مؤسسات مالية إسلامية ناشطة في منطقة الخليج ارجأت مخططاتها لدخول السوق

ضبابية الأوضاع وغياب الآليات وقنوات التمويل يؤخران تنشيط الصيرفة الإسلامية في لبنان

TT

سجل اهتمام المؤسسات المالية والمصرفية ذات الطابع الاسلامي تراجعاً لافتاً في توجيه جزء من اعمالها او استثماراتها الى لبنان، وتحول بعضها الى اسواق بديلة، بانتظار تطورات جديدة تعيد اهتمامها الى هذا السوق.

وعلمت «الشرق الاوسط» ان مؤسسات مالية اسلامية ناشطة في منطقة الخليج ارجأت مخططاتها لدخول السوق اللبناني، ارتباطاً بالتطورات العامة التي تلت حادثة اغتيال الرئيس رفيق الحريري من جهة، وعدم اكتمال او تأخير البنية القانونية والسوقية للعمليات المالية والمصرفية ذات الطابع الاسلامي من جهة اخرى.

واذ يصنف مسؤولون مصرفيون وخبراء «الارباك السياسي والأمني» ضمن العوامل الكابحة لمجمل النمو والنشاط الاقتصادي في لبنان، فانهم يصنفون التأخير في استكمال البيئة والبنية المناسبتين لاستقطاب وتنشيط العمل المصرفي والمالي الاسلامي في خانة الاهمال او التقصير غير المبرر احياناً، سيما ان القانون الاساسي لتنظيم اعمال المصارف الاسلامية صدر قبل حوالي 18شهراً، كما صدر جزء هام، من التعاميم التطبيقية مطلع العام الجاري وبوشر بمنح التراخيص القانونية لانشاء المصارف الاسلامية.

ويلاحظ الخبراء «ان البنك المركزي فرض مواصفات نوعية عالية لمنح تراخيص انشاء المصارف الاسلامية، لكنه يتأخر حتى الآن، في معاونة هذه المصارف على ايجاد السوق المناسبة لتوظيف رساميلها وودائعها، على غرار المصارف التجارية التي توظف شرائح اساسية من موجوداتها في سندات الخزينة الحكومية وشهادات الايداع واليوروبوندز الصادرة عن وزارة المال والبنك المركزي».

وفي واقع الامر، فان المصرف المركزي فرض ضمن شروط تأسيس المصارف الاسلامية، حداً ادنى للرأسمال بقيمة 100مليون دولار لغير المؤسسات المصرفية العاملة، و20 مليون دولار للمصارف الراغبة بتأسيس وحدة مصرفية اسلامية مستقلة. على ان يكون رأسمال المصرف المؤسس فوق مستوى 100مليون دولار، وهذا يعني ان المصارف اللبنانية العشرة الاولى فقط مؤهلة لطلب التراخيص، فيما يتوجب على الآخرين زيادة اموالهم الخاصة الى المستوى المطلوب.

وبالمقارنة مع المصارف التجارية او مصارف الاعمال، فإن الحد الادنى للرساميل المطلوبة يبلغ حوالي 6.6 مليون دولار (10مليارات ليرة) للمركز الرئيسي مع اضافة 250 الف دولار لكل فرع. من دون اغفال ان البنك المركزي توقف منذ سنوات عن فتح تراخيص جديدة لمصارف تجارية، لكن لا يزال متاحاً امام المؤسسات المحلية او الوافدة تأسيس مصارف اعمال يمكنها التوظيف في سندات الخزينة والاصدارات الدولية. ويمكنها ايضاً خوض بعض عمليات التمويل ذات الطابع الاسلامي.

ويلاحظ في هذا السياق، ان المصارف التي حصلت على تراخيص بانشاء مصارف اسلامية هي مصارف عاملة اصلاً في السوق المحلي، وهي البنك الاسلامي اللبناني (تابع لمجموعة الاعتماد اللبناني)، بنك لبنان والمهجر الاسلامي (تابع لمجموعة بنك لبنان والمهجر)، بنك بيت التمويل العربي (بدأ اعماله قبل سنتين كمصرف اعمال)، فيما يتم استكمال رخصة بنك البركة العامل في لبنان منذ سنوات برخصة مصرف تجاري.

