المضاربون المصريون يعزفون عن الزواج.. و«مطاردة» الأرباح حلمهم الوحيد

الوقت المناسب لشريكة العمر ربما لن يأتي أبدا

TT

تجتمع داخل البورصة المصرية أنماط عديدة من البشر، يخهاتف في أعمارهم واتجاهاتهم الثقافية ومستوياتهم الاجتماعية والوظيفية لكنهم يتفقون في السعي وراء الربح من شراء وبيع الأوراق المالية في البورصة يغريهم في ذلك أن البورصة ككيان تعيد تشكيل القادم إليها وتحدد توجهاته في الحياة، فهي تستولي على اهتمامه وتركيزه ورغباته ولا تترك لمجالات الحياة الأخرى تأثيرا يذكر في حياة المضارب الذي ينخرط في عملياتها.

وهناك تأثيرات كبيرة تتركها البورصة في السماسرة المضاربين داخلها فشهوة الكسب تطغى على أي شهوة سواها لذلك تجد عددا كبيرا من الشباب العاملين في هذا الحقل عازفين عن الزواج لا لظروف خارجة عن الإرادة وانما لرغبة كأمنة لدى كل منهم في ألا ينافسه أحد حتى ولو كانت زوجته في عشقه واهتمامه بالبورصة والأسهم والأوراق المالية.

ومع الإغراق الشديد في العشق المادي للأرباح والأموال وفترات جني الأرباح في الأسهم الصاعدة والهابطة فهناك مسحة دينية صوفية تظل تميز هؤلاء المضاربين سواء كان مسلمين أو مسيحيين، حيث يكثرون من الدعاء والابتهال ليحوزوا الخير الوفير ولتوفقهم السماء بصعود الأسهم التي اشتروها سواء كانت تلك الأسهم في شركات حديد أو أسمدة أو اتصالات، وبالإضافة إلى تأثير البورصة على المضاربين في عزفهم عن الزواج أو ميلهم للصوفية الدينية فهي أيضا تؤثر في أسلوب إنفاقهم للأموال، وتكسبهم إحدى صفتين إما البخل الشديد أو الإسراف والتبذير.

عزوبية وأسهم < علاء رمزي أحد المضاربين في البورصة في الأربعين من عمره يعيش وحيدا ويقضي نصف وقته أمام شاشات تداول الأوراق المالية مراقبا صعود الأسهم وهبوطها ويقضي نصف وقته الآخر في مفاوضات ومناقشات مع زملائه المضاربين من اجل الوصول لمعلومة تفيده في مضارباته في اليوم التالي في البورصة.

ويصف علاء رمزي حياته بأنها مرضية تماما بالنسبة له فلا يشعر باحتياج للتزاور مع الاقارب والأصدقاء خارج دائرة البورصة والاقتصاد ولا يشعر باحتياج أو رغبة في الاقتران بزوجة وتكوين أسرة وإنجاب أطفال فكل أحلامه وطموحاته تنحصر في تلك الذبذبات القصيرة التي تحدثها الأسهم صعودا وهبوطا ومعها قد تتوقف دقات قلبه إما فرحا أو كمدا. ورغم هذه الحياة التي يصفها علاء بأنها الحياة على حافة الخطر فان متعة ربح الوف الجنيهات في لحظة تفوق أي متعة أخرى في الحياة من وجهة نظره.

ويقول علاء رمزي لا يمكن ان أتزوج وارتبط بأسرة يمكنها أن تتحمل معي هذه الحياة ففي يوم يمكن أن أحقق أرباحا بالآلاف وفي يوم آخر اخسر كل أموالي في لحظة ومن غير الانصاف أن اظلم زوجة وابناء في هذه الحياة غير المستقرة. ويشير احمد القماطي أحد المضاربين في البورصة وهو في الثلاثينات من عمره إلى أن البورصة عالم يجمع أنماطا مختلفة من المجتمع ومن مختلف المهن فهناك المحاسب والطبيب والمحامي والمستثمر طويل الأجل وهم يبحثون عن عائد مادي مضمون غير محفوف بنسبة مخاطرة عالية بعكس مضارب البورصة فهو متفرغ بشكل كامل وعمله الوحيد هو المضاربة في الأسهم كل يوم، وهو لا يعتمد على راتب أو تأمين أو أي عائد من أي جهة لذلك فحياته مرتبطة بالبورصة ومرتبطة بدرجة عالية من المخاطرة فهو في طبيعته مغامر وأحيانا مقامر وهذا التكوين النفسي عكس طبيعة الاستقرار في الزواج، لذلك فمن يدخل البورصة مضاربا فهو يتخلي عن فكرة الزواج إذا لم يكن متزوجا قبل أن يضارب في البورصة.

