إيجارات المنازل في السعودية تتصدر أعلى مصادر التضخم بـ73.5 في المائة خلال سبع سنوات

مختصون: سن قوانين صارمة وضخ وحدات سكنية.. أفضل الخيارات لكبح الأسعار

تنامي الطلب على الوحدات السكنية في ظل ضعف المعروض أسهم في الزيادة الكبيرة في أسعار الإيجارات («الشرق الأوسط»)
TT

أثارت النتائج التي أعلنتها مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات عن ارتفاع قيمة إيجارات المنازل في السعودية إلى 73.5 في المائة خلال السنوات السبع الماضية، موجة انتقادات من متخصصين ومواطنين، وخصوصا أن هذا الارتفاع شكل ضغطا كبير على ميزانية الأسر السعودية التي يسكن أكثر من ثلثيها في منازل مستأجرة، بحسب دراسة حكومية صدرت أخيرا. وتقبع مشكلة تملك المنازل على رأس المطالب التي يسعى المواطنون المحليون إلى حلها، وهذا ما تسعى إليه الحكومة جاهدة عبر وزارة الإسكان المنشأة حديثا، والتي تعد من أكثر الوزارات تحركا وإعلانا عن المشاريع.

ووفق التقارير الصادر عن مصلحة الإحصاءات العامة فقد سجلت تكاليف الإيجار أعلى معدلات التضخم بين أقسام الإنفاق الرئيسة خلال الفترة من 2007 إلى مارس (آذار) 2014 بنسبة بلغت 73.5 في المائة، ويشمل قسم إيجار السكن أربع وحدات سكنية من نوع بيت شعبي، وفيللا، ودور في فيللا، وشقة سكنية.

وتنوعت أسباب هذا الارتفاع الكبير الذي واجهه فرع التأجير العقاري، ما بين ارتفاع التكلفة العامة للبناء، وارتفاع أسعار الأراضي نتيجة شحها، وزيادة أسعار العقار بشكل عام، وقلة الأيدي العاملة الماهرة التي يصعب الحصول عليها، إلا أن بوصلة الاتهام تتجه إلى المستثمرين الذين اتجهوا إلى القطاع العقاري بعد النكسة الشهيرة لسوق الأسهم في محاولة لتعويض الخسارة التي تكبدوها من جراء سقوطها، وتسببوا في دفع الأسعار إلى مستويات كبرى من جنون الارتفاع.

وقال محمد البريك، مستثمر عقاري، إن ارتفاع إيجار المنازل أحد الارتفاعات التي غطت السوق العقاري بشكل عام، وهو ما يعكس الحالة العقارية في القطاع ككل، وأحد أهم أسباب التضخم وارتفاع المعيشة التي يعاصر تفاصيلها المواطنون، الذين يدفعون جزءا كبيرا من مرتباتهم الشهرية للقسط العقاري الذي يسكنون فيه، والذي للأسف بنظام التأجير وليس المنتهي بالتملك، الأمر الذي يوضح أن العقار من أهم السلع التي يجب السيطرة عليها من أجل إعادة الأمور إلى نصابها من جديد، لافتا إلى أن بقاء أسعار العقار منخفضة يضمن بقاء كثير من السلع على وضعها الطبيعي؛ لأن من يقود الارتفاع الحالي في المعيشة هو العقار الذي يترأس الكثير من القطاعات الاقتصادية المهمة، ويستولي على الجزء الأكبر من ميزانية الفرد السعودي.

وحول أسباب ارتفاع أسعار الإيجار بهذه النسبة العالية، أكد البريك أن توجيه التجار والمستثمرين بوصلتهم التجارية من سوق الأسهم إلى سوق العقار أحد أهم أسباب الارتفاع الحاصل في السوق، نتيجة المضاربات الحاصلة والمزايدات التي وصلت إلى مستويات كبيرة لا يستطيع أحد مجاراتها، مضيفا: «الدليل على ذلك يتضح جليا أن الارتفاع بدأ منذ عام 2007، وهي السنة التي تلت الانتكاسة الشهيرة لسوق الأسهم التي أخرجت معظم المستثمرين بأكبر الخسائر وتوجهوا بما تبقى من أموال إلى القطاع العقاري في محاولة لتعويض ما جرى فقدانه في سوق الأسهم، لذلك نرى العقار يحلق بشكل كبير فوق طاقته وقيمته».

وكانت الأسهم السعودية عاشت نكسة تاريخية في 26 فبراير (شباط) من عام 2006، وأجبرت معظم المتداولين على الخروج من سوق الأسهم والتوجه إلى القطاع العقاري باعتباره أكثر القطاعات تماسكا وتحقيقا للأرباح آنذاك، إضافة إلى سجله النظيف الخالي من أي انخفاضات أو انتكاسات تذكر، الأمر الذي دفع بأسعار العقار إلى الزيادة منذ مطلع عام 2007 حتى الوقت الحالي.

