ميغ وايتمان: من مديرة عادية إلى أقوى سيدة أعمال في العالم

TT

اختارت الاسبوع الماضي مجلة «فوربس» الاميركية ميغ وايتمان، 49 سنة، المديرة التنفيذية لموقع المزاد الإلكتروني على شبكة الإنترنت (eBay) كخامس اقوى امرأة في العالم، وكأقوى سيدة اعمال في العالم. وقالت المجلة ان وايتمان استحقت ذلك اللقب لانها تقود حاليا اكبر «مزاد إلكتروني» في العالم، كما انها استطاعت ان تتغلب على منافسين اقوياء مثل «ياهو» و «امازون»، هذا فضلا على انها شخصيا تملك ثروة تقدر بنحو 1.6 مليار دولار.

وتحولت المديرة العادية التي لم يسمع عنها الكثيرون، الى اقوى سيدة أعمال في العالم خلال فترة لا تتعدى عدة السنوات. ومنذ تسلم الاميركية ميغ وايتمان، 49 سنة، منصب المديرة التنفيذية لـ «eBay» في مارس (آذار) 1998 نمت عائدات الشركة من 5.7 مليون دولار لتصل في الوقت الراهن الى نحو 4 مليارات دولار، فيما وصلت قيمتها السوقية الى حوالي 9.7 مليار دولار مع بداية الشهر الحالي طبقا لأسعار الاسهم في بورصة نيويورك. ومن أجل جعل الصورة أكثر وضوحا فان الشركة أصبحت الاسرع نموا في التاريخ، وبالتأكيد أسرع من مايكروسوفت أو ديل وحتى أي شركة أخرى على مستوى العالم خلال السنوات الثماني الماضية. ومن المتوقع ان تتجاوز ارباح الشركة التي تاسست عام 1995 مع نهاية العام الحالي 1.5 مليار دولار وهذه النسبة الكبيرة من الارباح لم تتحقق بسبب ان الشركة لا تشتمل على مخزونات أو مصانع أو عدد كبير من الموظفين فحسب، بل لان زبائن الشركة هم الذين يؤدون الوظائف. ومن المتوقع ان يقوم خلال العام الحالي نحو 157.3 مليون مستخدم لموقع الشركة باختيار البضائع وتحديد الاسعار واتمام كافة عمليات البيع والشراء، ومن ثم شحن بضائع تقدر قيمتها بنحو 39 مليار دولار. وهذه الحركة التجارية الضخمة والإلكترونية في آن تقودها ميغ التي يخضع لقيادتها اكثر من 8 الاف موظف في نحو 30 دولة.

وبحسب دراسة اجراها مركزACNielsen فان اكثر من مليوني اميركي يعتمدون بشكل كبير في دخلهم على مبيعاتهم عبر موقع «ايه باي» هذا فضلا على ان مستخدمي الموقع في اميركا لوحدها قاموا ببيع بضائع تصل قيمتها الى نحو 10.6 مليار دولار في النصف الاول من العام الحالي. ميغ التي تعد الاصغر بين 3 اشقاء، ترعرعت في جزيرة لونغ الاميركية، وذهبت للدراسة الى برينستون حيث حصلت على شهادة في الاقتصاد، وبعدها درست ادارة الاعمال في جامعة هارفرد العريقة. ومن ثم انضمت الى شركة «بي اند جي» للتخصص في الماركات التجارية، وبعدها التحقت بشركة «بين» لتتعلم فن الاستراتيجيات التسويقية. ولم يمض وقت طويل حتى التحقت ميغ بشركة ديزني للعمل في مجال الاستراتيجيات الاستهلاكية، الا انها سرعان ما اضطرت الى ترك العمل لتتبع زوجها غاريف هارش الجراح المعروف الذي انتقل لوظيفة جديدة في شرق الولايات المتحدة. وهناك عملت وايتمان مع عدة شركات أهمها «سترايد رايت» و«إف تي دي» و«هازبرو»، وفي الحقيقة كانت تتولى مناصب قيادية، الا انها لم تكن معروفة في عالم الاعمال لانها اصلا لم تكن تسعى لان تصبح «نجمة» حيث كانت تولي عنايتها لتربية ابنيها. لكن الخلفية القوية التي كانت تملكها ميغ في السوق الاستهلاكي جلبت انظار المستثمر الاميركي بوب كاغل الذي دعم «eBay» وكان انذاك يبحث عن مدير تنفيذي لقيادة الشركة. وفي عام 1998 تولت ميغ ادارة الشركة، لكنها اكتشفت بسرعة ان ادارة «ايه بايي» كانت اصعب مما كانت تتصور ذلك انه كان عليها ان ترضي المساهمين، وفي الوقت نفسه كسب ود عملاء الشركة الذين يكسبون قوت عيشهم من خلال البيع والشراء عبر موقع الشركة، الامر الذي يعني ان ميغ كان عليها ان تتصرف اكثر من مجرد مديرة تنفيذية.

