عبد المجيد شومان يترك وراءه مؤسسة مصرفية راسخة الجذور

بعد رحيل اقتصادي عربي كبير

TT

عبد المجيد شومان ليس بكل الأحوال مجرد رجل مصرفي يمثل البنك العربي، لكن الفقيد حمل ولأكثر من 75 عاماً بين يديه، وأينما تجول او ارتحل، ملفات الاقتصاد العربي وهو بهذه الحالة ليس أحد مؤسسي البنك العربي فقط، بل أحد أبرز رواد الصناعة المصرفية العربية واحد رجالات الاقتصاد في العالم العربي ومسيرته طوال عقود تدلل على انه كان يتحدث عن التنمية الاقتصادية العربية أكثر من التحدث عن البنك الذي قاده لسنوات طويلة من نجاح إلى نجاح.

ومنذ تسلمه الموقع الأول في إدارة البنك العربي عام 1974 كان عبد المجيد شومان مشغولا بالتوسع والانتشار في العالم العربي تطبيقا لفهمه الموروث الذي وضع مقدرات البنك العربي في خدمة الاقتصاد العربي والتنمية العربية الشاملة، كما لعب، بعد ان أسس لشبكة انتشار عربية واسعة لفروع البنك العربي، دورا اساسيا في الانتقال للخطوة التالية التي تمثلت في التواصل مع بقية أنحاء العالم ليس باسم البنك العربي فقط بل باسم القطاع الخاص والمجتمع العربي.

وكان عبد المجيد مشغولا دائما بإثبات قدرة القطاع الخاص العربي خصوصا القطاع المصرفي على التميز والتفوق وعلى مواكبة اخر ما توصلت إليه تقنيات العمل في المؤسسات المالية ولذلك وضع في وقت مبكر خلال السبعينات خطة للانتشار في مناطق وعواصم ومدن مختارة ومعروفة بنشاطها الإقتصادي والمالي.

وسيرة حياة عبد المجيد شومان منذ ولادته تدلل على ان الرجل ومنذ ولادته كانت قصة البنك العربي هي قصته الأساسية فقد قضى ما يزيد عن ثلثي حياته جنديا في خدمة اهداف البنك العربي واعتزل كل الأهداف الشخصية والذاتية وانخرط في تحديات التأسيس اولا ثم الانتشار ثانيا والعالمية ثالثا مخصصا كل الوقت الذي يملكه يوميا لصالح مؤسسة البنك العربي ونشاطاتها.

وعبد المجيد شومان ولد فيما كان حلم البنك العربي ينمو بهدوء داخل الراحل المؤسس عبد الحميد شومان الذي وضع منذ صباه هدفا وسعى إلى تحقيقه مرتحلا إلى نيويورك في الربع الأول من القرن الماضي، وقبل ان يبدأ الراحل المؤسس خطواته العملية في تأسيس البنك العربي ولد عبد المجيد عام 1912 في قرية بيت حنينا في القدس الشريف في فلسطين.

وسرعان ما اصبح الفتى عبد المجيد يافعا ومستعدا لتلقي العلم بتزأمن مباشر مع افتتاح أول فروع البنك العربي في مدينة القدس الشريف عام 1930، وقبل ذلك كان عبد المجيد الفتى يتلقى تعليمه الثانوي في الولايات المتحدة الأميركية بعد ان رافق والده في رحلة الكفاح في المهجر في إطار السعي للحفاظ على استمرارية المشروع الذي كان قيد التأسيس آنذاك.

وأنهى عبد المجيد الدراسة الثانوية بتفوق وسرعان ما طلب منه الراحل عبد الحميد الالتحاق بجامعة متخصصة في علم صناعة المصارف أملاً في تواجد اجيال تخدم الأهداف النبيلة التي اختطها المؤسس الراحل للبنك العربي كمؤسسة مالية واستثمارية عربية رائدة تخدم المواطن والوطن العربي.

وعليه التحق عبد المجيد شومان بجامعة نيويورك وحصل على درجتي البكالوريوس والماجستير في الاقتصاد والعلوم المصرفية فيما كان حلم البنك العربي قد ولد فعلا وأصبح واقعا، وفيما كان البنك العربي يبحث عن توسع أفقي في دول الجوار العربي متحديا الظروف والتقلبات الاجتماعية والسياسية في ذلك الوقت.

