رجل الأعمال المصري علاء رائد هاشم: النجاح هو فن استقطاب المعارضين للتغيير

TT

كثير من شباب رجال الأعمال في مصر بعد أن انهوا دراستهم في الجامعات الأجنبية، خرجوا إلى سوق العمل ليجدوا آباءهم قد أعدوا لهم مناصب قيادية في شركاتهم ليقودوا المسيرة . وعلاء رائد هاشم نموذج من هؤلاء الشباب فهو يشغل حاليا منصب مساعد العضو المنتدب لشركة ماك للسجاد والموكيت وعضو مجلس الإدارة، وهو لم يتجاوز الثلاثين من عمره، ويعترف بأن هذا المنصب الهام جاء نتيجة ترشيح والده له في عدة مناصب كمدير تسويق ثم مدير تصدير وصولا الى منصبه الحالي، خاصة أن والده هو رائد هاشم العضو المنتدب للشركة وأحد المالكين في أسهمها. لكن الوضع ليس بهذه السهولة والبساطة، فقد اصطدم علاء بجبهة معارضة قوية داخل الشركة ومن شيوخ المهنة والخبراء لصناعة الموكيت والسجاد الذين استهجنوا أن يرأسهم شاب خريج جديد يريد أن يضع نظاما جديدا للتسويق والتصدير وأن يتبع القواعد الإدارية النظرية التي تعلمها في الجامعة.

كان تحديا صعبا، أن يتعامل مع أربعة آلاف موظف وعامل في الشركة، منهم من اقتنع بفكرة واندفع ليساعده ومنهم من ترقب ما الذي سيفعله ليقرر بعدها هل يشارك في هذا التغيير أم لا ومنهم من قاوم منذ البداية، بل واعترض على الشخص اساسا وعلى فارق السن والخبرة، وعلى الشخصية والأسلوب أي ما يتصل بما يسميه علاء رائد هاشم «الكيمياء البشرية» لكنه في النهاية أن يكتسب ثقة جبهة المعارضة خلال سبع سنوات منذ بداية عمله بالشركة عام 97 إلى الآن، فالإنجاز والنجاح الذي يفخر به هو نجاحه على التعاون مع جميع العاملين حتى وصلت مبيعات شركته العام الماضي 630 مليون جنيه، وينسب هذا النجاح إلى منظومة العمل التي يشارك فيها كل عامل وموظف.

علاء هو الابن الأكبر في أسرة رائد هاشم رجل الصناعة المعروف وله أخ وحيد يعمل في سلك التدريس الجامعي في مجال التكنولوجيا الحيوية، وهو من مواليد أكتوبر 1975 وتلقى تعليمه الثانوي في المدرسة الأميركية ثم تعليمه الجامعي في الجامعة الأميركية ودرس العلوم رغم ميله لدراسة الإدارة ولكن مجموع درجاته لم يؤهله للالتحاق بقسم إدارة الأعمال بالجامعة وفي تلك الفترة تشكلت أهدافه، فيقول: كان زملائي وأصدقاء يريدون السفر للخارج والعمل في الشركات العالمية لان فرص العمل هنا في زمن الدراسة من عام 92 إلى 1997 كانت ضعيفة نتيجة للضربات الشديدة التي تلقاها الاقتصاد المصري حينذاك من حادثة الأقصر إلى حروب العراق وغيرها، ولذا كان الجميع يفكر في السفر خارج مصر، لكني حسمت هذه القضية برغبتي في العمل في مصر مهما تكن الظروف، لأني سأكون ضيفا على البلد التي سأسافر لأعمل بها حتى لو حملت جنسيتها، وكانت رؤيتي أن نعمل كمجتمع رجال الأعمال على إصلاح السلبيات الموجودة في مصر بدلا عن الحل السهل وهو الابتعاد والهجرة.

بعد تخرجي في الجامعة عملت في مجال تسويق العقارات وحدي ومعي سيارتي وجهاز الموبايل والكمبيوتر المحمول، وكأنه مكتب متنقل وعملت قاعدة بيانات للراغبين في البيع والراغبين في الشراء ونجحت في هذا المجال بصورة «مرضية» لأنه في تلك الفترة عام 1991 كان تداول العقارات يتم بصورة بدائية إما عن طريق المعارف أو مكاتب السمسرة التقليدية.

بعد عام كان التحول في حياة علاء من مجال العقارات إلى مجال السجاد والموكيت وكان السبب الحريق الذي شب في مصنع والده في أواخر عام 1997 وأدى إلى خسائر مادية كبيرة، ويقول علاء: كان أبي متأثرا بشدة بسبب ارتباطه العاطفي بالمكان الذي بناه طوبه طوبه رغم أن مبلغ التأمين كان يغطي الخسائر وأحسست أن مكاني هو أن أكون بجوار والدي رغم أنني لم أكن أخطط للعمل معه، وعرضت عليه رغبتي في العمل معه فرفض رفضا شديدا قائلا إنه لا يحب القرارات العاطفية وأن قراري هو وليد إحساسي بالتعاطف معه، وألححت عليه وأوضحت رغبتي الجادة في العمل، فكان شرطه الوحيد هو أن آخذ الأمر بجدية لا مجال فيها للفشل، وبدأت بالفعل العمل كمدير تسويق واختارني والدي لهذا المنصب كبداية حيث لم يكن هناك إدارة للتسويق فكنت صابرا على نفسي وبدأت أتعلم وأعرف مزايا منتجاتنا ومزايا منتج المنافسين لنا، لأن عملية التسويق ترد على إجابة سؤال «لماذا اشتري منك» وأمضيت عشرة أشهر أتعلم الإجابة على هذا السؤال من خلال التواجد في كافة عمليات التصنيع.

