تجاذبات فرض الضريبة تجمد حركة بيع الأراضي في السعودية

بعد أن أحالت هيئة كبار العلماء المشروع للمجلس الاقتصادي الأعلى

جانب من العاصمة السعودية الرياض التي تستحوذ على أكبر نسبة من الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني («الشرق الأوسط»)
TT

صدمت هيئة كبار العلماء السعودية، القطاع العقاري السعودي، بتحويل مسألة فرض الزكاة على الأراضي البيضاء إلى المجلس الاقتصادي الأعلى، حيث حققت مبيعات الأراضي أدنى مستوى لها منذ سنوات طويلة بانتظار إغلاق هذا الملف الذي طال التعاطي معه دون أي نتيجة، حيث أكد عدد من المتعاملين العقاريين أن تمديد دراسة القرار مضرة أكثر من قرار العزوف أو الإقرار، لأن القطاع متوقف إلى حد كبير بانتظار البت الأخير في القرار الذي ينتظر أن يغلق.

وتوقفت الحركة العقارية بشكل عام، إلا أن قطاع بيع الأراضي يتربع على جميع الأفرع المنخفضة التي تعيش وضعا سيئا من الانخفاض، في ظل التجاذب، وتردد المشترين، ونقص السيولة، وارتفاع أسعار الأراضي إلى مستويات كبيرة من التضخم لم يسبق لها مثيل على الإطلاق، وجميعها أمور أرضخت المؤشر العقاري للتوقف أو التحرك بمحدودية كبيرة.

ويعتقد طارق آل قبلان، الخبير العقاري، أن هذه الأيام هي أسوأ أيام تجار العقار على الإطلاق، حيث إن التوقف الحاصل في القطاع هو بسبب تأخر نتيجة البت في قرار زكاة الأراضي من عدمه.

ولفت إلى أن اختيار فرض الرسوم من عدمه أهون بكثير من الانتظار الذي يقتل الحركة العقارية محليا، ويدفع بها إلى تحقيق مستويات جديدة من الانخفاض هي في غنى عنها أساسا، وأن القطاع العقاري يعيش حالة فريدة من نوعها، حيث إن الأسعار مرتفعة لدرجة عالية، والإقبال شبه متوقف إلا من حالات فردية لا تُذكر، في الوقت الذي تحتاج فيه السوق إلى ضخ مزيد من الوحدات، وهو ما يُفسر بوجود تلاعب كبير في القطاع العقاري يجب التصدي له وفتح قنوات لخفض القيمة.

وأضاف: «نعيش حالة نادرة عالميا، فحركة السوق منخفضة تماما، إلا أن الأسعار تزداد ارتفاعا، مما يستوجب فرض الزكاة في أسرع وقت، فملاك المخططات الكبرى والمساحات الشاسعة يغلقون على ممتلكاتهم ويزايدون في الأسعار، لعلمهم بأن العاقبة ستكون إليهم في ظل استمرار فترة غلاء الأسعار منذ سنوات طويلة، تربعت على رأس مصادر التضخم، ودفعت بمؤشر التضخم إلى أعلى مستوياته، وسيضطر المواطنون المقتدرون، وهم شريحة بسيطة للشراء وعدم انتظار الانخفاض، في ظل الالتفاف الحكومي في تطبيق القرار».

وكان الشيخ عبد العزيز آل الشيخ المفتي العام للبلاد ورئيس هيئة كبار العلماء، قد استمع أخيرا لشرح مفصل من وزير الإسكان ومرافقيه، ووجه هو وأعضاء الهيئة أكثر من 30 سؤالا لوزير الإسكان، تتعلق بنواحٍ متعددة عن الموضوع، حيث كان همّ الهيئة منصبّا على تقرير الرأي الشرعي في الموضوع من جهة، وألا يصيب المواطن ضرر من جهة أخرى، إلا أن هيئة كبار العلماء رأت استطلاع الخبرة الفنية لدى المجلس الاقتصادي الأعلى، بحكم الاختصاص، لدراسة أبعاده وتأثيراته في المستقبل، ومن ثم معاودة الرأي فيه من قبل الهيئة، وهو القرار الذي لم يعجب الكثيرين.

وفي السياق ذاته، أكد إبراهيم العبيد الذي يمتلك مؤسسة استشارات عقارية، أن السعودية تتربع عالميا على نسبة ارتفاع سعر الأرض بالنسبة إلى التكلفة العامة للبناء، الأمر الذي يستوجب الدفع وبسرعة في تطبيق قرار الزكاة ليتخلص ملاك العقار مما يمتلكون، وهو ما سيدفع بضخ ملايين الأمتار من الأراضي الخام إلى العرض، مما سينعكس على الأسعار وفق نظرية العرض والطلب، إلا أن ما يحدث الآن هو اتفاق مسبق بين التجار الكبار على عدم النزول بالأسعار للتحكم العام بالسوق، والحفاظ على نسبة معينة من الأرباح.

