نشاط التأجير.. ملاذ العقاريين السعوديين الدائم في دورات الركود

القرارات الحكومية الأخيرة تسهم في خفض نشاط بقية أفرع القطاع

قطاع التأجير يتصدر المشهد العقاري السعودي ونظام «إيجار» لم يمنع من ارتفاع الأسعار في السوق (تصوير: خالد الخميس)
TT

حركة نشطة يقودها قطاع تأجير العقار في السعودية بالتزامن مع ركود في جميع الأفرع العقارية، خصوصا المتعلقة بالبيع والشراء، بعد القرارات الحكومية التي ألقت بظلالها على الحركة العامة للقطاع، ومكّنت التأجير من ترؤس القطاعات العقارية الأخرى من ناحية الأكثر نشاطا.

وبحسب عقاريين مهتمين فقد أكدوا اشتعالا ملموسا شمل كافة قطاعات التأجير يقودها تأجير الشقق والأدوار الصغيرة التي تأتي على رأس مهمات البحث والعرض وإتمام العقود خلال هذه الأيام التي يعيش السوق فيها حالة من الجمود والاعتماد بدرجة كبيرة على سوق التأجير.

وانعكست هذه الحركة سلبا على ارتفاع طفيف في الأسعار لا يتجاوز الـ5 في المائة وصفه متابعون بأنه طبيعي وغير جديد نظرا لارتفاع الطلب مقارنة بالعرض إلى مستويات كبيرة خلال هذه الفترة، خصوصا لقطاع الأدوار الصغيرة التي تعيش أزمة حقيقية في الوجود صاحبتها زيادة في الأسعار، وهو الوحيد الذي يشهد ارتفاعا في القيمة، في الوقت الذي تعيش فيه السوق ركودا ملحوظا في الأسعار يتأرجح إلى حد كبير نحو الانخفاض، ما يعني أن السوق العقارية تشهد بذلك أول ارتفاع لها منذ إصدار الحكومة المحلية قراراتها التاريخية التي راهنت بأنها ستسيطر بها على الأسعار.

وقال حمد الدوسري الذي يمتلك مؤسسة عقارية تسويقية، إن نشاط حركة التأجير يعد الملاذ الأول في جني الأرباح خلال هذه الأيام بالتحديد، إذ يعد المتنفس الوحيد في تحقيق الإيرادات خصوصا للسماسرة. وزاد بأن الاهتمام باستئجار المنشأة يخضع لمقاييس مختلفة عن الشراء والاستقرار الدائم، حيث يعد قرب المنشأة من الخدمات الحكومية وخصوصا المدارس، سببا كافيا لتغريد سعرها خارج السرب، خصوصا للمراحل التعليمية الأولى ومدارس البنات، وهي من المنشآت التي يصعب الحصول عليها أو تصبح ذات قيمة مرتفعة حال وجودها.

وتُعرف السوق السعودية في الفترة الأخيرة بأنها تعيش تكهنات واسعة وسيناريوهات متضاربة عن مستقبل القطاع العقاري، خصوصا في ظل تصاعد الأسعار وإقرار الدولة رزمة من القرارات التاريخية، إلا أن الغموض لا يزال يسيطر على المشهد العام، إذ ينتظر العاملون في القطاع العقاري ما ستكشفه الأيام المقبلة التي انتشرت فيها أنباء مختلفة عن قرب انخفاض وشيك للأسعار نظرا لتجاوز الأسعار القدرة الشرائية لمعظم شرائح المجتمع في ترجمة حلمهم إلى واقع تملك المساكن.

وبالعودة إلى الدوسري، أضاف أن قطاع التأجير يصنّف بين أقل القطاعات نشاطا أو اهتماما مقارنة بالأفرع الأخرى، نظرا إلى محدودية حركته وتقيّده غالبا بأوقات معينة، إضافة إلى أهم الأشياء، وهي قلة الفوائد التي سيجنيها المكتب الوسيط، ما يجعل خيار الاتجار في العقارات التأجيرية خيارا ثانويا، إلا أن ذلك لا يمنعها من أن تعود إلى الواجهة من جديد في ظل الأداء المتراجع للسوق العقارية السعودية، واعتماد العقاريين على حركة نشاط التأجير باعتباره المتنفس الأكثر نشاطا في هذه الفترة.

