مصممان لبنانيان يغزوان الأسواق الدولية للخياطة الراقية

مراد وشقرا: سيدات الخليج ساهمن في تطوير صناعة الألبسة

TT

لم تعد الخياطة الراقية (الهوت كوتور) في لبنان مجرد حرفة انما اصبحت صناعة قائمة بذاتها تضخ مئات الاف الدولارات في دورة الاقتصاد الوطني. واذا كان لبنان، في السبعينات مقصدا للسيدات لخياطة اثوابهن فقد اضحى حاليا مركزا عربيا ودوليا للخياطة الراقية. وينافس اعرق الدور الاوروبية التي باتت اكثر اهتماما بتوقيع المصممين اللبنانيين. ويتضاعف عدد مصممي الازياء اللبنانيين عاما بعد عام فكثيرون منهم تخطوا حدود لبنان والعالم العربي ليحققوا انتشارا عالميا. وغزت تصاميمهم عواصم الاناقة الاوروبية والاسواق الاميركية، وذلك وسط ارتفاع في الطلب انعكس ارتفاعا في الاسعار.

«الشرق الاوسط» استطلعت افاق هذا «البزنس» وتحدثت الى اسمين بارزين في عالم الخياطة الراقية. اولهما المصمم جورج شقرا المعروف بتصاميمه وباستقطابه لعائلات خليجية مرموقة بعدما اثبت وجوده في العاصمة الفرنسية وقدم عروض ازيائه على المنصات الباريسية منذ يوليو (تموز) 2002. وثانيهما زهير مراد الذي حقق حضورا قويا على الصعيدين العربي والعالمي وغزت تصاميمه الاسواق الاوروبية والاميركية لا سيما بعد اطلاقه خطا انتاجيا للالبسة الجاهزة. ففي العام 1993 وبعد عودته من كندا، افتتح جورج شقرا شراكة مع السيدة جوسلين عبد الملك مشغلا في منطقة جل الديب (خارج بيروت)، مستفيدا من خبرة في عالم تصميم الازياء ممتدة منذ العام 1985، حيث عمل في بيروت من خلال مشغل خاص به حتى العام 1989 وتابع مهنته في كندا حتى عودته مجددا الى لبنان.

ويقول شقرا: «في العام 1993 كان سعر فستان السهرة يراوح ما بين 1500 دولار و2000 دولار بينما سعر فستان العرس كان يراوح ما بين 8000 دولار و12000 دولار. وما بين 1993 و1995 كان عدد زبائني لا يتعدى الستين، وخلال هذه الفترة كان 99 في المائة من انتاجنا للخليج و1 في المائة للبنان، كان انتاجنا المحلي شبه محصور بفساتين الاعراس وكنت اصمم 300 فستان كحد ادنى سنويا ما بين سهرة وعرس».

يضيف: «شكّل العام 1999 مرحلة انتقالية لدار جورج شقرا، فخلال هذا العام انتقلنا الى مشغل من خمسة طوابق بمساحة 1000 متر مربع. وفي هذا العام اصبحنا ننتج 500 فستان سنويا، 95 في المائة من انتاجنا للخليج و5 في المائة للبنان. وكان سعر فستان السهرة قد اصبح يراوح ما بين 5 آلاف و7 آلاف دولار وسعر فستان العرس يراوح ما بين عشرة آلاف و15 الف دولار. وفي ما يخص عدد الموظفين فقد بلغ 60 موظفا في ذلك العام».

في صيف العام 2002، شد شقرا رحاله للمشاركة في «اسبوع الخياطة الراقية» وهو محطة طموحة لكل مصمم ازياء، فقدم على المنصات الباريسية مجموعة خريف ـ شتاء 2002 ـ 2003، ليصبح اللبناني الثامن في هذا المعرض من اصل 12 مصمما من مختلف الجنسيات خصوصا ان الخياطة الراقية في اوروبا لا سيما في فرنسا اصبحت تواجه صعابا، والعديد من الدور العريقة الفرنسية اغلقت ابوابها وانخفض عدد الدور المشاركة في «اسبوع الموضة الراقية» من 22 الى 12، وغالبية الدور المتغيبة هي فرنسية.

