شركات الهاتف الكبرى الأرضي تسعى للفوز بحصة من سوق التسلية التلفزيونية

بعدما غزت شبكات الكابل سوقها الأساسية

TT

العلاقة بين ثلاثي تقنية المعرفة (الاتصالات والإنترنت والإعلام) ظلت قوية رغم تدهور الاستثمار في هذه القطاعات بعد مارس (آذار) 2000 والذي دام لعدة سنوات قبل أن ينتعش في الأشهر القليلة الماضية. شركات كثيرة خرجت من السوق. وما صمد منها آثر الاندماج أو الضم. وفي صراع البقاء تشتد المزاحمة إلى أقصى حد ممكن فتنظر كل شركة إلى ما بيد الأخرى طمعا، والمستفيد الأخير هو المستهلك. الانترنت تتنافس مع شركات الاتصالات والتلفزة والمطبوعات في نقل كل شيء مرئي ومقروء ومسموع. والتلفزيون ومعه شركات الكابلات الضوئية (البصرية) يقدم خدمات كثيرة بفضل التكنولوجيا الخاناتية (الرقمية) إلى جانب البرامج والأخبار والصفحات المكتوبة التي تخبر المشاهد بكل شيء وتبيعه أحيانا خدمات، من الرحلات والبرامج والموسيقى إلى شهادات الدراسة في مقعد غرفة الجلوس أو في السرير. وإذا كانت شركات الكابل تبيع القنوات التلفزيونية والاتصالات الهاتفية والانترنت والأفلام السينمائية ومباريات الكرة وعروض الحفلات وشتى أنواع التسوق في وسيلة تقنية واحدة، فإن شركات الاتصالات تشعر أن يتعين عليها أن تفعل الشيء نفسه لكي تكون لها حصة من هذه الوليمة. فالمستهلك يزداد معرفة بالتقنية الحديثة وكلما تقدم شوطا في استخدامها قدمت له التقنية المزيد. لكن هذه الخطوة تقتضي من شركات الاتصالات تأمين البنية الأساسية والتكنولوجيا اللازمة، فضلا عن الحصول على التشريع المناسب لتنظيم عملها. في الولايات المتحدة، إحدى أكثر أسواق الاتصالات والإعلام نضجا في العالم، بدأت شركات الاتصالات التي تفرعت عن الشركة العملاقة الأم «بلز» تسلك هذه الوجهة. حيث ستبدأ شركتا «إس.بي.سي» و«فيرزون» بيع البرامج التلفزيونية منافسة شركة الكابل التي تعمل في القطاع نفسه منذ أعوام. وباتت شركات الهاتف التقليدية ترصد مليارات الدولارات لهذه الغاية بمد الخطوط القادرة على نقل الصورة النقية، وتوفير التكنولوجيا لتنظيم الدفع وتأمين وصول الصورة إلى الهاتف والانترنت وشاشة التلفزة. ولقد رصدت «إس.بي.سي» أربعة مليارات دولار لمد شبكات الألياف اللازمة في غضون ثلاث سنوات. إلا أن مهمتها لا تنتهي عند مد الشبكة. فأمامها حقوق بيع البرامج، ورخص البث التي تقتضي رصد مبالغ كبيرة مماثلة. كما تحتاج لتأمين التراخيص اللازمة للبث من السلطات المحلية في كل ولاية ومدينة، والتمكن من تطبيق التكنولوجيا اللازمة للبث على شبكة الانترنت إلى جانب الصوت والنصوص التي تنقلها حاليا لزبائنها. ويقدر عدد الزبائن بنحو 36 مليون نسمة. وحتى بعد استكمال كل هذه الاستعدادات المعقدة والمكلفة، لا بد لشركات الاتصالات أن تدخل في منافسة تسويقية متطلبة للغاية لإقناع زبائن البرامج بتفضيل خدماتها على المصادر التقليدية، كشركات الكابل. وهذا قد يعني العمل بهامش ربح ضئيل للغاية، أو التضحية بالربحية لفترة زمنية معينة (قدر استطاعة المستثمرين) لكسب حصة سوقية لفترة ما، مع التميز بنوعية عالية من البرامج المفضلة لجمهور الدفع عند الطلب.