ويؤكد مصرفيون متابعون لهذا الملف، ان وتيرة الاهتمام بالحصول على تراخيص جديدة تقلصت بشكل واضح منذ اشهر، ويكاد الامر يقتصر على مصرف او مصرفين محليين ايضاً، بعدما كانت مؤسسات مالية خليجية قامت بدراسات وافية وعقدت اجتماعات مباشرة مع مسؤولين في البنك المركزي تمهيداً للتقدم بطلبات تراخيص. ويعتبر المصرفيون «ان لبنان في احوج ما يكون حالياً لاعادة استقطاب المؤسسات المالية الاسلامية عبر سلة متكاملة من الحوافز والتشجيع تشمل ايجاد الآليات والقنوات المناسبة لتنشيط الاعمال والتمويل، خصوصاً ان هذا الاستقطاب، ينسجم تماماً مع التطلعات لتنمية دور بيروت كمركز مالي وخدماتي متقدم في المنطقة، بالنظر الى المكانة التي بلغها القطاع المصرفي الاسلامي في المنطقة والعالم وادارته لموجودات تزيد عن 260 مليار دولار اميركي».

ويعاني لبنان، منذ شهر فبراير (شباط) الماضي بفعل حادثة اغتيال الرئيس الحريري، تراجعاً في مجمل مؤشراته الاقتصادية، والاهم فيها موارده من العملات الصعبة بعد خروج حوالي ملياري دولار من الودائع الموظفة في المصارف المحلية من جهة، وانخفاض الايرادات السياحية بنحو 600 مليون دولار من جهة مقابلة، وهذا ما اسهم بتراجع واضح في ميزان المدفوعات زاد عن 1900مليون دولار في النصف الاول من العام الجاري.

وكان من المتوقع، ان يبادر مصرف لبنان المركزي الى طرح اوراق مالية اسلامية مسندة بمحفظة عقارية تابعة له بقيمة تتراوح بين 300 و400 مليون دولار، تمهيداً لطرح اوراق مشابهة مسندة بعقارات القطاع المصرفي بقيمة اجمالية تصل الى 1500مليون دولار، مما يشكل مجالاً اضافياً لجذب رساميل خارجية والمساهمة بتصحيح المؤشرات وخلل ميزان المدفوعات.

وفي معلومات لـ «الشرق الأوسط» ان احدى المؤسسات المالية الدولية (بي. ان. بي. باريبا) التي عينها البنك المركزي مستشاراً لهذا الاصدار، انجزت استطلاعات واعدة في منطقة الخليج تمهيداً لتنفيذه، لكن ظهور عقبات قانونية وادارية متكررة ادى الى تأجيل متكرر للموعد المتوقع للاصدار. رغم التزام المؤسسة بتأمين الجزء الاكبر من الاكتتابات فيه من خارج لبنان.

ومن شأن هذا الاصدار في حال تنفيذه، التأسيس لسوق اوراق مالية مناسبة لعمل المصارف الاسلامية، وكذلك حفز المصارف الخاصة على تشغيل محافظها العقارية باصدارات مشابهة، مما يسهل جذب رساميل خارجية من مصادر لم يعتادها السوق المحلي سابقاً.

ويؤكد مصدر متابع وعلى صلة بالمؤسسة الدولية، «ان الكرة الآن في ملعب البنك المركزي، وحاجة لبنان الى هذه العمليات وسواها لتنشيط اقتصاده واستعادة نموه اكثر من ملحة، وهذا ما يفرض المزيد من الانفتاح والتحرر في التعامل مع ادوات مالية جديدة وفي مقدمتها الادوات المالية الاسلامية على غرار ما اعتمده البنك المركزي ذاته، في ابتكار هندسات مالية لاستقطاب توظيفات داخلية وخارجية وكان آخرها اصدار «اليوروسيدي» الذي بلغت قيمته ملياري دولار».

ويؤكد مصرفيون على اهمية دور البنك المركزي في تسريع الاليات المطلوبة وتأمين الانخراط الفعلي للبنان في رحاب الصيرفة الاسلامية وبالتالي استقطاب المؤسسات والرساميل من الخارج خصوصاً في ظل ما تشهده منطقة الخليج من فورة مالية مرتبطة بارتفاعات غير مسبوقة في اسعار النفط، لانه بخلاف ذلك، فان جل ما يحصده لبنان من القانون رقم 575 (الخاص بتنظيم انشاء مصارف اسلامية) لن يتجاوز اطار اصدار بضعة تراخيص لمصارف ستواجه صعوبات كثيرة في ابتكار ادوات عملها والسوق المناسب لانشطتها.