أين يشتري العرب عقاراتهم في لندن عام 2015؟

الجيل الجديد يعزف عن نايتسبريدج ويتوجه إلى جنوب التيمس

جانب من عقارات ضواحي لندن... ووسطها
TT

هناك تحولات جذرية في توجهات شراء العقار في لندن من المستثمرين العرب، يرصدها خبراء شركات العقار في لندن مع ظهور جيل جديد من المستثمرين العرب الذين يتوجهون إلى مواقع استثمار جديدة مغايرة لتلك التي كان يستثمر فيها جيل الآباء. وفي الوقت الذي تتكفل فيه العقوبات الروسية بمنع كبار المستثمرين الروس من دخول سوق العقارات اللندنية، فإن توجهات الاستثمار العربي الجديدة من شأنها أن تقلب المعادلة السعرية بحيث تستقر أسعار المناطق التقليدية وسط العاصمة، بينما ترتفع أسعار المناطق الجديدة.

ويقول مارتن بخيت، المدير التنفيذي لشركة «كاي آند كو» العقارية، لـ«الشرق الأوسط»، إنه على الرغم من بقاء مناطق تقليدية مثل مايفير ونايتسبردج وهايد بارك وبعض أرجاء مارليبون مفضلة لدى كبار المستثمرين من الشرق الأوسط، إلا أن الجيل الجديد يبدي اهتماما بالمناطق الناشئة. ويضيف «على سبيل المثال قمنا مؤخرا ببيع مجموعة شقق في مشروع (ذا هيرون) في شرق لندن ومشروع (ريفر ووك) الذي يطل على النهر إلى مستثمرين صغار السن من الشرق الأوسط». وهم يبحثون عن مواقع جديدة بعيدة عن تلك التقليدية من أجل تحقيق عوائد أعلى على المدى الطويل. وهناك بعض الوحدات القليلة الباقية في هذه المشاريع.

كما يقول مارتن إنه تلقى طلبا من مستثمر في الشرق الأوسط يبحث عن الشراء في منطقة «انجل» في شرق لندن، وهو توجه يثبت أن الجيل الجديد من المستثمرين لا يتقيد بقواعد الشراء التقليدية في وسط لندن.

ويوافق أليكس نيوال، مدير شركة «هانوفر برايفت أوفيس»، على رأي مارتن بخيت، ويضيف أن الجيل الجديد قد يكون قريبا في التوجهات من الجيل القديم من مستثمري العقار من الشرق الأوسط، إلا أنهم يفضلون الاستقلالية في اتخاذ قرارات الاستثمار. وهو يشير إلى أن شركته ما زالت ترى مستثمرين من المنطقة يشترون عقارات متلاصقة في منطقة نايتسبردج ليكونوا بالقرب من العائلة والأصدقاء. لكن التوجه العام هو الانتشار بمحاذاة نهر التيمس، لأن العرب يفضلون الوحدات العقارية الجديدة، كما أنه من الصعب العثور على المساحات الأفقية العريضة بالنوعية نفسها في مناطق وسط لندن. وهو يقول إن سوق لندن تحاول أن تنافس دبي التي تتفوق في تقديم مثل هذه العقارات التي يفضلها العرب.

ويؤكد نيوال، لـ«الشرق الأوسط»، أن المستثمرين العرب ما زالوا يهتمون بعقارات فريدة بمساحات لا تقل عن 20 ألف قدم مربع في مواقع جيدة في مايفير ونايتسبردج وبلغرافيا، لكن صغار السن يبحثون عن شقق أصغر حجما في مناطق مغايرة تشمل كنسينغتون وتشيلسي ومارليبون وأيضا بمحاذاة نهر التيمس. وبعضهم اشتروا في مشروع هيرون في شرق لندن أيضا.

من المناطق الساخنة الجديدة في لندن تلك التي تمتد ما بين جسر تاور بريدج في شرق لندن إلى منطقة باترسي التي تضم مشاريع عملاقة مثل تطوير محطة الكهرباء القديمة ومشروع مبنى السفارة الأميركية الجديدة في لندن. وتستفيد هذه المنطقة بالدرجة الأولى من تحول الاستثمار العربي والأجنبي إليها خصوصا في القطاع الفاخر الذي يمثل نسبة 10 مائة من قمة السوق.