وعن هذه الخطوة، يقول: «طمحت الى الذهاب الى باريس منذ العام 1995، لكن في العام 2002 اصبحت اقوى وشعرت انه بات بامكاني تحقيق هذه الخطوة».

ويتابع: «باريس عرفتني الى المجتمع الاوروبي والعالمي. فالمعرض امتحان لكل مصمم واذا اجتازه يعني انه بدأ يحقق نجاحات في عالم التصميم. النقاد والصحافة العالمية حاضرة واذا حكمت بالايجاب على المصمم يعني انه بدأ طريق النجاح. اصداء عرضي الاول كانت ممتازة. وعلى اثره صممت في العام 2003 اول فستان عرس لاوروبا وتحديدا لعروس فرنسية، في العام 2003 فتحت لي اسواق اوروبا واميركا».

في العام 2005 فاق عدد زبونات دار جورج شقرا 500 بينهن 200 من السعوديات. وفي هذا العام اصبح فريق العمل يناهز الثمانين شخصا. ولامس انتاجه 800 فستان ما بين سهرة وعرس، فستان السهرة اصبح يراوح ما بين 10 آلاف و15 الف دولار وفستان العرس يفوق الـ 15 الف دولار، و95 في المائة من انتاج الدار للاسواق الخليجية و3 في المائة للاسواق الاوروبية والاميركية و2 في المائة للبنان. ويعلق: «على مدى اثني عشر عاما حققت نموا بنسبة 100 في المائة، اليوم افكر باطلاق خط للالبسة الجاهزة والتوسع ضمن هذا الاطار».

وقد سبق لـ«الشرق الاوسط» ان تحدثت الى المصمم ايلي صعب الذي بات يحقق انتشارا عالميا، ويومها قال ان 90 في المائة من انتاجه كان للبلاد العربية في منتصف التسعينات والاسواق الخليجية هي التي ساهمت بشكل مباشر في نموه. وعزا سبب نجاحه الى الاسواق الخليجية. وقد حقق ما بين العام 1995 والعام 2005 نموا فاق 200 في المائة. والجدير بالذكر ان تصاميم صعب بدأت تغزو الاسواق الاوروبية والاميركية منذ العام 1997.

في العام 1995 اسس زهير مراد داره برأسمال زهيد جداً ويومها بدأ العمل مع شقيقه وعاملة خياطة. حصل ذلك اثر دراسته لتصميم الازياء في باريس ثم عمله كمتعاون مع عدد من دور الخياطة الراقية اللبنانية، لم تتجاوز مساحة اول مشغل افتتحه مراد، في منطقة الزلقا (خارج مدينة بيروت)، 150 متراً مربعاً. وفريق العمل لم يتجاوز الخمسة اشخاص. ويقول: «في العام 1995 كان سعر فستان السهرة الذي اصممه يراوح ما بين 2500 و5000 دولار وسعر فستان العرس يراوح ما بين 10 آلاف و15 الف دولار. كنت اصمم للبنان والخليج لاسيما السعودية والامارات، وكنت اسافر لأخذ الطلبات.

في اواخر العام 1998 بدأت اثبت قدمي في هذا المجال. خلال السنتين الاوليتين لم اكن متأكداً اذا ما كان باستطاعتي الاستمرار ام لا. مع بداية العام 1999 بدأت اشعر انني رسخت وجودي في هذا المجال. ومع العام 1999 وصل عدد موظفي الدار الى ستين. وفي العام 1998 كنت قد انتقلت الى مشغل في منطقة سد البوشرية. (حيث انا اليوم) تبلغ مساحته 1000 متر مربع. وفي العام 2002 ومع اطلاقي خط الالبسة الجاهزة توسعت، ضمن المشغل نفسه، الى مساحة 1500 متر مربع. والمشغل والمكاتب موجودة على مساحة واحدة وتصميم وتنفيذ الخياطة الراقية يتم في بيروت وتصنيع الالبسة الجاهزة ينفذ ما بين مشغلنا في لبنان ومصانع في ايطاليا».