ويقول احمد القطامي، المضارب يعزف عن الزواج لان حسابات البورصة المالية تؤثر أيضا في حساباته الاجتماعية فيقارن أيهما افضل واكثر متعة بالنسبة له أن يضع نصف مليون جنيه في تكاليف زواج أم أن يضعها في اسهم تحقق حلمه في الثروة والإجابة بالطبع ستكون محسومة لصالح الاختيار الأخير.

ويقنع المضارب نفسه بتأجيل فكرة الزواج حتى يحقق الثروة، وبمرور الوقت ومع التأرجح بين تحقيق الثروة وتكبد الخسائر تتلاشى فكرة الزواج وتأسيس أسرة حتى تصبح من أحلام اليقظة أو الخيال.

ويتفق القطامي مع القول بان المضاربين بالبورصة يميلون للنزعة الدينية قائلا، ان المضاربة تتعلق بقدر كبير من الغيبيات وكل مضارب يتضرع إلى الله أن يكرمه ويحقق تنبؤاته في ارتفاع الأسهم وتحقيق أرباح وتختلف في ذلك طبيعة الشخص عن الآخر بمقدار ما يختلف ايمانه، أما بالنسبة لقطامي فهو يشير أن طبيعته الدينية تفرض عليه التعامل مع الأسهم البعيدة عن الشبهات فهو لا يضارب في الأسهم التي يوجد بها حرمانية مثل اسهم شركات المشروبات الروحية أو الدخان والسجائر أو الفنادق.

بخل شديد < ويشير احمد القطامي الى أن البورصة تؤثر أيضا في المضاربين في اهتمامهم بمظهرهم وتؤثر في أسلوب إنفاقهم للأموال اما بالبخل الشديد أو الإسراف الشديد. ويقول ان كل ما يفكر به المضارب هو الأموال، فطموحه كله مادي ومقياس نجاحه وتفوقه هو الأموال، وما يحققه من أموال وليس ما يرتديه لان الاستغراق في دوامة البحث عن المعلومة التي تؤدي إلى صعود الأسهم وجني الأرباح ومراحل القلق والترقب حتى الوصول إلى الربح تجعل مضارب البورصة يغفل اهتمامات أخرى كثيرة منها هندام ملابسه وأحيانا تمشيط شعره كما أن صعوبة مرحلة القلق والترقب حتى تحقيق الربح تجعل الأموال عزيزة على قلب المضارب، لذلك فالمضارب يكون عادة شديد البخل لان الأموال جاءت بعد قلق واضطراب ومتعة الربح تجعله يريد استثمار ما ربحه في عمليات أخرى تحقق له أرباحا اكثر واكثر لذلك يؤجل شراء احتياجاته مرة تلو الأخرى وفي النهاية لا يشتري شيئا، أو النقيض وهو الأقل شيوعا أن تجد مضارباً مسرفاً اشد الإسراف في أمواله على اعتبار أن ما جاء بسهولة يذهب بسهولة فهو يربح آلاف الجنيهات في دقيقة، وقد يخسرها أيضا في دقيقة لذلك فهو لا يدرك بعد فترة قيمة الجنيه في حد ذاته ويستمتع اكثر بالمخاطرة والقلق والترقب وتحقيق المكسب سوءا كان بضعة جنيهات أو آلاف الجنيهات.

