انخفاض حاد في إطلاق المشاريع الإسكانية التجارية بالسعودية

بسبب ارتفاع الأسعار وانتظار ما تفضي إليه «الحكومية»

الكثير من شركات التطوير العقاري توقفت بشكل ملحوظ عن إنشاء المجمعات السكنية التجارية («الشرق الأوسط»)
TT

«لا شيء جديد، السوق تعيش حالة من التخبط.. وتوقف المشروعات أو انخفاضها أكبر دليل على ذلك»، بهذه الكلمات تحدث أحد المستثمرين العقاريين يشكو حال السوق في السنوات الثلاث الأخيرة.

وأكد تركي الدباس، الذي يمتلك شركة للتطوير العقاري، أن القطاع يعيش أداء منخفضا ونشاطا متعثرا في فروعه وأذرعته التجارية كافة، التي تأثرت بشكل سلبي من ارتفاع الأسعار وانتظار ما ستفضي إليه المشروعات الحكومية، التي أصبحت الأمل الوحيد للسوق التي لم تستطع أن تخرج من أدائه المتواضع واستمر أكثر من ثلاث سنوات، إلا أن أهم ما يميز السنة الأخيرة هو العزوف الكبير في المبيعات، الذي شهد أقل مستوى له في عمليات البيع، نظرا لاستمرار ارتفاع الأسعار فوق المنطقي، الأمر الذي انعكس على تقلص المشروعات التجارية.

ورغم توسع الحكومة المحلية في التصريح لطرح الكثير من المخططات الجديدة لتحريك عمليات التملك، فإن الحالة العامة للسوق شهدت تباطؤا، إن لم يكن توقفا في تحقيق المزيد من النمو، في دولة تحتاج إلى خطوات كبيرة ومتسارعة، لسد عجز الإسكان الذي يشكل مشكلة رئيسة، بانتظار انخفاض الأسعار، أثرت بذلك على العزوف الملحوظ على الشراء، ولجوء شركات التطوير إلى إقامة العروض والتخفيضات البسيطة والوهمية التي لم تحرك ساكنا، ولم تقضِ على المشكلة الحقيقية للعزوف.

وقال تركي الدباس: «إن حالة السوق خلال الفترة الأخيرة، لا تسير بالشكل المطلوب بل عكس معطيات الحالة الاقتصادية، إذ إنه في الوقت الذي يسجل فيه الاقتصاد المحلي فائضا في موازنته وارتفاعا في العرض، فإن الطلب ما زال منخفضا منذ ثلاث سنوات بالتحديد، ولكن السنة الماضية كانت الأشد توقفا عن الطلبات، نتيجة تحليق الأسعار خارج السرب، مما يثير حالة من التساؤلات عن أسباب التوقف في حركته، رغم حاجة السعودية إلى مئات الآلاف من الوحدات السكنية، لسد العجز الحاصل في الإسكان».

واستطرد قائلا: «إن الكثير من شركات التطوير العقاري توقفت بشكل ملحوظ عن إنشاء المجمعات السكنية التجارية، نتيجة تخبط حالة السوق وضبابية الرؤية المستقبلية لها، بل إن بعض العقاريين تورطوا في إقامة مشروعات كانت تحت الإنشاء في بداية الأزمة في السنوات الخمس الأخيرة، وكان لزاما عليهم أن يجدوا حلا لذلك، عبر ترويج بضائعهم بأسعار يوهمون بأنهم خفضوا فيها ليخدعوا المشترين، أو عبر عروض شراء المنزل مقابل إعطاء بعض الهدايا مثل السيارات أو بعض قطع الأثاث، وهو الأمر الذي يعكس مدى تورطهم بهذه المشروعات، لافتا إلى أن هناك فيللا بأعداد كبيرة تجاوز عمرها الخمس سنوات وهي خاوية على عروشها لم يسكنها أحد.

