د. شادي كرم .. من التدريس في جامعة هارفرد لإدارة مصرف في لبنان

TT

تحفل السيرة الذاتية للدكتور شادي كرم، الرئيس والمديرالعام للبنك اللبناني للتجارة المملوك بغالبية اسهمه من مصرف لبنان المركزي، بمحطات هامة يغلب عليها الطابع الدولي. مع تنوع مواز، يمتد فيه الاهتمام، من شؤون الثقافة والحضاة في العالم الى شؤون الاعمال وادارة المحافظ الاستثمارية في شركات دولية كبرى.

لكن اول ما يشد الانتباه في هذه السيرة، ان قرار كرم بالعودة الى لبنان عام 2002 وتسلم ادارة ملف مصرفي شائك، جاءت على حساب تقدم مهني واسع حققه عبر رحلة عشر سنوات في شركة «ميريل لينش» ليتبوأ فيها منصب رئيس مكاتب الشركة في موناكو ورحلة ثلاثين عاماً من العمل في عواصم العالم المتقدم بدءاً من استاذ مساعد في جامعة هرفارد وعضو مكتب امانة سر مجلس الأمن الدولي في الامم المتحدة (نيويورك) ومن ثم مستشار مالي للمدير العام لليونسكو في باريس.

ومع تحييد العامل الوطني وحنين الانسان الدائم للعودة والعيش في وطنه، تبدو المفاضلة بين موناكو وبيروت وبين «ميريل لينش» واي مؤسسة محلية في غير محلها، خصوصاً لمن اعتاد نمط العيش الاوروبي مع دخل مرتفع، ومن المؤكد ان المفاضلة ستكون اصعب اذا كان الانتقال من مسؤولية ادارة نجاح في مؤسسة ناجحة الى مسؤولية ادارة ازمة في مؤسسة مهددة بالانهيار.

ويؤكد كرم «ان العوامل الموضوعية كلها كانت تفرض اهمال العرض الوارد اليه من البنك المركزي اللبناني لادارة بنك فقد رأسماله وامواله الخاصة وتعرض لخسائر ضخمة فاقت 200 مليون دولار في ثلاثة اعوام، وبات الرهان على اعادة تعويمه وهيكلته اشبه بالمهمة المستحيلة، لكن العوامل الذاتية طغت على ما عداها في اتخاذ القرار، فكان القبول بالمهمة مع قبول ما تتطلبه من تضحيات على المستوى الشخصي وعلى مستوى العائلة».

ولا يخفي كرم، بأن علاقته مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وثقته التامة به كانت من العوامل المباشرة المؤثرة في اتخاذ قرار العودة وتسلم المهمة بناء لطلبه، لكن قبول التحدي بادارة مؤسسة معرضة لمخاطر السقوط، نابع اكثر من عامل ذاتي بحت، «فانا اهوى لعبة البولو واحترفتها لاعوام عديدة، وقد تعلمت منها قدرة اتخاذ القرار في بيئة متحركة وصعبة، فاللاعب في هذه الرياضة ملزم بالحفاظ على توازنه وعلى حصانه وعلى المنافسة بين سبعة لاعبين عبر عصا مرنة يمسكها وهو يمتطي حصانه».

ويقول كرم: «لا شك ان هوايتي للبولو وممارستها كمحترف، اصبحت من مكونات شخصيتي، وقد اكتشفت هذا الجانب، في المؤتمر العام لليونسكو في بلغراد في عام 1980، حيث كنت اشغل ثلاث وظائف معاً وكان عليّ تحضير ثلاثة خطابات مختلفة بثلاث لغات مختلفة (العربية، الفرنسية والانجليزية) وذلك بصفتي رئيساً لديوان رئيس المجلس التنفيذي لليونسكو والمساعد الخاص لرئيس المؤتمر والمستشار المالي للمدير العام، ولكل صفة ورقة عمل يتوجب طرحها في المؤتمر».

ويستطرد كرم: «قد تجد في كلامي عن اهمية لعبة البولو في حياتي العملية بعض المغالاة لكنها الحقيقة، ولا يعني ذلك اهمال تحصيلي العلمي الذي شكل قاعدة الانطلاق، فانا احمل شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من الجامعة الاميركية في بيروت ودكتوراه (درجة ثالثة) في العلوم الاجتماعية من معهد الدراسات العليا في باريس وشهادة في السياسة الدولية من جامعة كولومبيا (نيويورك) وماجستير في الاقتصاد الديمغرافي ودكتوراه في الادارة المالية من جامعة هارفرد (مساتشوستس) وهذا التحصيل العلمي من ارقى الجامعات اتاح لي بدء حياتي العملية في مؤسسات دولية، وبالاخص في اليونسكو وميريل لينيش».

وما كان تأثير كل ذلك على ادارة البنك اللبناني للتجارة؟ واقع الامر، عاد البنك الآن للمنافسة بين اكبر المصارف اللبنانية بعدما حاز عام 2004 الماضي الرتبة 13 على لائحة الترتيب قياساً بمؤشرات الموجودات الاجمالية والودائع، لكن الاهم، ان البنك حقق في عام 2003 تحولاً جذرياً من الخسارة الى ربحية صافية تجاوزت 5 ملايين دولار، لترتفع هذه الربحية الى 16 مليون دولار في عام 2004، بالترافق مع خطة متكاملة لاعادة الهيكلة وتحديث الادارات والخدمات والتقنية المستخدمة شملت 40 فرعاً عاملاً في لبنان والوحدة المصرفية المستقلة المتمثلة بالبنك اللبناني للتجارة ـ فرنسا التي يتبع لها اربعة فروع في الامارات العربية المتحدة.

ويعتبر كرم: «ان ضخ مبلغ 147 مليون دولار من قبل البنك المركزي في عام 2002 كان يهدف لانقاذ البنك من ازمته العاتية، ومنع افلاسه، لكن، مع الانجازات المحققة بات هذا التدخل استثماراً مجدياً، وسيظهر ذلك بوضوح عندما يتم بيع ملكية الاسهم. فقد انتقلنا خلال الاشهر الاولى من مهمة ادارة الازمة الى مسؤولية تعويم البنك واستعادة موقعه وحصته السوقية، ولدينا الآن مصرف ناجح متكامل يحوز حصة وافية من السوق المحلي ويمتلك مزايا تنافسية لتنمية دوره الاقليمي وخارج المنطقة عبر وحدته المصرفية المستقلة في فرنسا، اضافة الى امتلاكه لكل مقومات النمو المستدام والمتميز في مجمل مؤشراته المالية وبالاخص منها الربحية».