رمزي زقلمة: شركات السياحة المحلية مجرد منافذ بيع للكيانات العملاقة

رجل الأعمال المعتزل وشيخ السياحيين المصريين

TT

مشوار هذا الرجل قطع متنافرة ومتباينة من الاهتمامات والانتماءات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تتسم بقدر عال من القدرية، فقد انتقل من الصحافة إلى السياسة إلى السياحة ثم إلى السياسة مرة أخرى، وانتمى لطبقة الأرستقراطيين وأصحاب الأراضي والأملاك قبل الثورة ثم إلى طبقة الناصريين، واندرج في فئة المعتقلين السياسيين، ثم أصبح قطبا حزبيا مهما ووزير سياحة الظل في أحد أحزاب المعارضة.. قطع متباينة لكنها تشكل في النهاية لوحة فسيفساء واضحة اسمها رمزي زقلمة، أحد شيوخ مهنة السياحة وأحد الأقلام الفكرية الليبرالية المعروفة.

نشأ رمزي زقلمة في أسرة أرستقراطية في صعيد مصر تمتلك الأطيان، وتعثر في دراسة الزراعة واصطدم بدراسة الطب والعلوم والتشريع، وتحول بدراسته إلى كلية التجارة ـ شعبة الاقتصاد ليتخرج عام 1949. ثم التحق ببلاط «صاحبة الجلالة» ليعمل في جريدة يومية تنتمي انتماءً سياسيا وفكريا للملك فاروق، وهناك تزامل مع أباطرة الصحافة في ذلك العصر مثل جلال الحمامصي وموسى صبري ومحمد عبد النبي، وبعد قيام ثورة 1952 وإلغاء الجريدة الملكية انتقل رمزي زقلمة إلى العمل في هيئة الاستعلامات المصرية ثم في شركة «مصر للطيران» عام 1956 وتدرج حتى منصب مدير الدعاية والإعلانات.

وتعرض في تلك الفترة للاعتقال في سجن القلعة مع مجموعة من السياسيين وهناك تقابل مع أحمد الوكيل الأخ لزوجة النحاس باشا وعبد الحميد سراج الدين، وعدد من قادة حزب الوفد، وبدأت علاقته بحزب الوفد من ذلك التاريخ رغم علاقته السابقة بالرئيس جمال عبد الناصر في فترة الدراسة الثانوية عندما كان عضوا في خلية يرأسها عبد الناصر مهمتها ضرب الإنجليز بقنابل المولوتوف في منطقة بلبيس، وأمضى في المعتقل خمسة أشهر حتى علم عبد الناصر بأمر اعتقاله من أحد الضباط الأحرار فأفرج عنه وأرجعه إلى وظيفته بشركة «مصر للطيران» بعدها قرر رمزي زقلمة إنشاء شركة سياحة خاصة يقول عنها «لم تكن مهنة السياحة معروفة في تلك الفترة، ولم يكن في مصر سوى الشركات الأجنبية، واستغرقت عشر سنوات في رحلات إلى أوروبا ومفاوضات مع شركات السياحة والطيران حتى أحصل على وفود سياحية تأتي لمصر من خلال شركتي، وفي تلك الفترة لم تكن في مصر الخدمات السياحية الكافية والفنادق لاستيعاب الوفود، فكنا نلجأ أحيانا لحجز حجرات في المستشفيات عندما لا نجد أماكن للوفود السياحية في الفنادق».

خمسة وثلاثون عاما أمضاها شيخ السياحيين في هذه المهنة منذ بداية الستينيات حتى نهاية التسعينيات، كانت أصعب المعوقات التي واجهها تنامي الحركة السياحية مع عدم توافر إمكانيات وخدمات سياحية والضربات الإرهابية التي كانت تؤثر على الحركة السياحية لعدة أشهر والمنافسة السياحية مع دولة مثل إسرائيل.

انتخب زقلمة رئيسا لغرفة شركات السياحة لدورتين متتاليتين وانضم عضوا بالاتحاد المصري للغرف السياحية وشغل منصب رئيس منظمة «الاستا» في الشرق الأوسط ورئيس نادي «سكور» (منظمة عالمية تضم أقطاب السياحة والفندقة) بالإضافة إلى عضويته في مجالس إدارات جمعيات سياحية مختلفة.

ويقول الخبير السياحي إن التوجه حاليا في عالم السياحة هو أن تقوم شركات الطيران بشراء حصص في الفنادق التي تقوم بدورها بشراء حصص في شركات السياحة بحيث يسهل إحياء الحركة السياحية في حالة التعرض للكوارث أو الأزمات، مع التوسع في تكنيك سياحة الأفواج الكبيرة والجولات السياحية الرخيصة، وأصبحت المنافسة الآن من البواخر البحرية الضخمة التي تقدم إجازات ممتدة لرحلات من الشرق الأقصى إلى الولايات المتحدة وتجتذب شرائح مهنية واجتماعية تبحث عن درجات عالية من الرفاهية.

ويشير إلى أن الاتجاه إلى الاندماج يزداد، حيث أصبحت السياحة في حوزة الشركات العملاقة، فهناك ثلاث شركات كبيرة فقط تستحوذ على الحركة السياحية والتسويقية بينما تشكل شركات السياحة المحلية في الدول منافذ للبيع فقط مثل شركة «تيوي» الألمانية الحاصلة على حق تسويق الساحل الشمالي في مصر بالإضافة إلى تطورات طرق التسويق والحجز عبر الإنترنت.

ويقول شيخ السياحيين إن الجيل الأول خاض تجربة امتهان السياحة بالفطرة والمحاولة والتجربة والتعلم من الصواب والخطأ، فالمسألة كانت «عافية» أما الجيل الجديد قد حصل على التعليم والخبرة واصبح لديه تراكم علمي ومعرفي بالإضافة على سهولة الاتصالات وارتقاء الخدمات السياحية، لكن في ظل منافسة تزداد شراسة.

وفي قمة نجاح شركته قرر رمزي زقلمة أن يبيعها، لان ابنتيه لم تبديا اهتماما باستكمال مسيرة الأب، لذا قرر تصفية أعماله والتفرغ للحياة السياسية في حزب الوفد، وممارسة كتابة المقالات الصحافية للجرائد. ويصف زقلمة تجربة ترشيحه في دائرة المعهد الفني بشبرا للوفد بمقعد بالبرلمان أثناء انتخابات عام 1995 بأنها تجربة إنسانية رائعة عايش فيها العمليات الانتخابية والمؤتمرات الانتخابية والتعامل مع سماسرة الأصوات والدعاية والتفاعل مع الناخبين، ورغم عدم فوزه بالمقعد البرلماني إلا أنه استمتع كما يقول بتلك الخبرات الإنسانية. ويمضي زقلمة وقته ما بين قراءة الكتب والتبحر في الأديان والمعتقدات في العالم ومهامه الحزبية في حزب الوفد وكتابة المقالات، وبين أسرته وزوجته لولا زقلمة، وابنته الدكتورة شيرين، ودينا المتخصصة في علم النفس، وأحفاده منهما: تدى وانجي ومدحت وفريدة.