رئيس شركة طيران «الميدل إيست» اللبنانية: سنعود للقطاع الخاص عبر بورصة بيروت

محمد الحوت لــ«الشرق الأوسط»: رعاية الحريري وجرأة البنك المركزي دعمتا الإصلاح

TT

من حتمية الافلاس مع حمل خسائر ثقيلة تفوق 500 مليون دولار قبل اعوام قليلة، الى مؤسسة واثقة تزيد موجوداتها على حجم التدخل الانقاذي الذي غطاه مصرف لبنان المركزي، قطعت «شركة طيران الشرق الاوسط» (الميدل ايست) اللبنانية شوطا بعيدا على طريق استعادة موقعها الاقليمي والدولي معززة بربحية مرتفعة زاد متوسطها على 46 مليون دولار في العامين الماضيين.

وعلى طريق النمو المستدام والتطلع الى توسعات نوعية في البنية والدور والاعمال، تستعد «الميدل ايست» لادراج جزء يراوح بين 10 و20 في المائة من اسهمها في بورصة بيروت كخطوة اولى وهامة لعودتها الى القطاع الخاص، الذي لم تخرج منه قانونيا بصفتها شركة تجارية اوجب تعثر اعمالها وسوء ادارتها قرارا جريئا من قبل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في تغطية الفجوة المالية وتملك الاسهم، وصولا الى اختيار محمد الحوت لتولي منصب الرئيس والمدير العام مطلع العام 1998 لتبدأ معه رحلة استعادة الموقع والنمو شملت محطات اعادة الهيكلة الادارية والمالية، واعادة تكوين الاسطول الجوي، وتوسيع حجم الاعمال مع خفض الانفاق ومعالجة التخمة الموروثة في اعداد الموظفين.

ويؤكد الحوت، في حديث لـ«الشرق الأوسط» في بيروت تصادف مع احتفال الشركة بمرور 60 عاما على انطلاق اولى رحلاتها: «ان رعاية الرئيس الراحل رفيق الحريري وجرأة حاكم مصرف لبنان كانتا من العوامل الحاسمة في تمكين الادارة من تنفيذ خطة متكاملة مستندة الى معطيات موضوعية ودراسات علمية افضت الى تحويل الشركة من خاسرة مهددة بالافلاس التام الى رابحة تكتسب تباعا ميزات تنافسية بين اكبر الشركات الاقليمية والدولية».

ويجزم الحوت بان «موجودات الشركة باتت تفوق حجم التدخل المالي الانقاذي من قبل البنك المركزي. وتشمل تسديد نحو 45 في المائة من صفقة شراء 6 طائرات «ايرباص 321» مع احتياطات اضافية، واسما تجاريا لامعا تتنافس مؤسسات مصرفية محلية ودولية على تمويله بفائدة تنافسية لا تزيد عن 1.2 في المائة فوق الفائدة العالمية (ليبور) وبدون اي ضمانات، ما يعكس تصنيفا متقدما للشركة يتجاوز التصنيف السيادي للبنان». وفي ما يأتي نص الحوار:

> ما خلفية توجهكم لطرح اسهم الشركة في البورصة هذا العام علما انها مملوكة من قبل البنك المركزي؟

ـ ان طيران الشرق الاوسط شركة خاصة في الاساس. وفي المفهوم القانوني تعمل ضمن احكام قانون التجارة. الا ان اكثرية اسهمها مملوكة من قبل مصرف لبنان. وامر خصخصتها يعود الى المالك. لكن بصفتي مكلفا من قبل المالك في ادارة هذا الملف ايضا، سنقوم بطرح جزء من الاسهم في البورصة تراوح بين 10 و20 في المائة. ولم نحدد الرقم النهائي بعد، اذ اننا في صدد تحضير دراسات قانونية ومالية لذلك. ودعني هنا اكون اكثر وضوحا، فالقطاع الخاص دائما يدير اموره افضل من القطاع العام. لكن ايضا هذه الشركة تحمل ارزة لبنان وتدخل مصرف لبنان فيها، عندما فشل القطاع الخاص من متابعة مسيرتها. ويجب ان نكون حذرين في اختيار الى من ستنتقل الاسهم مستقبلا. ويجب ان تكون هناك صورة واضحة لكي تبقى الشركة في تطور مستمر، وكذلك ان يبقى مطار رفيق الحريري الدولي في تقدم وتطور مستمر نتيجة وجود شركة «الميدل ايست» لخدمة الاقتصاد اللبناني والمسافر اللبناني وقطاع النقل الجوي في لبنان في شكل عام. وهذه الامور يجب ان تؤخذ كلها في الاعتبار. وانا من ناحية المبدأ مؤمن بالقطاع الخاص، لكن هناك ايضا اخطاء وتجارب وقعت فيها بلدان عدة. ويجب ان نتعلم منها وان نكون دقيقين اكثر بالنسبة الى هذه المواضيع.