السيدات المضاربات < وفي الوجه الآخر للصورة تؤثر البورصة بصورة اعمق على السيدات اللاتي يضاربن فيها فالمشاكل تلاحقهن عازبات أو متزوجات فالمضاربة التي لم تتزوج تكون مطمعا للآخرين لأنها تحقق أرباحا وهي في نظرتها للعريس المتقدم تنظر بعين مادية وتحسبها بحساب المكسب والخسارة وليس بحسابات العواطف لذلك يتأخر كثيراً طابور العرسان لدى الآنسة المضاربة في البورصة، تقول مضاربة أما زوجي فهو الحمد لله ميت!! وتضيف أنعام أصبت بالطبع بالضغط المرتفع من جراء القلق والترقب لكن بعد وفاة زوجي أنا اكثر هدوءا الآن!! أمراض البورصة < ويقول إبراهيم الصعيدي أحد المضاربين القدماء في البورصة وهو في العقد السادس من عمره ان البورصة مثل البحر هناك أمواج ترفع براكبيها إلى فوق أمواج أخرى تؤدي إلى الغرق، فهناك مضاربون دخلوا البورصة واستطاعوا تحقيق مكاسب كبيرة وربنا كرمهم، وآخرون انهاروا وأفلسوا وخرجوا من البورصة تلاحقهم الديون والأمراض. ويؤكد الصعيدي أن كل من يضارب في الأسهم والأوراق المالية لا بد أن يعاني من أمراض مرتبطة بالبورصة بشكل وثيق مثل أمراض ارتفاع ضغط الدم واضطراب الغدد وأمراض القلب، لذلك فهو ينصح مضارب البورصة اما أن يكون متمتعا بصحة جيدة وقلب يتحمل الصدمات لكي يستمر في هذه المهنة الخطرة أو لا يضع استثماراته كلها في سلة واحدة لأنه شاهد بنفسه مضاربين انهاروا مع انهيار أسهمهم وخسروا أموالهم ولم يتحملوا ذلك وماتوا من اثر الصدمة أو من تأثيرها على القلب أو المخ.

وفي شركات السمسرة هناك أيضا مضاربون لنصف الوقت موظفون أو يمارسون أعمالا حرة ويضاربون أيضا في البورصة سعيا وراء تحقق أرباح يقول «م.ع» ورفض ذكر اسمه لأنه يعمل بإحدى الجهات الحكومية انه يضارب في البورصة منذ عام 1997 وقد عانى من الخسائر المتوالية لكنه في كل مرة كان يصمم على المضاربة محاولا تحقيق أرباح تعوض خسارته فالبورصة كما يصفها «مكسبها سهل وخسارتها اسهل وكلما تكررت الخسائر تكرر الأمل والإصرار علي المضاربة أملا في الربح في النهاية فالخروج نهائيا من البورصة صعب على من يعتاد المضاربة.

أما محمد عبد اللطيف فهو يعمل محاميا ولديه مكتب كبير ما جذبه إلى المضاربة في البورصة، كان في البداية حب استطلاع ومحاولة فهم لكيفية تداول الأوراق المالية ثم أصبحت متابعة يقظة لكل ما يدور في داخل البورصة ثم أصبحت مشاركة في الشراء والبيع، واستحوذت بعدها البورصة على كافة اهتماماته حتى صداقاته أصبحت مقتصرة على المضاربين زملائه، يتحدثون طوال الوقت بعد انتهاء جلسات البورصة في محاولة لاستطلاع أي أخبار لبداية يوم جديد للبورصة في اليوم التالي. وعاصم محمد حجازي من الشباب الذي عشقوا المضاربة في البورصة فهو يعمل مهندسا وتعرف على البورصة من خلال والدته التي كانت تشغل منصب مدير بنك، وبدأ المضاربة في البورصة منذ كان طالبا بالكلية وبعدما تخرج وعمل كمهندس معماري في الإمارات ثم قبرص عاد بما جمعه من أموال ليضارب في البورصة المصرية، وهو يشير الى أن البورصة تحتاج إلى ذهن متيقظ وقدرة على التحكم في النفس، فأحيانا يكون الطمع في تحقيق مكاسب اكثر، والمضاربة على المكشوف سببين في تكبد خسائر فادحة، وهو يؤكد أن معظم من يضارب في البورصة يعاني من ارتفاع ضغط الدم من شدة القلق، لكن فرحة الربح لا تعادلها متعة أخرى.. ويقول عاصم انه غير عازف عن الزواج لكنه يرجئ هذه الخطوة إلى الوقت المناسب!