وأوضح أن حرب الأسعار ليست واردة بتاتا بين تجار العقار، بل إن التفاهم والتناغم أهم سماتهم ليتمكنوا من فرض السيطرة على أوسع نطاق، وهو ما يدفع باستمرار ارتفاع الأسعار.

وحول الحديث عن تحمل المشترين هذه الضريبة بطريقة أو بأخرى، أسوة بالرسوم التي فرضتها وزارة العمل على إقامة العمالة، أكد العبيد أن الموضوع هنا مختلف تماما، خصوصا أن من يتحكم بالسوق هم أشخاص محددون يمتلكون ملايين الأمتار، بمعنى أن فرض الضريبة عليهم سيكون بمبالغ خيالية ستجبرهم على فتح المخططات والأراضي للبيع والشراء بأسعار أقل، للإفلات من دفع الرسوم، التي لو تحملوها سنة أو أكثر، فإنهم لن يتحملوها لسنوات طويلة، نظرا لأن أسعار الأراضي سترتفع إلى مستويات مضاعفة، وستكون تكلفتها على التجار كبيرة.

وأضاف: «التجار يعلمون تماما أن المواطن لا يستطيع الشراء بالسعر الحالي، فكيف بالسعر الأعلى الذي سيوقف السوق تماما عن الحركة، لذا فهم يروجون إلى أن الضريبة سيتحملها المشتري، وهم يعلمون بشكل قاطع أنهم أول من سيتضرر»، لافتا إلى أن التجار لن يتضرروا لأن معظمهم اشتروا هذه الأراضي، أو حصلوا عليها بأسعار رخيصة جدا قبل سنوات طويلة.

يُذكر أن موضوع فرض رسوم على الأراضي البيضاء، قضية تُناقش وتُدرس من حين لآخر، إلا أنها عادت بقوة مع وصول أسعار العقار إلى مستويات قياسية لم يسبق لها مثيل، في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى ضخ مئات الآلاف من الوحدات السكنية المخفضة لسد العجز الحاصل، نتيجة ارتفاع أسعار قطاع العقارات الاستثمارية التي تقود التضخم في المملكة، مما يعكس مشكلة حقيقية تعيشها السوق، وهي شح الأراضي بسبب تعنت بعض التجار الذين يوقفون مخططات كاملة وبمساحات خيالية من أجل الحفاظ على ندرة الأراضي، مما يضمن بقاء الأسعار مرتفعة، ويسعى قانون فرض الضريبة إلى تحطيم هذه السياسة.

وفي الاتجاه الآخر، قال فهد الجريبة الذي يدير شركة تطوير عقاري: «إن الحديث عن فرض رسوم على الأراضي ليس في صالح الجميع، لأنها في نهاية المطاف أموال إضافية ستدفع إلى الجهات الحكومية، ولن يستفيد منها المواطن ولا المستثمر، إذ إن المستثمر الذي دخل إلى السوق لكي يتربح لن يتحمل هذه الضريبة التي فرضت عليه، مما يعكس فجوة أخرى في الشراء نتيجة حتمية ارتفاع الأسعار بسبب تحمل هذه الضريبة التي لن يمر فرضها مرور الكرام».

وأوضح أن تكاليف البناء العامة مرتفعة إلى مستويات كبيرة، وأنه لا يُفهم التركيز على الأراضي، خصوصا أن هناك حركة بيع وشراء تحدث، وهناك مؤشر عقاري يصدر من وزارة العدل، ويعكس مدى تحرك السوق رغم هدوئه إلى حد كبير، لكن دخول الضريبة من شأنه أن ينهي هذه الحركة الهادئة ويشل السوق تماما، وأن التجار لن يرضوا بدفع هذه الضريبة إلا بعد استخراجها من المشتري الذي سيجد نفسه في نهاية المطاف يدفع قيمة الزيادة والرسوم، بطريقة أو بأخرى.

يُشار إلى أن القطاع العقاري السعودي يعيش أياما عصيبة من الركود وارتفاع الأسعار وتوالي القرارات والدراسات ذات الشأن المتصل، إلا أنها لم تحرك ساكنا بالنسبة إلى نزول قيمة العقار الذي يعيش انحدارا ملحوظا في الإقبال، صاحبه بقاء الأسعار على ارتفاعها، مما يجعل خيار فرض رسوم على الأراضي هو القرار الأفضل لتحريك السوق وضخ أعداد كبيرة من الأراضي، وذلك للهروب من دفع هذه الرسوم، الأمر الذي سيجعل المنافسة حتمية وستنعكس على نزول الأسعار، وهو السيناريو الأقرب للحقيقة الذي يحاول تجار العقار تشويهه والتخويف منه.