وكانت وزارة الإسكان السعودية كشفت عن مشروع «إيجار» العام الماضي وأقره أخيرا مجلس الوزراء السعودي، لينضم إلى القرارات الاقتصادية المهمة التي أصدرتها الدولة لتهذيب القطاع العقاري، حيث من المتوقع أن يكون ذا دور محوري تنظيمي وتقني بين صاحب الإيجار والمستأجر، وذلك من خلال منصة عرض إلكترونية تشارك فيها شركة معلوماتية ضخمة توفر العرض للعقارات المعدّة للإيجار، ويعرض المالك من خلالها لدى الوسيط والمكتب العقاري الوحدات السكنية المعروضة للإيجار بطريقة تقنية تعرض كل مميزات الوحدة السكنية، وما يتعلق بها، ليطلع عليها المواطن الراغب في الإيجار.

وحدد عبد الله البواردي، الأخصائي العقاري، أن هناك حركة عقارية نشطة يشهدها قطاع تأجير الشقق خلال الفترة الحالية سيطرت على كافة القطاعات الأخرى منذ ما يقارب السنة وبلغت ذروتها هذه الأيام بعد إعلان وزارة الإسكان عن مشاريعها الجديدة التي عززت من حركة هذا الفرع العقاري، ما انعكس إيجابا على الحركة التأجيرية التي انعكست بشكل طفيف على السوق العقارية التي تشهد حركة بطيئة في مكاسبها، مبينا أنه رغم حاجة السوق إلى مزيد من إنشاء الوحدات السكنية، فإن الأسعار تقف عائقا بين رغبة المشترين في الشراء والسعر الذي يطمح إليه المستثمر عند نيته بيع العقار الذي يمتلكه، إلا أن حركة التأجير لا تتأثر كثيرا، بل تشهد نموا مطردا حتى تعود السوق إلى وضعها الطبيعي أو تنخفض إلى مستويات أقل مما هي عليه حاليا.

وزاد البواردي أن أكثر من استفاد من موجة تأجير الشقق هم الوسطاء العقاريون وأصحاب الشقق التي تم إنشاؤها من أجل الاستثمار فيها، الذين انتهجوا سياسة التحكم في السعر في ظل عدم وضوح صفة الجهات المحددة لأسعار الوحدات السكنية في السعودية، لافتا إلى أن هذا هو أول ارتفاع تسجله الأسواق السعودية منذ أشهر بالتزامن مع إقرار الحكومة رزمة من القرارات العقارية التصحيحية التي أوقفت السوق عن تصاعد الأسعار وأثارت ضجة كبيرة في انخفاض محتمل في الأسعار.

وتهدف وزارة الإسكان من خلال شبكة خدمات «الإيجار» إلى تكوين البيئة النظامية والتشغيلية اللازمة لعمل المنظومة بالتعاون مع شركائها من الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة، لتوفر للمواطنين حزمة من التسهيلات اختصرتها باسم «إيجار»، الذي يكفل للمواطنين البحث عن أفضل المساكن بأقل الأسعار الممكنة.

وحول النسبة المتوقعة في ارتفاع أسعار تأجير العقارات خصوصا الصغيرة، أوضح إبراهيم العبيد، الذي يمتلك شركة متخصصة بالإنشاءات، أن نسبة الارتفاع تختلف من منطقة إلى أخرى؛ فالشمال هو الوجهة المفضلة الأولى، يليه الشرق، ويحل بعدهما بالتساوي الجنوب والغرب، إلا أنه ومهما اختلفت المنطقة فإنها لا تتجاوز بأي حال من الأحوال نسبة الـ5 في المائة التي اعتبرها طبيعية نظرا للطلب الكبير، متهما المستهلكين بأنهم سبب الارتفاع؛ وذلك لأنهم يشعلون السوق بمزايدتهم في الأسعار إلى مستويات مطردة، ولا يترددون في دفع الزيادة التي يفرضها المؤجر دون وجه حق، مطالبا بإصدار قرار يمنع من تصاعد أسعار التأجير بناء على العقد الأخير الذي أبرمه المستأجر.

وأضاف: «الشقة الجديدة التي تقع في الدور الأرضي هي الأشد بحثا والأكثر سعرا إذا ما قورنت بمثيلاتها، وتقل نسبة الفائدة كلما ارتفعت الأدوار إلى الأعلى، كما أن المصعد الكهربائي يعد ميزة تحقق ربحا إضافيا وعملة جاذبة، كما أن الشقق متوسطة العمر تأتي في المرتبة الثانية من حيث زيادة الأسعار، تليها القديمة التي لا يحرص المستأجرون على اتخاذها عشا للزوجية وهم النسبة المؤثرة على هذا الإقبال الذي يشهده القطاع، إذا ما استثنينا من ذلك نسبة من ذوي الدخول المنخفضة».