وكانت الحكومة السعودية قد تحدثت عن ضخ مئات الآلاف من الوحدات السكنية خلال الأعوام المقبلة عبر وزارة الإسكان، إلا أن السوق حتى الآن تشهد انخفاضا في المبيعات وضمورا يلف القطاعات العقارية بأكملها.

من جهته، أشار ناصر التويم الذي يمتلك مؤسسة عقارية متخصصة، إلى أن مؤشرات السوق العقارية، تشهد توقفا يلف قطاعاتها بشكل عام، بغض النظر عن بعض التحركات الفردية، أو الصفقات الصغيرة التي تجري من فترة لأخرى، وتعد محركا بسيطا في قطاع كبير يعمل بمليارات الريالات، ومن المفترض أن يكون أداؤه أضعاف حركته الحالية.

ولفت إلى أن الحال لا يمكن أن تستمر على ما هي عليه، إذا أخذ بالحسبان أن العقارات تشيخ مع الزمن، وتنقص معها قيمتها، خصوصا أن بعضا منها تبلغ قيمته ملايين الريالات، مما يجعل الاستثمار غير مرغوب فيه مثل الفترات السابقة، وزاد أن القطاع العقاري لم يعد جاذبا للاستثمار رغم تزعمه شتى القطاعات الاقتصادية الأخرى في فترات ماضية.

وعن تأثير هذا الركود على الأداء العام للسوق، أوضح أن عمليات البناء شبه متوقفة في ظل ارتفاع أسعار الأراضي وأسعار المقاولين، إضافة إلى ارتفاع تكاليف مواد البناء، التي أصبحت تشكل ضغطا إضافيا على أداء القطاع الذي لم يعد يحتمل مزيدا من الضغوطات، خصوصا أن السوق تترنح بشكل يعجز عن تفسير ما يحدث فيها، موضحا أن التجار يتوجسون خيفة من حال السوق في الأعوام المقبلة، خصوصا إذا تمت مشروعات وزارة الإسكان التي وعدت بها، وهو ما يعتبرونه المسمار الأخير في نعشهم.

تجدر الإشارة إلى أن الحكومة السعودية أقرت الكثير من الخطوات العاجلة لاحتواء ارتفاع أسعار العقار محليا، عبر فتح قنوات التمويل مع البنوك والمؤسسات المالية، إضافة إلى تنظيم قطاع التأجير وتهذيبه من جديد، وقربها من تطبيق قرار زكاة العقار الذي سيدفع بالأسعار إلى الهبوط، عبر ضخ المزيد من الوحدات السكنية في السوق.

وفي ذات الموضوع، استغرب ربيع الدوسري الخبير العقاري من حال السوق، إذ إنه من المعروف أن السعودية من أكثر الدول المحتاجة إلى المزيد من الإنشاءات العقارية، ولكن التوقف عن المبيعات جعل الشركات الإنشائية الكبرى تؤجل مشروعاتها أو تنهيها في ظل هذه الحالة المتردية، لافتا إلى أن مشروعات كبرى كانت قد توقفت أو ألغيت بسبب نقص سيولة المواطنين، الذين أصبحوا يتفرجون على المباني دون أن تكون لهم القدرة المادية على امتلاكها، رغم تنافس البنوك على تمويلهم لتملك العقارات، لكنها لم تكن بنفس الشكل الذي كان يطمح إليه المستهلك البسيط.

وأضاف: «يجب إعادة النظر في الأسعار الحالية للعقارات، لأنه مهما زادت العروض والمغريات فإن المواطن البسيط لا يستطيع امتلاك العقار، إذا أخذ في الاعتبار تمثيلهم شريحة كبيرة من السكان المحليين، وستستمر السوق في أدائها المنخفض، إن لم تعد الأسعار إلى طبيعتها»، مبينا أن تملك الإسكان على رأس أولويات المواطنين، الذين تلاشى لديهم هذا الحلم بسبب ارتفاع الأسعار، وأن تمويل البنوك للمشروعات العقارية ليس مغريا بالشكل الذي تتخيله مؤسسات الدولة، حيث إن الفائدة كبيرة وتصل إلى نصف قيمة المبنى.