من مخبز صغير في براغ إلى الأمين العام للغرفة العربية التشيكية

رجل الأعمال الفلسطيني التشيكي جورج قراعة:

TT

لم يكن اختيار المهندس جورج قراعة ـ الفلسطيني الجنسية ـ ليتولى منصب الأمين العام لغرفة التجارة التشيكية العربية اختيارا عشوائيا أو احتياجا فقط لمن يملأ الكرسي الشاغر، لكنه جاء وعيا بالمواصفات الخاصة لمن يتولى إدارة العلاقات التجارية بين رجال العرب والتشيك بعيدا عن البيروقراطية الوظيفية.

وما يميز «قراعة» أنه نجح عدة مرات في أن يصنع شيئا من لا شيء أي أن يقيم مشروعا ناجحا بأدوات بسيطة ورأسمال صغير، وهو من مواليد بيت لحم عام 1966، وبعد الدراسة الثانوية سافر إلى براغ لدراسة الهندسة الميكانيكية وتخصص في الأتمتة الزراعية والتسويق ثم بدأ في ممارسة الوساطات التجارية والاستيراد والتصدير.

وكان أول مشروعاته في براغ، هو إنشاء أول مخبز عربي لإنتاج رغيف الخبز العربي عام 1992 «برأسمال يبلغ 300 دولار اقترضه من والدة زوجته»، وأنتج في اليوم الأول ألف رغيف، وبعد شهر وصل إنتاجه إلى عشرة آلاف رغيف يوميا، وبعد ستة أشهر أنشأ مخبزا آخر ينتج عشرين ألف رغيف يوميا. وقام بالتسويق لإنتاجه بين المغتربين العرب والسفارات وفي أماكن البيع بالمحال الكبيرة.

ورغم النتائج المبشرة لمشروعه في براغ، فقد باع مخبزه وعاد إلى فلسطين عام 1994 بعد اتفاقات السلام التي فتحت الباب أمام طموحاته أن يقيم في موطنه مع أسرته ويمارس مشروعاته. وفي بيت لحم حاول ان يتوصل لـ«وصفة» لإقامة مشروع يستغل إمكانات المكان ويتوافق مع إمكانات التصدير للخارج. وكان مشروعه لصناعة السيراميك والحجر المعتق والفسيفساء برأسمال ألف دولار. وأقام أول مشغل في فلسطين للفسيفساء وقام بتصدير إنتاجه إلى السوق الأميركي والالماني والهولندي وحقق نجاحا وصلت أصداؤه إلى بريطانيا، حيث سعى رجال أعمال بريطانيون إلى استيراد منتجاته من الفسيفساء وإقامة شراكة معه. كما حققت معدلات تشغيل هذا المصنع بعد عام ونصف العام من إنشائه 150 ألف دولار شهريا. لكن أثناء انتفاضة الأقصى قصف الإسرائيليون المصنع، فقام «قراعة» بإعادة بنائه من جديد ثم اضطر إلى إغلاقه بعد اجتياح الإسرائيليين للضفة، وسافر حاملا أفكاره إلى براغ مرة أخرى لينشئ مشغلا للفسيفساء والوحدات الجمالية ولوحات «الأرت ديكور» في التشيك.

هذه الخلفية لرجل أعمال اعتمد على فكر إداري وتسويقي جيد، ولم ترهبه البدايات أو توقفه نهايات مشروعاته، كانت هي الأساس لترشيحه من مجلس السفراء العرب في براغ لمنصب الأمين العام للغرفة التجارية التشيكية العربية في يناير (كانون الثاني) 2005، ونال موافقة السفراء العرب والاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية في الدول العربية على الترشيح.