شركات الهاتف التقليدية ستلجأ من أجل استدراج المشاهدين من القطاعات المنافسة لتقنيات أحدث يطلق عليها «بروتوكول الانترنت للتلفزيون» (آي.بي.تي.في) الذي يوسع خيارات المشاهد من البرامج والأفلام، ويمكّنه من استخدام جهاز تسجيل الفيديو عن بعد بواسطة الانترنت، ومن قراءة الرسائل الالكترونية، فضلا عن تقنيات أخرى. ولا تزال هذه البرامج في مراحل التطوير النهائية، أي لم تبلغ خاتمتها تماما. وغالبا ما تكون اللمسات النهائية الأصعب في أي مشروع جديد. ويبقى أهم ما تستطيع شركات الاتصالات عمله على صعيد المنافسة، حسب رأي ذوي الاختصاص، هو توفير أوسع شبكة من الخيارات الترفيهية والفكرية. وهنا من الصعب أن تكون خطوط الهاتف التقليدية قادرة على لعب هذا الدور بالتقنيات المعهودة ومن دون توفير خطوط نقل تعمل بطاقة عالية. لذا تمد شركة «فيريزون» كابلات الألياف البصرية القادرة على نقل صورة نقية وخدمات متعددة في رزمة واحدة إلى بيوت الزبائن. وستتمكن بهذه الطريقة من تقديم صورة عالية النقاوة. ولم تحدد شركة «إس.بي.سي» قيمة خدماتها، وإن كانت تقدم وعودا للمستهلك بتأمين «أسعار منافسة للغاية»، لا تزيد على ما يدفعه المشاهد من شركات البث الفضائي المشفّرة. ومن المنتظر أن يحصل سبعة ملايين اميركي على خدمات اشتراك البرامج التلفزيونية في 2009 عن طريق شبكات الاتصالات التقليدية حسب توقع شركة «برايس ووترهاوس كوبرز» الاستشارية العالمية. ومن الخيارات التي قد تسلكها شركات الهاتف لتشجيع المستهلك لشراء خدماتها، أن تفرض رسما شهريا لمشاهدة تشكيلة واسعة من البرامج والأفلام على طريقة «البوفيه». وهذا الأسلوب نجح معها في مجال خدمة الانترنت التي بدأت أولا بالمحاسبة بالدقيقة والثانية، وباتت اليوم متاحة للجميع في معظم الأسواق المتقدمة برسم شهري فقط. ونفس الأسلوب بات متبعا في قطاع اتصالات الهاتف الجوال الذي كان مكلفا للغاية في البداية، وبات مقبولا ومنتشرا بعد اتباع أسلوب خدمة الحدة الأدنى برسم شهري.

شركة الاتصالات البريطانية «بريتيش تليكوم" (بي.تي) أيضا تخوض منافسة شديدة مع شركات الاتصالات بالكابل حول خدمات التسلية. وبعد أن قضمت شركات الكابل الكثير من زبائن «بي.تي»، توسعت الأخيرة في قطاع الانترنت بالموجة العريضة ليصل عدد مشتركيها إلى خمسة ملايين حسب آخر تقرير خرجت به في مطلع الأسبوع الجاري، وسبقت بذلك خطتها بعام كامل. وتستطيع شبكة خطوط الهاتف بالموجة العريضة أن تؤمن خدمة الانترنت بسرعات متفاوتة من شأنها أن توجد الأرضية اللازمة للتوسع في مجالات الوسائط المتعددة، وبيع خدمات أخرى عليها تشمل الموسيقى والبرامج والألعاب.