رجال أعمال يبحثون عن السعادة وسط انشغالهم بالثراء

دراسات تكشف عن الحلول المناسبة لحياة هادئة

TT

في خضم انشغال اصحاب الاعمال في قيادة شركاتهم ومحاولة تعظيم ارباحهم يعتقد البعض ان السعادة تكمن في هذا المسار المادي، لا بل انه ربما الطريق الوحيد لتحقيق السعادة المنشودة. وفي الحقيقة اصبح اصحاب الشركات في الوقت الراهن اقل سعادة مقارنة مع عام مضى، على الرغم من التحسن الذي يشهده الاقتصاد العالمي منذ عدة سنوات بحسب الابحاث التي اجريت اخيرا.

والمفارقة ان احد الاسباب الشائعة لقلة السعادة لم يكن هذه المرة مرتبطا بعدم وجود وقت كاف لتمضيته مع العائلة او للتسلية والترفيه او الوضع الاقتصادي فقط، رغم ان هذا الامر بات امرا شائعا خصوصا في الدول الصناعية المتطورة، لا بل ان اصحاب الاعمال اصبحوا اقل سعادة نتيجة عوامل لا دخل لها بالمادة او الثراء. والمنطق الاقتصادي يقول ان هذا الامر من المفترض الا يحدث، فخلال فترة الثلاثينات توقع الاقتصادي البريطاني الشهير جون ميلتون كينز انه مع حل «المشكلة الاقتصادية» من خلال الوصول الى تلبية الاحتياجات المادية الاساسية فإن الاشخاص لن يصبحوا مضطرين للعمل بطريقة مرهقة ولاوقات طويلة، وسيملكون الوقت الكافي لتحسين نوعية حياتهم، الا ان النتائج التي اظهرتها الدراسات والابحاث التي اجريت اخيرا اثبتت العكس تماما.

وتجدر الاشارة هنا الى ان النتائج المترتبة على الانفصال بين نمو الدخل الوطني والسعادة ينبغي الا تتمحور حول ضرورة اتجاه الحكومات او اصحاب الاعمال نحو السياسات التي تسعى الى تحقيق الارباح وزيادة الدخل، بل من الضروري ان تشتمل على الخطط التي تحسن من حياة الناس او الموظفين. وهذا الامر يعني باختصار محاولة معرفة ما الذي يجعل الناس سعداء بخلاف القضايا المعروفة مثل الصحة الجيدة والعلاقات الاسرية القوية. وفي هذا السياق يقول روبرت فرانك بروفيسور الاقتصاد في جامعة كورنيل الاميركية ومؤلف كتاب حمى الرفاهية Luxury Fever «اذا استخدمنا الزيادة في مدخولاتنا المالية من اجل شراء منازل اكبر او سيارات افخم، فان الامر يبدو انه لا يجعلنا دائما سعداء اكثر من ذي قبل. ولكن اذا انفقنا الزيادة في دخلنا المادي في قضايا محددة مثل التخلص من قضية ركوب المواصلات يوميا او التوقف عن اداء وظيفة مرهقة فان النتائج ستكون مختلفة تماما».

وهذا الامر بدوره يطرح السؤال التالي: لماذا يقول الاشخاص أشياء مثل ان السفر او ضغوط العمل تجعلهم اقل سعادة، الا انهم في الوقت نفسه يفعلون النقيض من خلال العمل بشكل اطول او تقبل اوضاع لا ترضيهم من اجل الحصول على المزيد من المال لشراء اشياء قد لا تجعلهم افضل حالا او تشعرهم بالسعادة بالضرورة.

واحد من الاسباب يتمثل في ان الاشخاص غالبا ما يقارنون انفسهم مع الاخرين، وبحسب صحيفة الفايننشال تايمز اظهرت الابحاث الطويلة ان الاشخاص الاثرياء ليسوا سعداء بالضرورة، الا انهم يشعرون بالسعادة الزائفة عندما يقارنون انفسهم مع الاخرين، او كما قال الكاتب الاميركي المعروف غور فيدال «في اي وقت ينجح صديق، فان شيئا ما صغيرا يموت في داخلي». والمشكلة لا تنتهي عند هذا الحد حيث ان (حبل) المقارنة لا ينتهي، فهناك دائما اشخاص اخرون في اعلى السلم، وهي بالمحصلة حلقة مفرغة غالبا ما تقود الى التعاسة. لكن السؤال الاخر الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي يجعلنا سعداء؟

بينت دراسة اشرف عليها البروفيسور دانيال كاهنيمان في جامعة برينستون الاميركية والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد ان السعادة ليست مرتبطة بالضرورة بالصحة الجيدة او الثراء المادي. ومن خلال تقييم 28 نشاطا وجد الباحثون ان الممارسة الزوجية الجنسية الجيدة، والاسترخاء مع الاصدقاء او تناول غداء مع زملاء العمل يمثل اكثر النشاطات متعة بالنسبة لاغلبية الاشخاص. وهذه الامور اعقبها مشاهدة التلفزيون والتسوق مع الزوجة او الزوج والطبخ.

من ناحية اخرى وجد الباحثون ان استخدام المواصلات بشكل متواصل او السفر لمسافات طويلة، فضلا على العمل المنزلي والاحتكاك بشكل كبير مع رئيس العمل او المديرين التنفيذيين يمثل اقل النشاطات بهجة وربما اتعسها خصوصا للنساء.

وكشفت الدراسة ايضا ان نوعية النوم لها تأثير كبير على المتعة في حياتنا. فالاشخاص الذين ينامون قليلا يكون تمتعهم باليوم يشابه تمتع الاشخاص الذين يستخدمون المواصلات المرهقة. وعلى العكس من ذلك فان من ينام بشكل صحي يتمتع بيومه بشكل جيد. ما افادت الدراسة ان ضغوط العمل والمواعيد النهائية لانجاز الاعمال تضيف ضغوطا كبيرة سواء على اصحاب الشركات او الموظفين على حد سواء، والتي بالمحصلة تقلل من فرص التمتع اليومي وتزيد من تعاستهم. وبشكل عام فان الظروف الحياتية المختلفة مثل الثراء، الأمن الوظيفي، او ما اذا كان الشخص اعزب او متزوجا، لها تأثير ضئيل على سعادة الاشخاص. وطالما ان الشخص لا يقبع تحت ظروف الفقر فإن الدخل المادي ليس له تأثير كبير على السعادة.

ومن اجل تطوير المتعة والسعادة في حياتنا اليومية تطالب الدراسة ان يقوم كل شخص بتقسيم يومه والنظر الى مستويات المتعة او التعاسة خلال كل نشاط من اجل ان يكون بإمكانه زيادة النشاطات التي تجلب لهم المزيد من السعادة. باختصار يجب استخدام اوقاتنا بحكمة والابتعاد عن كافة الامور التي ربما تجلب لنا التعاسة.

لكن المشكلة ان قول هذه الامور اسهل من فعلها، فقد وجدت دراسة البروفيسور كاهنيمان ان اصحاب العمل او الموظفين غالبا ما يقضون اوقاتهم في النشاطات التي لا تجلب لهم الكثير من المتعة مثل قضاء ساعات طويلة في العمل او المواصلات او العمل المنزلي. لذا فقد بات المطلوب تحقيق التوازن في هذه القضايا، وطالما انه لم يدرك حتى الان اصحاب الشركات ان سعادة موظفيهم لا بد ان تقود بطريقة او اخرى الى تحقيق المكاسب لمؤسساتهم ولهم شخصيا، فإن التعاسة لا بد ان تصيبهم وتصيب الاخرين لا محالة.