الأزمة؟ مما لا شك فيه أن وتيرة ارتفاع الأسعار ستتزايد في بعض أسواق الإقليم. وقد عادت أسعار العقارات في دبي للارتفاع بأكثر من 20 في المائة في عام 2013، وهو المعدل الأسرع بين جميع الأسواق العالمية الكبرى، على الرغم من أن التقارير تقول إن هذه الزيادة في الأسعار تبقى أقل بأكثر من الربع عن مستويات الذروة التي وصلت إليها عام 2008. غير أن الوتيرة الحالية لارتفاع الأسعار تفوق بشكل واضح نمو دخول المواطنين. وكان انتعاشا ملحوظا قد تحقق أيضا في أبوظبي، حيث ارتفعت أسعار العقارات بنسبة 25 في المائة، بينما زادت الإيجارات بنسبة 17 في المائة، رغم أن ذلك يرجع جزئيا إلى بعض العوامل، التي تحدث مرة واحدة فقط، مثل الجهود الرامية إلى اجتذاب موظفي القطاع العام الذين يعيشون خارج الإمارة، وكذلك قرار إلغاء الضوابط الخاصة بالإيجار. وبلغت قيمة الصفقات العقارية في قطر 71.4 في المائة أعلى من مثيلاتها في شهر يناير (كانون الثاني) من العام الماضي. كما لوحظ حدوث تحسن إيجابي مماثل في مناطق أخرى من الإقليم. ويمتد تأثير الديناميكيات الإيجابية إلى الأسواق الجديدة، وكذلك المستثمرون الذي يسعون وراء الفرص الثمينة.

عند هذا الحد، لست قلقا كثيرا بشأن موجة تنمية جديدة غير مستدامة، على الرغم من أن تحقيق التوازن الصحيح بين الأساسيات والتوقعات - وسط تصاعد حماسة المستثمرين - لن يكون بالأمر السهل أبدا. ومع ذلك، هناك عدد من الأسباب التي تدعونا للتفاؤل هذه المرة. أولا، تبقى الأسس الاقتصادية للتنمية العقارية في منطقة حيوية من الناحية الديموغرافية على قدر كبير من القوة. وهناك حاجة إلى توفير المزيد من المشاريع لمجاراة الطلب المتزايد. وفي بعض الدول، أعطت بعض المشاريع الطموحة دفعة قوية لأسواقها، مثل فوز دبي بتنظيم معرض إكسبو الدولي 2020 وفوز قطر باستضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم في 2022. كما أن قدرة قطاع البناء والتشييد والخدمات الإقليمية على تقديم خدمة مستدامة للمشاريع الحالية ما زالت قوية بشكل عام. لقد أصبح هناك فائض من القدرات ومرونة عظيمة نتجا عن موجة من الإصلاحات القوية التي شهدتها أسواق الإقليم.

غير أنه يبقى واضحا أنه من الضروري استمرار توجيه المزيد من الاهتمام لقطاع العقارات المتنامي. ويتطلب منع حدوث فقاعات مضاربة مزيدا من اليقظة، ربما حتى من خلال القيام ببعض التدخلات بمرور الوقت. وينبغي أيضا الاعتراف بأن السوق العقاري في المنطقة مفتت للغاية، حيث إن بعض القطاعات، خاصة القطاع السكني، تبلي بلاء حسنا للغاية، في حين ما زالت قطاعات أخرى تشهد تراجعا مستمرا. وهذا يجعل من الضروري تعزيز المشاريع التي تلبي الاحتياجات الحقيقية في مقابل التوقعات المفرطة في التفاؤل. وأخيرا، ينبغي التحلي باليقظة من أجل التأكد من أنه لا يجري النظر إلى الطفرة العقارية الجديدة على أنها تمثل صيدا سهلا، وهو ما قد يؤدي إلى تحويل رؤوس الأموال والموارد بعيدا عن مجالات أخرى يمكن أن تكون ذات أهمية استراتيجية أكبر. ويعد الإفراط في الاستثمار في قطاع العقارات أقل أهمية - بالنسبة لاحتياجات الإقليم على المدى الطويل - من تطوير رأس المال البشري والتنويع المستدام ذي القاعدة العريضة في القطاع التجاري.

* كبير الاقتصاديين في مجلس التنمية الاقتصادية في البحرين