ثم رشحني والدي بعدها لأتقلد منصب مدير التصدير لمنطقة الشرق الأقصى بعد استقالة المسؤول عن المنصب، ووضعت خبرة التسويق مع خبرة التصدير خاصة بعد أن أصبحت مسؤولا أيضا عن التصدير لمنطقة أوروبا وفي عام 2001 رشحني والدي لأتولى منصب المشرف على العمليات الإنتاجية والمشتروات بعد مرض الشخص الذي كان يتولى المنصب وأنشأنا لجنة فنية لتطوير أداء الإنتاج وإدارته في الشركة ونجحنا في ذلك، ثم رشحني والدي لمنصبي الحالي وهو مساعد العضو المنتدب وعضو مجلس إدارة الشركة لشؤون العمليات مما أعطاني صلاحيات كثيرة في العمل. ويواصل علاء: نعم لقد أخذت فرصا ذهبية لان والدي هو العضو المنتدب لكنه لم يفرضني فقد اجتهدت وبذلت أقصى ما في وسعي لاكون جديرا بتلك الفرص، وأريد أن أنظر لنفسي كعامل مساعد في نجاح منظومة العمل، لأنه لا يوجد شخص ينجح بمفرده فالشركة حققت نموا كبيرا بفضل العمل المتعاون، ففي عام 81 عند نشأتها كان يعمل بها خمسون عاملا الآن أصبح عدد العمال أربعة آلاف عامل، وكان حجم مبيعاتها عام 81 مليون جنيه سنويا الآن تجاوز 630 مليون جنيه ويمكن أن ادعي لنفسي أنني ساهمت في شيء من ذلك بنجاحي في التعاون مع العاملين. وبالطبع كان هناك جبهة معارضة لأكثر من سبب أولها فارق السن مما خلق ابتعادا وتحفزا لهذا المدير الشاب القادم دون خبرة خاصة مع بعض المسؤولين الذين يمتلكون خبرة ستة عشر عاما على الأقل في مجال صناعة السجاد والموكيت وهناك من يعترض على الشخصية وأسلوب الكلام بصفة عامة وقد تعاملت مع جبهة المعارضة من خلال تجربة طرق مختلفة بعضها أخفقت فيه ونتج عنه زيادة الفجوة والمعارضة والبعض الآخر نجحت فيه واستطعت جذب عدد من المعارضين لصفي. فقد حاولت أن أتعامل معهم من خلال أسلوب «المسايسة» والاحترام الزائد ففشلت، حاولت أن أتعامل بسياسة المواجهة في الحق واستخدام السلطات والصلاحيات المخولة لي وفشلت أيضا، حاولت استخدام أسلوب الحزم والحدة وفشلت لان الحزم يفسر عندنا في الثقافة المصرية أنه عدم احترام خاصة لو جاء من شخص أصغر سنا، ووصلت إلى معادلة أن أطلب الشيء بقدر كبير من الاحترام دون تفريط في الطلب. وأن أجعل الموظفين مشاركين معي في القرار والمشورة وإبداء النصح والرأي، وعندما أخطئ أعترف بالخطأ وأحاول إصلاحه وإصلاح نتائجه، وقد اعترفت أمام الجميع أن كل المناصب التي تقلدتها كانت أكبر مني وطلبت مساعدتهم والتزمت أمامهم بالإخلاص والتفاني في العمل، وبالفعل سارت روح المشاركة في إقناع كثير من جبهة المعارضة أن يشاركوا بدلا من مقاومة التغيير.

ويقول علاء: أنا عادة اسأل أي شخص أكثر مني علما وخبرة وأسأل والدي وزملائي والمرؤوسين وأبحث في الإنترنت وفي خبرات الشركات الأخرى لكن هذا الأسلوب يسمونه في الإدارة المشاركة بالمشورة وليس معناه الديمقراطية بحيث يغلب رأي الأغلبية وإنما يغلب قرار الشخص المسؤول وأحيانا كان قراري يجيء متسرعا، وكان والدي يكبح جماح طموحي وهو ميزان لحياتي وينصحني دائما بالتروي في لحظات أكون فيها شديد الحماس. والآن لا أعلم ماذا كان سيحدث لو لم يكن والدي رائد هاشم ولا أستطيع أن أتنبأ بشيء لم يحدث! ويقول علاء: إن النجاح نسبي فالأرباح ليست الحكم على النجاح، المهم الطريقة أو الطريق، لان الحياة رحلة، ليس المهم فيها الوصول لنقطة النهاية وانما المهم هو الاستمتاع بالرحلة والمشوار، ليس الهدف أن أصل إلى أعلى منصب ولكن أن يكون منصبي سببا في رضاء من حولي وسعادتي من سعادتهم.