القطاع العقاري السعودي يودع 2014 بتراجع في الأداء وتباين في الأسعار

«ساما» كانت المحرك الأساسي لحركة السوق.. والتخبطات أخرجت بعض المستثمرين

جانب من العاصمة السعودية الرياض («الشرق الأوسط»)
TT

لم يتغير القطاع العقاري السعودي كثيرا هذا العام، حيث الأداء المنخفض والنشاط المتعثر قصة عاشت تفاصيلها السوق العقارية السعودية، مع نهاية عام 2014 في كل فروعها وأذرعها التجارية التي تأثرت بشكل سلبي خلال العام الموشك على الانتهاء، وبذلك لم يستطع القطاع العقاري أن يخرج من أدائه المتواضع الذي استمر أكثر من 5 سنوات، إلا أن أهم ما يميز السنة الأخيرة هو العزوف الكبير عن المبيعات، حيث شهدت أقل مستوى في عمليات البيع، نظرا لاستمرار ارتفاع الأسعار، والتشدد في عمليات منح التمويلات العقارية.

وبحسب مهتمين، فإن السوق السعودية دخلت منحنيات مختلفة خلال العام الموشك على الانتهاء، ما بين عزوف عن عمليات البيع والشراء، ومن ثم السماح بالتمويل العقاري بالشكل الجديد الذي أنعش السوق إلى حد كبير، إلا أنه لم يستمر طويلا بعد عودة مؤسسة النقد العربي السعودي، وهي الذراع المالية الحكومية الأقوى في البلاد، في قرارها وفرض شروط قاسية لعمليات التمويل، الأمر الذي أعاد الأمور إلى سابق عهدها، وحُرمت أعداد كبيرة من المستفيدين من إمكانية الحصول على تمويل بكامل المبلغ، وهو الأمر المنتشر بشكل كبير عند عمليات الشراء، إلا أنه وبشكل عام كان عاما قاسيا يأتي امتدادا للأعوام التي سبقته.

وشخّص عبد اللطيف العبد اللطيف، الذي يمتلك شركة عقارية، حالة السوق خلال العام الموشك على الانتهاء، بأنها لا تسير بالشكل المطلوب، بل عكس معطيات الحالة الاقتصادية، إذ إنه في الوقت الذي يسجل فيه الاقتصاد المحلي فائضا في موازنته وارتفاعا في العرض، فإن الطلب ما زال منخفضا منذ 5 سنوات لكن السنة الماضية كانت الأشد توقفا عن الطلبات، نتيجة تحليق الأسعار خارج السرب، مما يثير حالة من التساؤلات عن أسباب توقف الحركة، رغم حاجة السعودية إلى مئات الآلاف من الوحدات السكنية، لسد العجز الحاصل في الإسكان، ناهيك عن تشدد «ساما» في منح القروض، وهو الأمر الذي قلل مستويات الطلب.

وكانت مؤسسة النقد العربي السعودي قد أصدرت، في وقت سابق، اللائحة الجديدة للتمويل العقاري، التي تنص على وجوب توفير 30 في المائة من قيمة العقار، عند الرغبة في الشراء من جهات التمويل، واستكمال الـ70 في المائة المتبقية عن طريق شركات وبنوك التمويل.

ورغم الجدل الكبير الذي حدث حول جدوى القرار، فإن الأيام المقبلة كفيلة بأن توضح مدى جدوى تطبيقه من عدمها، وهو ما تراهن عليه «ساما» بأنه سيكون ذا انعكاس إيجابي على الأسعار وعلى السجل الائتماني للمواطنين، وحماية المؤسسات المالية والاقتصاد من تعثرات محتملة نتيجة التوسع في إعطاء القروض.

وبالعودة إلى العبد اللطيف الذي حدد القطاعات العقارية الأكثر سكونا، فقد وضع على رأسها مبيعات المباني العتيقة، تليها مباشرة الفيلات التجارية التي كانت تتزعم العمليات العقارية الأكثر نشاطا، إلا أن العام الماضي اختلف وأصبح الهدوء إحدى سماته الرئيسة، في سوق أصبحت في عداد أكثر القطاعات الاقتصادية توقفا عن تحقيق الأرباح.

ولفت إلى أن اختصار وضع السوق خلال السنة الماضية هو عزوف في الطلب، رغم وفرة العرض، رغم أنه ليس بالشكل الكبير والمطلوب، نظرا لحالة الطلب المنخفضة، مما جعل السوق تعيش دوامة من الركود، رغم حاجة السكان إلى التملك.

وفي الموضوع ذاته، استغرب تركي الدباس المستثمر العقاري، من حال السوق خلال العام القريب من الانتهاء، إذ من المعروف أن السعودية من أكثر الدول احتياجا للمزيد من الإنشاءات العقارية، ولكن التوقف عن المبيعات جعل الشركات الإنشائية الكبرى تؤجل مشروعاتها أو تنهيها في ظل هذه الحالة المتردية.