> كيف نجحتم في اصلاح الشركة وسط تعقيدات التعامل مع القطاع الحكومي؟

ـ لقد نفذنا كادارة خطة مدروسة. وكان لوجود الرئيس الراحل رفيق الحريري الاثر الكبير في رعاية عملية الاصلاح وتخطي العقبات التي واجهتنا في اكثر من محطة، ولا نبالغ في القول ان دعم المساهم الممثل بحاكم البنك المركزي رياض سلامة كان ولا يزال مركز الثقل في اتمام عملية اعادة الهيكلة، وتنفيذ الاهداف التوسيعية. فهذا الرجل صاحب قرار وصاحب رؤية، وتجربة «الميدل ايست» تدل على ان ليس في لبنان ازمات او تعقيدات عاصية على الحل، والأمر الاكيد ان الاصلاح يحتاج اولا الى قرار وقيادة تحسن التنفيذ.

> ما هي الاصلاحات التي حولت الشركة من الخسارة الى الربحية؟

ـ لقد اعتمدت خطتنا على شقين اساسيين. الاول اعادة النظر بشبكة الخطوط الخاسرة والخطوط الطويلة المدى التي لا تتناسب مع حجم الشركة او مع حجم العلاقات والتبادل مع البلد المقصد مثال سيدني (استراليا)، ساو باولو (البرازيل)، كوالا لامبور (ماليزيا) وسنغافورة وغيرها. وجرى التركيز خلال خطة اعادة النظر بشبكة الخطوط على ابقاء حجم نشاط الشركة ضمن مستواه، على رغم خفض عدد الطائرات العاملة من 13 الى 9 طائرات، من خلال الاستخدام الاجدى للطائرة وزيادة عدد ساعات العمل اليومي، وتكثيف الرحلات على الخطوط المنتجة. وهذا ما ادى الى تحقيق وفر يناهز 25 مليون دولار في العام الواحد.

اما الشق الثاني من الخطة فتركز على خفض عدد العاملين في الشركة، وزيادة انتاجية المستمرين بالعمل. وجرى تنفيذ هذا الجزء في مرحلة متأخرة نسبيا وبدعم من الرئيس الحريري في العام 2001. وتم صرف 1550 موظفا (نصف العدد الاجمالي) مع تعويضات مناسبة منعا لأي تأزم معيشي لهؤلاء. وهذا ما ادى الى تحقيق وفر سنوي يناهز 25 مليون دولار ايضا، وذلك بموازاة زيادة الانتاجية للكادر البشري وزيادة ساعات العمل والطيران.

> ما نتائجكم المالية للعام 2005، وما توقعاتكم للعام الجاري؟

ـ كما تعلمون ان سنة 2005 كانت صعبة على لبنان بدءاً من استشهاد الرئيس رفيق الحريري الى ما تبعه من تداعيات واهتزازات أمنية ومن مواقف سياسية غير مشجعة على صعيد التضامن الداخلي. لكن بالرغم من كل هذه الصعوبات وبالرغم من الارتفاع الكبير في اسعار الطاقة عالمياً، فإننا نتوقع تحقيق ارباح تزيد على 40 مليون دولار هذه السنة مقارنة مع 50 مليون دولار في العام السابق. وهذه النتيجة تعتبر جيدة نسبة الى الاوضاع التي مر بها لبنان. وهي ارباح صافية. اما الارباح التشغيلية فسوف تكون اكبر بكثير. اما بالنسبة للعام الجديد فإن ارقام الموازنة لن تكون اعلى من ارقام النتائج المحققة فعلياً سنة 2005. ولكن اذا حدثت تطورات ايجابية في حركة النقل الجوي والسياحة والسفر فهناك امكانية للتوسع وتحقيق المزيد من الارباح.

> في ضوء التحالفات التي اقامتها «الميدل ايست» مع كل من شركة «ايرفرانس» و»القطرية» وغيرهما، هل في توجه الشركة الوطنية في لبنان اقامة تحالفات جديدة في شركات اخرى؟

ـ هذا امر طبيعي، لأن «الميدل ايست» ليسن جزءاً اسياسياً من مشروع التعاون التجاري العربي الذي سمي مشروع «ارابيسك» الذي يضم الخطوط العربية السعودية والمصرية والاردنية واليمنية وطيران الخليج. ونحن نعتبر ان كل انفتاح وتعاون له نتائج ايجابية. وكل انغلاق له نتائج سلبية. فأنت تعيش اليوم في عالم منفتح ويجب ان تواكب هذا الانفتاح، علماً ان هناك ايضاً الدخول في تحالف «سكاي تيم» الذي تمت الموافقة عليه من قبل مجلس ادارة «سكاي تيم» في يونيو (حزيران) 2005 والذي سنضعه موضع التطبيق قريباً بعد ان تم توضيح النقاط والاستجابة لبعض الامور التي طلبتها شركة طيران الشرق الاوسط في هذا المجال. ونحن سنكون في السنة المقبلة جزءاً من هذا التحالف عبر التحالف مع شركة «ايرفرانس».