الانعكاس الملحوظ في المنطقة هو ارتفاع أسعار العقارات بنسب أعلى في باترسي من مناطق غيرها، حيث ارتفع سعر القدم المربع من 500 جنيه إسترليني قبل 5 سنوات إلى 1300 إسترليني اليوم. وترتفع الأسعار أكثر في المنطقة القريبة من وسط العاصمة بين لندن بريدج ووترلو بريدج إلى 1800 إسترليني للقدم المربع الواحد في المشاريع الجديدة.

وأكد أكثر من خبير عقاري هذا التحول بالقول إن خروج مستثمري الشرق الأوسط من المناطق التقليدية إلى المناطق الجديدة كان شبه مستحيل منذ عشر سنوات، لكن الوضع تغير الآن مع ظهور جيل جديد من المستثمرين يقيس الأمور بمعايير جديدة تتعلق بجودة الاتصالات والقرب من وسط المدينة والسكن بين مجتمع الشباب البريطاني الذي يتوجه إلى المناطق الجديدة، بالإضافة إلى توقعات ارتفاع الثمن بنسب أعلى في المناطق الجديدة عنها في القديمة.

ويعني هذا بمنظور آخر أن النقاط العقارية الساخنة في لندن بدأت تتغير إلى خارج نطاقها التقليدي. ويقود التغيير جيل جديد جيد التعليم والخبرة والسفر الدولي يفضل السكن في شقق صغيرة مرتفعة الموقع تطل على مشاهد خلابة في العاصمة، مقارنة بالسكن في شقق أو بيوت تقليدية قديمة في وسط لندن. ولا يفضل هذا الجيل الجديد، الذي من الأرجح أن يكون قد تلقى تعليمه في الخارج، البقاء في العقارات التقليدية التي يملكها جيل الآباء.

وربما كانت بداية التحول في منطقة جنوب نهر التيمس بناء ناطحة السحاب «شارد» التي تعد أعلى مبنى في أوروبا. فقد وضعت الناطحة منطقة جنوب النهر على الخارطة العقارية الدولية خصوصا أنها تحتوي على شقق سوبر فاخرة بالإضافة إلى فندق خمس نجوم هو «شنغاري لا». وتدخل العديد من الشركات العقارية العربية في توفير الوحدات العقارية الفاخرة للمستثمرين الجدد، منها بنك «جدوى» الاستثماري السعودي الذي شارك في شراء مبنى «كنغز ريتش» في عام 2010. والمبنى مكون من 30 طابقا وكان المقر الرئيسي لشركة النشر «إيه بي سي» التي واجهت صعوبات مالية. وبيع المبنى لبنك «جدوى» ومجموعة من المستثمرين الآخرين بمبلغ 60 مليون إسترليني.

ويعمل بنك «جدوى» الآن على تحويل المبنى المكون من 30 طابقا إلى مبنى أعلى من 41 طابقا يحتوي على مجموعات من الشقق الفاخرة، بالإضافة إلى وحدات تجارية متنوعة أخرى. وكانت دوافع هذا الاستثمار وجود الطلب المتزايد من الجيل الجديد على الاستثمار في هذه المنطقة مع انخفاض سعر الإسترليني مقابل الدولار. وتم تغيير اسم المجمع السكني الجديد إلى «ساوث بنك تاور»، وهو يقع بالقرب من النهر ويوفر من طوابقه العليا مشاهد خلابة لمدينة لندن.

وحصل المشروع مؤخرا على ترخيص إضافة 11 طابقا أخرى، وباعت الشركة بالفعل العديد من الوحدات السكنية في المشروع منها 50 وحدة على الأقل لمستثمرين من الشرق الأوسط. وتتراوح أسعار الوحدات ما بين 6 ملايين و16 مليون إسترليني.