وأشار إلى أن مشروعات كبرى قد توقفت أو ألغيت بسبب نقص سيولة المواطنين، الذين أصبحوا يتفرجون على المباني من دون أن تكون لديهم قدرة مادية على امتلاكها، رغم تنافس البنوك على تمويلهم لتملك العقارات في فترات سابقة من العام قبل أن تعدل مؤسسة النقد رأيها وتفرض شروطا قاسية للتمويل، لكن حال القطاع لم يكن بالشكل نفسه الذي كان يطمح إليه التاجر أو حتى المستهلك الذي أصبح لا يفهم ما يحدث في السوق.

وأضاف: «يجب إعادة النظر في الأسعار الحالية للعقارات، لأنه مهما زادت العروض والمغريات فإن المواطن البسيط لا يستطيع امتلاك العقار؛ إذا أخذ في الاعتبار تمثيله شريحة كبيرة من السكان المحليين، وستستمر السوق في أدائها المنخفض، إن لم تعد الأسعار إلى طبيعتها».

وبيّن أن تملك السكن على رأس أولويات المواطنين، الذين دفعوا بالسوق إلى الانتعاش مطلع العام الحالي، عبر الحصول على التمويلات العقارية، إلا أنه وقبل أشهر قليلة أعادت «ساما» شروطها من جديد، وفرضت على القطاع العقاري مزيدا من العزلة التي لم يكن في حاجة لها أساسا.

وفي صلب الموضوع، أكد ريان الحجاب الذي يمتلك مؤسسة عقارية متخصصة أن «مؤشرات السوق العقارية تشير إلى أن هناك توقفا يلف قطاعاتها بشكل عام، بغض النظر عن بعض التحركات الفردية أو الصفقات الصغيرة التي تحدث من فترة لأخرى، وتعد محركا بسيطا في قطاع كبير يعمل بمليارات الريالات، ومن المفترض أن يكون أداؤه أضعاف حركته الحالية».

ولفت إلى أن الحال لا يمكن أن يستمر على ما هو عليه، إذا أخذ في الحسبان أن العقارات تشيخ مع الزمن، وتنقص معه قيمتها، خصوصا أن بعضها تبلغ قيمته ملايين الريالات، مما يجعل الاستثمار فيها غير مرغوب فيه، الأمر الذي قاد إلى الخروج من السوق من قبل المستثمرين، وينحدر بالقطاع في فترة قريبة نتيجة شح المعروض.

وكان القطاع العقاري قد شهد تجاذبات عدة خلال الأعوام الماضية، وبالتحديد بعد النكسة الشهيرة لسوق الأسهم، الأمر الذي دفع بالعقار لتصدر المشهد الاستثماري الأكثر أمانا، إلا أن التضخم الكبير الذي عاشته السوق أصبح منفرا إلى حد كبير.

وتشير إحصاءات سابقة إلى أن التضخم خلال السنوات الـ7 الماضية وصل إلى ما يزيد على الضعف، وهي نسبة كبيرة لم تشهدها أي سوق عالمية مماثلة، إلا أن أكثر ما يميز هذا العام هو الهدوء الذي عاشه مطلع العام، والفورة التي لامسته في منتصفه بعد إقرار التمويل بصيغته السابقة، إلا أنها لم تدم، فقبيل نهاية العام أعادت «ساما» شروط الحصول على التمويل، مما دفع القطاع إلى أدنى مستوياته، ويُنظر إلى العام المقبل بتفاؤل على أنه عام المفاجآت الذي قد ينتشل القطاع العقاري مما هو عليه من تخبطات.

وبالعودة إلى الحجاب فقد أوضح أن القطاع العقاري لم يعد جاذبا للاستثمار، رغم تزعمه شتى القطاعات الاقتصادية الأخرى في فترات ماضية، وعن تأثير هذا الركود في الأداء العام للسوق، أوضح أن عمليات البناء شبه متوقفة، في ظل ارتفاع أسعار الأراضي وأسعار المقاولين، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف مواد البناء، التي أصبحت تشكل ضغطا إضافيا على أداء القطاع، الذي لم يعد يحتمل مزيدا من الضغوط، خصوصا أن السوق تترنح بشكل يُعجز عن تفسير ما يحدث فيها، ناهيك عن نقص شركات المقاولة التي تعد لاعبا أساسيا في عملية النمو العقاري، وندرة الشركات المتخصصة التي تفضل العمل في المشروعات الحكومية عبر الدخول في عمليات الائتلاف أو العمل في شركات الباطن، مما يبقي السوق في حالة شغور ملحوظ من المقاولين.