تقرير: التهرب الضريبي يكلف البلدان النامية 500 مليار دولار سنويا

الخسارة تتجاوز المساعدات المالية المقدمة من الخارج

TT

حذر تقرير اقتصادي صدر اخيرا من عمليات تجنب دفع الضرائب وهروب الأموال بطريقة غير شرعية من قبل الشركات والأفراد في البلدان الفقيرة وهذا ما يكلف البلدان النامية ما مقداره 500 مليار دولار سنويا وهذه الخسارة تتجاوز ما تحصل عليه هذه البلدان من مساعدات مالية من الخارج.

وأكد التقرير انه من اللازم معالجة ذلك الحقل المتخصص في تقديم خدمات لتجنب دفع الضرائب على المستوى الدولي والذي تشارك فيه مكاتب محاسبة متعددة الجنسية وبنوك وشركات، إذا كان هناك حقا رغبة بإزالة الفقر حسبما يقول تقرير جديد صدر عن شبكة عالمية تضم عددا كبيرا من الاقتصاديين المعنيين بالتنمية.

وحسب التقرير الذي أصدرته «شبكة العدالة الضريبية» اخيرا تحت عنوان «استقطع الضرائب منا إن كنت تستطيع» يمكن تلمس الكيفية التي أصبحت الضرائب وفقها ساحة قتال أساسية في محاربة الفقر على المستوى العالمي.ويوجه التقرير توبيخا شديدا للمحاسبين والبنوك والشركات والمناطق التي أصبحت ملاذا من جباية الضرائب ـ والكثير من هؤلاء له علاقة ببريطانيا ـ لدورهم في الاستفادة المالية من أنشطة تؤول على تعميق الفقر وتهدد مصير الكثير من الدول وتزعزع مفهوم الديمقراطية. ويشدد التقرير على حاجة البلدان الفقيرة لرفع معدلات جباية الضرائب إذا كانت حقا تريد الهروب من دائرة الفقر.

وقال جون كريستنسن المنسق الدولي في شبكة العدالة الضريبية إن تنامي المناطق الخالية من الضرائب خلال العقود الأخيرة «تدل على نقص كبير جدا في الالتزام من قبل المجتمع الدولي لخلق إطار عمل لتجارة نزيهة وإدارة حكومية جيدة على المستوى العالمي».

واشار اندرو بدلتون الموظف الرفيع في منظمة «كريستيان أيد» الخيرية إن «هناك أزمة تتنامى في البلدان الفقيرة مع تدهور الخدمات العامة والبنى التحتية بسبب نقص الأموال. ويعتبر تجنب دفع الضرائب من قبل الأفراد الأثرياء والشركات متعددة الجنسية واحدا من أسباب ذلك.. كذلك فإن الزعماء الفاسدين والمجرمين والإرهابيين يخفون مكاسبهم التي حصلوا عليها بطرق غير شرعية من خلال نظام يشجعهم على تجنب الضرائب والكشف عما يمتلكونه».

ومن جانبه قال ستيفاني غريفيثس جونز الخبير المالي البارز في الأمم المتحدة إن ارتفاع معدل التهرب من دفع الضرائب هو «مؤذ بشكل خاص للبلدان النامية حيث يشكل إنفاق الحكومات لتمويل تنمية متواصلة وتقليص الفقر فيها».

وساعد هذا الحقل المتخصص في تقديم العون للأفراد والشركات كي يتجنبوا دفع الضرائب إلى تحويل ما يقرب من 11.5 تريليون دولار إلى حسابات موجودة في مناطق لا تنطبق عليها قوانين جباية الضرائب. ويصل فقدان الدخل الضرائبي سنويا على مستوى كل العالم إلى حد 255 مليار دولار سنويا ولو أن هذا المبلغ تم إنفاقه على معالجة الفقر لتم ردم الفجوة بين البلدان الفقيرة والغنية. وتركز النقاش حتى الآن حول الكيفية التي يجب أن تتبعها البلدان الفقيرة للخروج من حالة الفقر التي تعيشها من خلال التركيز على المطالبة بإلغاء الديون وزيادة حجم المساعدة. وعلى الرغم من أهمية عوامل كهذه فإنها ليست سوى أجزاء صغيرة من أحجية أكثر تعقيدا.

ولا يتطلب حل الأحجية توفر المال والمصادر فقط التي تتدفق إلى البلدان الفقيرة بل توفر القدرة على تنظيم الصفوف لمحاربة الفقر ووقف إهدار الطاقات وهذا غير متوفر غالبا في هذه البلدان.

تركز هذه المذكرة على أهمية جباية الضرائب في البلدان الفقيرة باعتباره جزءا أساسيا في الأحجية. ويشير بحث جديد قامت به شبكة من الاقتصاديين على المستوى العالمي تدعى «شبكة عدالة الضرائب» إلى أهمية جباية الضرائب باعتبارها وسيلة لجمع الأموال لتمويل عملية إزالة الفقر.

وتلعب الضرائب دورا حاسما في تطور المجتمعات العادلة. وجباية الضرائب بشكل تصاعدي مثل ضريبة الدخل والضريبة المأخوذة على الفوائد التي تحققها رؤوس الأموال هي الوسيلة الأساسية التي بواسطتها يمكن تحقيق إعادة لتوزيع الثروة بشكل عادل. كذلك فإن الضرائب هي حجر الأساس للديمقراطية، وهي تعطي الأفراد وأنشطة البزنز حصة مالية في المجتمع. مع ذلك فإن جباية الضرائب تواجه أزمة عميقة في البلدان الأكثر فقرا.

ففي العالم الغني يأتي دخل الحكومات من جباية الضرائب ووصل معدل نسبته ما بين 1990 و2000 إلى 30% من الناتج المحلي الإجمالي بينما في بلدان أفريقيا المجاورة للصحراء كان معدل الضريبة لنفس الفترة حوالي 17.9% وفي أميركا اللاتينية وصل إلى 15.1% أما في جنوب آسيا فلم يتجاوز معدله عن 10.5%.

وهذا الوضع أدى إلى تقلص المبالغ المتوفرة بيد حكومات البلدان الفقيرة لتوظيفها في مجال الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والعناية الصحية. كذلك تعرقل هذه النسب المتدنية من إعادة توزيع الثروات بطريقة أكثر عدالة على كل المجتمع.

وبين التقرير انه لذلك لم يكن مصادفة أن تصبح البلدان الفقيرة عاجزة عن زيادة دخولها المتأتية من جباية الضرائب. وهناك ثلاث استراتيجيات محددة في جباية الضرائب وهذه هي: التنافس الضريبي بين البلدان يعني أن البلدان الأكثر فقرا قد أجبِرت على تبني معدلات ضريبية أكثر انخفاضا وغالبا ما يكون التخفيض كبيرا وسريعا من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية.

كما افاد ان «لبْرلة» (من ليبرالية) التبادل التجاري قد أدى إلى حرمان البلدان الأكثر فقرا من الضرائب الناجمة عن السلع المستوردة وفي بعض الحالات تصل نسبة الفقدان إلى ثلث ما تحصل عليه بعض الحكومات من مداخيل.

واضاف ان ذلك الوضع ادى الى وجود بلدان لا تفرض الضرائب قد ساعد الأفراد الأثرياء والشركات المتعددة الجنسية إضافة إلى المجرمين والزعماء الفاسدين والإرهابيين لنقل ثرواتهم وأرباحهم إليها لتجنب دفع الضرائب في بلدانهم.