وهناك العشرات من المشاريع المماثلة بطول الشاطئ الجنوبي للنهر، منها مركز «شل» الذي تحول إلى وحدات سكنية ويخضع الآن إلى عملية تطوير من مجموعة «كناري وارف» الاستثمارية. ويتكلف مشروع التطوير 1.2 مليار إسترليني ليتحول معه مركز «شل» والمنطقة المحيطة إلى واحة استثمار عقاري فاخر مساحتها 800 ألف قدم مربع توفر 877 شقة جديدة، منها نسبة كبيرة تباع إلى مستثمرين من الشرق الأوسط.

وتدخل في استثمار العقار في مناطق لندن الجديدة الصناديق السيادية الخليجية التي تجد في العاصمة البريطانية ملاذا آمنا من ناحية وعوائد أعلى من ناحية أخرى. ولا يقتصر الاستثمار على الكبار فقط، فقد لاحظت شركات العقار اللندنية دخول استثمارات بحجم متوسط من المنطقة منها صناديق عائلية أو استثمارات شخصية بأحجام تتراوح بين 10 و30 مليون إسترليني.

ونظرا لتدفق الاستثمار على منطقة جنوب النهر في لندن، يتوقع خبراء العقار صعود السعر قريبا إلى نحو ألفي إسترليني للقدم المربع الواحد. ويجري العمل حاليا على نحو 27 مشروعا جديدا توفر أكثر من 16 ألف مسكن جديد في المنطقة خلال السنوات العشر المقبلة.

وتكتسب هذه التحولات زخما إضافيا مع شكوك في أن سوق وسط لندن أخذ في الهبوط التدريجي بداية من شهر أغسطس (آب) الماضي، حيث اضطر البائعون مع تراجع الطلب إلى خفض الأسعار بأكبر نسبة منذ نهاية عام 2007، وذلك في المناطق الساخنة التقليدية.

وبعد فترة نمو قوي بلغت في 12 شهرا من منتصف عام 2013 إلى منتصف عام 2104 نحو 25.8 في المائة ارتفاعا في أسعار عقارات لندن، تبدو الفترة المقبلة ملبدة بالشكوك حول تطور الأسعار. وأكدت شركة «رايت موف» العقارية تراجع الأسعار في الصيف الماضي، وقالت إنه أكبر من التراجع الموسمي خلال فصل الصيف. وعللت التراجع بتشديد شروط منح القروض العقارية وتوقعات ارتفاع أسعار الفائدة عن معدلاتها المتدنية تاريخيا حاليا.

وكانت أكبر نسب التراجع في أحياء تشيلسي وكنسيغنتون بنحو سبعة في المائة من الأسعار إلى متوسط أسعار يبلغ 2.2 مليون إسترليني للعقار. وتتوقع شركة «سافيلز» العقارية تراجع أسعار العقار الفاخر في لندن خلال عام 2015 بنحو واحد في المائة، وهو أول تراجع في السوق منذ شهر مارس (آذار) عام 2008.

ويواجه القطاع العقاري الفاخر في لندن بعض التحديات مثل الوعود الانتخابية من حزب العمال المعارض بفرض ضرائب على العقار الفاخر، كما أن مشاريع العقار الفاخر في لندن تبدو متوافرة بنسب أعلى من الطلب المتوقع من المستثمرين الجدد. لكن العاملين في قطاعات بيع عقارات لندن يأملون أن تجذب المدينة المزيد من الاستثمارات الأجنبية في المستقبل القريب، نظرا للأمان الاستثماري السياسي والقانوني الذي توفره لندن مع ارتفاع التوتر السياسي في شرق أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط. وتتميز لندن أيضا بأنها مركز مالي عالمي ومركز تعليم من الطراز الأول يجذب عائلات المستثمرين للمعيشة فيها. ولكن تبقى المخاطر السياسية قائمة خصوصا في ما يتعلق بضرائب العقارات الفاخرة. وهي ضرائب قد يطبقها حزب العمال المعارض لو نجح انتخابيا. وتقبل بريطانيا على انتخابات عامة في عام 2015.