وبذلك يمكن اعتبار عبد المجيد وكما يشهد رموز الرعيل الأول في اسرة العربي بين أول خبرات متخصصة التحقت في إدارة البنك العربي وساهمت في البناء فقد كان الراحل المؤسس يبحث عن أي كفاءات عربية تلبي طموحاته بتأسيس صناعة مصرفية عربية متطورة وبأيدي وخبرات عربية علما بأن نجله عبد المجيد كان من اوائل الذين حضروا للبنك مزودين بالعلم والمعرفة والتخصص في أرقى جامعات الدنيا.

وبعد تخرجه مباشرة عاد عبد المجيد إلى ارض الوطن ليساعد في حمل المسؤولية مع والده في إدارة البنك العربي وعمل إلى جانب والده في إدارة تجربة ولدت عملاقة في الواقع ولذلك كان عبد المجيد ينهل من العلم مباشرة ومن أقرب دائرة لصناعة القرار في البنك المولود حديثا.

وتلمس عبد المجيد كموظف وعن قريب أساليب الإدارة العملياتية بعيدا عن العلم والتخصص والشهادة وشاهد الوالد وهو يتخذ القرار في أحلك الظروف وأصعبها وتعلم كيف تدار الأزمات وتعلم الصبر والتماسك والصلابة والحزم في إدارة شبكة فروع متعددة في منطقة متقلبة اقتصاديا وسياسيا وفي إطار عمل دقيق اعتمد على برامج رقابة ذاتية ابتدعها البنك العربي نفسه للحفاظ على مصالح المساهمين والعملاء ولتجنب المجازفات غير المحسوبة.

وأهم ما تعلمه عبد المجيد في تلك الفترة كان يتعلق بإصرار الوالد المعلم آنذاك على الاستماع للناس البسطاء وعلى ضرورة الالتزام بالأدبيات والأهداف النبيلة التي أسس من اجلها البنك العربي كما تعلم ضرورة الحرص على أموال المودعين وتجنب اهتزاز ثقتهم بكل الأحوال ولاحظ كيف يلتقط الوالد الكفاءات ويطاردها ويبحث عنها وكيف يقنع المساهمين ويحمي مصالحهم.

وليس سرا هنا ان عبد المجيد شومان كان دوما قريبا جدا من موظفي اسرة البنك العربي في مختلف العصور والعهود التي خدم فيها هذه المؤسسة وكان ودوداً ورحيما ومتفهما متمثلا بأخلاقيات والده الراحل في هذا الاتجاه مما عزز القناعة بروح الأسرة والمحبة السائدة بين موظفي البنك في أكثر من ثلاثين بلدا يوجد فيها.

وفي الواقع لم يقف عبد المجيد عند هذه الحدود فقد تسلم الراية واكمل المسيرة وكان خير خلف لخير سلف فقد عمل بكفاءة على تطوير شبكة مصرفية عربية عالمية من دون ان ينسى الأصول والجذور.

وأظهر حرصا متميزا على الانتقال بالبنك العربي للمستويات التي أمل بها الأب الراحل خصوصا بعدما تسلم منصبي المدير العام ورئيس مجلس الإدارة في عام 1974 حيث قام المدير الجديد بتوسيع مساحات تحرك ونشاطات البنك العربي وافتتح العشرات من الفروع الجديدة ولم يكتف بالوجود في العالم العربي بل نفذ ما كان يتحدث عنه عن ضرورة التفاعل بين العالم وبين الصناعة المصرفية العربية عبر افتتاح سلسلة فروع في أهم مواقع وعواصم ومدن القرار الاقتصادي في العالم وفي خمس قارات بما في ذلك أفريقيا وآسيا وأوروبا.

وبسبب السياسات الفعالة والمنتجة التي انتهجها عبد المجيد شومان اصبح البنك العربي وخلال ثلاثة عقود الاوسع انتشارا ما بين البنوك العربية ومن أكثر مؤسسات المال في العالم تمتعا بالمصداقية والثقة، بل اصبح شريكا ليس في صناعة المال بل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العشرات من البلدان التي يوجد فيها خصوصا ان عبد المجيد كان يصر دوما على (عالمية) الرسالة والأداء وعلى مركزية الهدف لاتجاه خدمة الاقتصاد العربي والتنمية الشاملة.

وفي عام 2001 قرر مجلس إدارة البنك العربي وبالاجماع انتخاب عبد الحميد الحفيد نائبا لرئيس مجلس الإدارة مديرا عاما للبنك فيما بقي عبد المجيد في موقعه رئيسا لمجلس الإدارة على امل تجديد التجربة وإدامة الإنجاز والتواصل بين الأجيال في إطار علاقة عبقرية ساهم في صياغتها عبد المجيد نفسه تربط الماضي العريق للبنك بمتطلبات العصرنة والحداثة وتحديات العلم وتقنية المعلومات.