وفي صلب الموضوع أشار إبراهيم العبيد، الذي يمتلك مكتبا للاستشارات العقارية، إلى أن ارتفاع أسعار العقار والتأجير بشكل عام يثير التساؤلات والسخط بين المستأجرين المواطنين أو المقيمين على حد سواء، وخصوصا أن بعض العقارات تزيد أسعارها بشكل سنوي دون أدنى مبرر سوى عذر ارتفاع أسعار العقار، لافتا إلى أن من الواجب إنشاء جهة حكومية مهمتها مراقبة أسعار العقار وفرض غرامات على المخالفين؛ لأن السوق تجاوزت مرحلة العرض والطلب إلى الارتفاع المبالغ فيه نتيجة المضاربات الحاصلة في القطاع التي أضرت به كثيرا، وخصوصا أن الحركة العامة شبه متوقفة، وأن اعتمادها الحالي على عمليات التأجير التي تتسيد الأفرع العقارية المختلفة، ما دفع بالأسعار إلى الارتفاع.

وزاد: «لا يخفى على الجميع أزمة نقص الأراضي التي ألقت بظلالها على ارتفاع أسعار العقار بشكل عام، ومن ضمنها التأجير، إلا أن ذلك لا يعد عذرا لرفع الأسعار لتوصلها إلى ما هي عليه، وخصوصا أن نسبة كبيرة من المباني شيدت قبل أكثر من عقد، أي قبل ارتفاع العقار بفترة طويلة، إلا أن الغريب أن البعض منهم لا يزال يزايد في الإيجار ويساوم فيه، مما يعني أن قطاع التأجير يحتاج فعلا إلى حزمة من القرارات الصارمة التي توقف الارتفاع عند حده، وتسيطر على ما تبقى من القطاع الذي يحقق أسعارا ملتهبة لا تخفى على الجميع»، مبينا أن وزارة الإسكان يجب أن تتعامل مع موضوع تضخم قيمة العقار بشكل أكثر جدية عبر قوانين صارمة ترفض المزايدة في عقود الإيجار، خصوصا في المدن الكبرى التي تشهد قفزات كبيرة في أسعار الإيجار التي وصلت إلى أرقام غير مبررة.

وكانت وزارة الإسكان أطلقت مطلع العام الحالي مشروع «إيجار» الذي ينظم سوق الإيجارات والمكاتب العقارية في السعودية، من خلال إنشاء شبكة إلكترونية كبيرة ترتبط بها جميع المكاتب، مما سيؤدي بحسب نظرتها إلى تخفيض أسعار الإيجارات في السعودية، وذلك إلى أنه سيؤدي إلى زيادة الاستثمارات في مجال الوحدات السكنية، وبالتالي ارتفاع العرض مقابل الطلب، وهو الشيء الذي لم يحدث على أمر الواقع حتى هذه اللحظة.

وفي الاتجاه ذاته، أشار عبد الله العليان، مستشار عقاري، إلى أن النسبة التي أعلنتها مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات صحيحة إلى حد كبير، وأن التضخم الحاصل في جميع الأذرع الاقتصادية في السعودية من ارتفاع قيمة الأراضي، مرورا بمواد البناء، وأهمها ارتفاع تكاليف العمالة؛ جميعها أمور اتحدت وشكلت الوجه الجديد للقطاع العقاري السعودي، خصوصا في ظل ارتفاع الطلب على الوحدات السكنية بشكل مطرد نتيجة ارتفاع أعداد السكان بشكل ملحوظ، وهي جميعا تصب في مصلحة ارتفاع الأسعار، نظرا لاجتماع كثير من العوامل التي دفعت بالأسعار إلى الزيادة لنسب مرتفعة.

وحول الحلول المقترحة لإعادة السيطرة على الأسعار، أكد العليان أن ضخ وحدات سكنية بأعداد هائلة أمر من شأنه أن يخفض الأسعار إلى مستويات ملحوظة؛ لأن السوق بحاجة ماسة إلى مزيد من الوحدات التي ستدفعها إلى فك العوز والحاجة إلى العروض القديمة التي لم تتحرك منذ عقود إلا بأعداد بسيطة لا توازي الكم الهائل من الإقبال الذي تشهده السوق العقارية بشكل عام، منوها بضرورة مراقبة الأسعار وسن القوانين التي تمنع ارتفاع الأسعار، أو على الأقل السماح بتوقيع عقود التأجير ذات السنوات الطويلة وبقيمة ثابتة لتفادي ارتفاعات مستقبلية قد تطرأ على القطاع، لافتا إلى أن الحكومة إذا أرادت القضاء على التضخم عليها أن تبدأ أولا بالعقار، نظرا لثقله الأكبر على كاهل الأسر السعودية.