ويقول جورج قراعة: تسلمت العمل في 12 يناير بعد اجتماع مجلس المديرين بالغرفة وبدأنا العمل في تنشيط الغرفة التي كانت تشكو من ضمور لخلو منصب الأمين منذ عامين، وكانت أول خطوات قمنا بها هي المشاركة في سوق القاهرة الدولي الذي أقيم بالقاهرة في الفترة من 17 إلى 25 مارس (اذار). ورغم ضيق الوقت اشتركت أكثر من تسع شركات عارضة في السوق، ولتغطية تكاليف اشتراك الغرفة وفي نفس الوقت القيام بالترويج لشركات تشيكية أخرى لم تستطع المجيء.. ان الغرفة قامت بتنظيم كتالوج لتلك الشركات التي تبحث عن شركاء تجاريين في مصر، ونجحت الغرفة في تقديم الجمهورية التشيكية بشكل جيد إلى الجمهور المصري والمشاركين العارضين من الشركات المصرية وشرحنا إمكانات التعاون المشترك بين التشيك ومصر». وأوضح: لقد نجحنا في عقد اتفاقات مع شركاء مصريين في عدة مجالات منها توريد لحوم ديك رومي مذبوح وفقا للشريعة الإسلامية إلى مصر، واتفاقات بين شركة مصرية وأخرى تشيكية منتجة لمولدات الطاقة الكهربائية من الرياح بالإضافة إلى صفقة لتبادل منتجات تشيكية من الخضر المثلجة والمعبأة مع منتجات مصرية من الخضر المصرية الطازجة حيث يتم تصنيعها في التشيك. كما أبرم اتفاق مبدئي لاقامة شركة منتجة لأدوية طبيعية من الأعشاب، وهي صفقة في طور الدراسة مع عدة أطراف لتحديد إمكانية دخولها للسوق طبقا للقوانين المتبعة في مصر، مبينا، كذلك قمنا بالاتصال بعدة شركات سياحية مصرية للترويج لسياحة العلاج الطبيعي والمصحات لإيفاد مصريين للعلاج والسياحة في المصحات التشيكية، وان كانت قواعد استخراج التأشيرات، تحد من زيادة هذا النشاطر. وحول المجالات التي اختتم رجال الأعمال المصريون بالسؤال عنها يقول جورج قراعة، كان هناك اهتمام كبير بالسؤال عن صناعة الكيماويات والبتروكيماويات والحديد والصلب والأجهزة الطبية واهتمام بإشراك التشيك في المشاريع الخاصة التي ستقام في مصر مثل مصانع السكر والغلايات التشيكية التي تعمل بمخلفات صناعة السكر بدلا من الكهرباء، كذلك محطات تنقية وتكرير مياه الصرف الصحي وإنشاء مشروع مشترك بخبرة تشيكية وعمالة مصرية، وهي أمور ستتم دراستها وبحثها في الغرفة.

والمحطة الثانية في عمل الغرفة العربية التشيكية، كما يقول جورج قراعة، ستكون في ليبيا، حيث تقوم الغرفة بالمشاركة في معرض طرابلس الدولي المقام من 2 الى 12 ابريل (نيسان)، وتشارك فيه 6 شركات تشيكية في مجال السلاح والبتروكيماويات والبنية التحتية. ويرأس ميلان أوروبان، وزير الصناعة والتجارة التشيكي، ويوزف ريغنز، رئيس غرفة التجارة التشيكية، وفد رجال الأعمال في ليبيا، بالإضافة إلى التحضير للمشاركة في سوق السياحة العربية الذي يقام في دبي من 3 الى 7 مايو (أيار) 2005، حيث تقوم الغرفة بمحادثات لتشجيع السياحة العربية إلى الجمهورية التشيكية وعرض التشيك بعيون عربية، كذلك معرض سيما اكسبو 2005 الذي يقام بالعاصمة السورية دمشق، من 27 إلى 31 مايو وتشارك الغرفة العربية التشيكية في فعالياته كمنظم ومشارك وتقوم بإصدار كتالوج لمخاطبة الجهات والمؤسسات والغرف التجارية والاتحادات الصناعية والتجارية والمهنية وعقد اتصالات أولية مع الشركات السورية.

ويؤكد قراعة: اننا بحاجة لطرق جديدة في الجانب العربي لوضع استراتيجية «ذكية» للتعاون مع الدول الأوروبية ونعرف ما نريد ونستعد بقائمة من المشاريع والشركات الجاهزة للتصدير والتعاون في مجال التجارة الخارجية، لأن حجم التبادل التجاري بين التشيك والعالم العربي لا تتجاوز نسبته 1%، وهي نسبة ضعيفة جدا. وهناك اتجاه من المؤسسات والشركات التشيكية لزيادة هذه النسبة مع جدية في الطرح لادراكهم أهمية السوق العربي كسوق استراتيجي واعد ويجب ألا تكفينا «لملمة الفتات، ولنطالب بقطعة من الكعكة».

قراعة مقيم في براغ ومتزوج من تشيكية ولديه ثلاثة أبناء. ويقول عن أسباب تركه لعمله الخاص وتفرغه لقيادة الغرفة، ان العمل الخاص يتطلب مجهودا لا يتناسب مع حالته الصحية الحالية، كما انه مهتم بقيادة الغرفة بأسلوب رجل الأعمال لأن الشركات بحاجة إلى من لديه خبرة بتجاربهم ومدرك لأوضاعهم ولديه رؤية لسبل حلها.