ومن خلال «eBay» تجد ميغ نفسها «النجمة الشهيرة» التي تحضر احتفالات آلاف من مستخدمي موقع الشركة والقيام بتوقيع القمصون او البطاقات التجارية، وفي الحقيقة فان ميغ ليست مجرد «ايقونة» فحسب، بل انها الصديق الحميم ايضا لكافة مستخدمي موقع الشركة، وتقدر ميغ هذا الامر بقوة وهي تردد دائما ان نجاح الشركة يتوقف دائما على نجاح عملائها. وربما كانت اهم صفة تتمتع بها ميغ انها انسانة عادية وأم حريصة وتتعامل مع الناس على هذا الاساس، بمعنى انها لديها نفس الوجه في المنزل او الشركة. ومن الوهلة الاولى تبدو الفلسفة الاقتصادية للشركة بمنتهى البساطة، فأولا يتم اختيار مكان التبادل التجاري عبر موقع «ايه بايي» الإلكتروني، وبعدها يقوم البائعون باستقطاب المشترين، وهؤلاء بدورهم يقومون بجذب المزيد من البائعين وهكذا دواليك. الا اننا اذا تعمقنا في الامر فان الوضعية تختلف تماما، فادارة «eBay» هي أعقد بكثير مما يبدو للعيان، ولعل وايتمان وفريقها المخلص يقومان ببناء شركة المستقبل أو «موديل» مؤسسات القرن الواحد والعشرين التي تتمتع بأقل عدد من الموظفين، وبأكبر نسبة ممكنة من الارباح المالية. ويمكن القول هنا ان ادارة «ايه بايي» تتضمن نوعا من الابداع والخيال، حتى ان السلطة أو القوة التي تتمتع بها وايتمان تعتبر هي الاخرى غير مألوفة، فهي لا تملك تلك السلطة المعروفة من «تحكم» و«سيطرة»، مثلما هو الحال مع الشركات التقليدية، بل على العكس من ذلك فان ميغ تملك «سلطة» أكثر تعقيدا، حيث يشير المراقبون الى انها قضية لا تتعلق بالتحكم او السيطرة أو بمقدار حجم الشركة، بل انها مرتبطة بشكل كبير بدائرة النفوذ. وبالطبع فهناك بعض الخطوات الاساسية التي ينبغي اتخاذها قبل توسيع دائرة النفوذ، مثل بناء المصداقية التي من الصعب هزها، والتي تتمثل بكل بساطة في ان تفعل ما تقول. ربما يبدو هذا الامر عاديا، لكن من المدهش عندما نرى ان عددا غير قليل من المديرين التنفيذيين لا يتبعون مثل هذه القاعدة.

ووفقا لما قاله المحلل الاقتصادي أنتوني نوتو الذي يعمل لدى مؤسسة غولدمان ساش «من كافة الشركات التي تعاملت معها لم أجد الا eBay التي استطاعت تحقيق كافة أهدافها»، ولعل الفضل يعود في ذلك الى ميغ وايتمان، وعلى سبيل المثال فانه في عام 2000 عندما كانت عائدات الشركة 431 مليون دولار، أعلنت ميغ ان «ايه بايي» ستحقق عائدات ستصل قيمتها الى 3 مليارات دولار بحلول عام 2005، ومن دون استغراب فان عددا محدودا من المستثمرين صدقوا مثل هذا التصريح، حتى ان الشكوك امتدت انذاك الى مجلس الادارة نفسه الذي تقوده ميغ. وفي الوقت الراهن تجاوزت عائدات الشركة ذلك الرقم وحققته قبل الموعد المرسوم بنحو السنة تقريبا، لا بل ان هذا الرقم سيصل الى 4 مليارات دولار.