> تدعوكم الحكومة باستمرار لفتح خطوط الى بلدان الاغتراب. ومنها بلدان بعيدة، كيف تتصرفون حيال ذلك؟

ـ ليس في توجهاتنا فتح اي خطوط عديمة الجدوى او خاسرة. واذا قررت الحكومة فتح خطوط معينة وبالأخص منها البعيدة المدى المعروفة بوجود جاليات لبنانية مغتربة، فعليها ان تتحمل الخسائر على هذه الخطوط. وهذا امر محسوم لان فيه مصلحة للشركة وبالتالي مصلحة للاقتصاد الوطني.

> كيف يمكنكم المنافسة في ظل سياسة الاجواء المفتوحة التي يعتمدها لبنان؟

ـ نحن نؤيد سياسة الاجواء المفتوحة لانها تصب في مصلحة المستهلك والمسافر في النهاية. ويجب ان تؤدي الى تقديم افضل الخدمات بأرخص الاسعار للمسافرين. لكن سياسة الاجواء المفتوحة تستند في ميادين تطبيقها الى مبادئ المنافسة العادلة والشريفة كامكانية الدخول الى اسواق الغير. وهذا الامر ليس متوافر لشركة طيران الشرق الاوسط. واعطي مثالاً على ذلك امكانية الوصول الى الاسواق الالمانية في فرانكفورت والى الاسواق البريطانية في مطار هيثرو. كما ان السياسة التحررية يجب ان تكون لها ضوابط لمنع الاغراق في الاسعار. وهذا ايضاً غير متوافر، وللتعامل مع الشركات التي تستند في التسعير وفي سياستها الى دعم حكومتها وليس الى اسس تجارية بحتة. وهذا الامر ايضاً غير متوافر. هذه شروط اساسية لكي تؤدي الاجواء المفتوحة الى الغاية المتوخاة منها. والا فانها في المستقبل سوف تؤدي الى عكس النتائج. وسوف يخرج من السوق من يعمل على اساس تجاري، ويبقى من يعمل على اساس اغراقي وعلى اساس توسعي بدعم من حكوماته دون الاستناد الى اي اسس تجارية.

> اسطولكم مؤلف حالياً من 6 طائرات مملوكة و3 طائرات مستأجرة، هل في توجهكم زيادة حجمه؟

ـ نعم سوف نتوسع تدريجياً مع تطور الاسواق في بيروت. وهناك خطة لزيادة طائرة سنة 2007. واعتقد انها ستكون من نوع «ايرباص» 330، بالاضافة الى طائرة اخرى سنة 2008. وهذا ما نعمل عليه الآن. كما ان هناك دراسات نقوم بها ايضاً لتشغيل طائرات اقليمية تتسع لما بين 50 الى 70 راكباً. وهذا القرار سوف يتخذ في ضوء الاوضاع الأمنية والسياسية في لبنان، وفي ضوء تطور حركة النقل الجوي والسوق في لبنان. كما نعمل على تطوير مركز حديث لخدمة الطائرات الخاصة.

> ترأستم اخيراً في اليمن اجتماعات الاتحاد العربي للنقل الجوي، كيف تقيمون دور شركتكم في المنطقة؟

ـ ان طيران الشرق الاوسط هي من مؤسسي الاتحاد العربي للنقل الجوي. وانا اشغل منصب رئيس اللجنة التنفيذية للاتحاد. وطيران الشرق الاوسط تساهم في صورة فعالة في كل اعمال اللجان وفي القرارات الاساسية التي يتخذها الاتحاد. وفي رأيي، ان كل تعاون بين شركات الطيران العربية فيه افادة للبنان و«الميدل ايست». وكل انغلاق فيه تراجع والاجتماع الاخير اضاء على الكثير من الامور كالمراحل التي وصلت اليها شركات الطيران العربية في تطبيق التذكرة الإلكترونية وضرورة اتخاذ الاجراءات السريعة لكي تكون منفذة بالكامل قبل انتهاء سنة 2007. كما تم الحديث في شكل مفصل عن تطوير انظمة المعلوماتية المتعلقة بأنظمة الحجز الآلي وانظمة ولاء المسافر وانظمة العلاقات مع الزبائن والصعود على الطائرات حيث تطورت في شكل ملحوظ. وهناك منتجات جديدة في السوق لا بد لشركات الطيران العربية و«الميدل ايست» طبعاً من مواكبتها لكي تبقى في موقعها الطبيعي متقدمة في اسواقها.