وحول النمو الذي حققه ما بين العام 1995 و1999 يقول: «حققت نمواً بنسبة 100 في المائة، منذ العام 1995 حتى العام 1999 كان 70 في المائة من انتاجي للخليج و30 في المائة للبنان وسورية والاردن. في العام 1999 كان سعر فستان السهرة يراوح ما بين 5 آلاف و10 آلاف دولار اما فستان العرس فكان يراوح ما بين 15 الفاً و25 الف دولار». وحول عدد زبائنه يقول: «في العام 1997 كان قد اصبح لدي 35 زبوناً من مختلف الجنسيات وفي العام 2000 لامس العدد المائة. ومع استقرار الاوضاع والازدهار في لبنان بت اشعر ان بيروت اصبحت مركزاً للخياطة الراقية في العالم العربي، اذ بتنا مقصداً من غالبية السيدات الخليجيات في كل موسم، كما ان المصممين اللبنانيين اصبحوا الخيار الاول لكل عروس خليجية».

في العام 1999 بدأ هاجس الانتشار خارج حدود العالم العربي، يراود مراد فحزم حقائبه باتجاه ايطاليا وتحديداً روما حيث قدم وخلال «اسبوع الموضة» عرض ازيائه لربيع وصيف 1999. وحول هذه الخطوة، يقول: «الذهاب الى ايطاليا كان نوعاً من المجازفة. تقديم عرض في روما كان مكلفاً ويفوق قدراتي المادية لكنني اصريت على المضي قدماً في هذا المشروع. واذكر ان كلفة هذا العرض ناهزت 150 الف دولار، وبالفعل حققت هذه الخطوة ما تطلعت اليه. فتقديم عرض ضمن «اسبوع الموضة» في روما اتاح للمجتمع الاوروبي ان يتعرف علي مما فتح لي، بالتالي، اسواقاً جديدة. اثر هذا العرض بات لدي زبائن اوروبيين وسنة تلو الاخرى كان عددهم يتزايد حتى لامست نسبتهم الـ 10 في المائة». وبعد روما قرر مراد الانتقال الى باريس لتقديم عروضه ضمن فعاليات «اسبوع الخياطة الراقية» الذي يقام في يناير (كانون الثاني) ويوليو (تموز) من كل عام. وفي يوليو 2001 قدم، وللمرة الاولى، عرضاً لازيائه على المنصات الباريسية. ومنذ ذاك التاريخ يواظب على تقديم مجموعاته في باريس.

في العام 2002 كان قد اصبح عدد زبونات دار زهير مراد 120 و60 في المائة من انتاجه للخليج و40 في المائة للبنان والاردن وسورية واوروبا. ويعزو مراد سبب نجاح المصمم اللبناني في السوق الخليجي الى احترامه وتقديره لجسد المرأة، فيعلق: «نحن نحترم ونقدر خصوصيات جسد المرأة اكثر من المصممين الاوروبيين ونقدم ازياء مع لمسة انثوية طاغية».

في العام 2002 اطلق مراد خطاً للألبسة الجاهزة، تباع في بيروت والاسواق الخليجية بعدما كان افتتح مكتباً في الرياض لأخذ طلبات تصاميم الخياطة الراقية لتنفيذها في بيروت ومتجراً كان يعرض فيه تصاميم الخياطة الراقية وفي ما بعد اضاف عليها مجموعاته للالبسة الجاهزة. ومنذ العام 2002 ونسبة مبيعات الدار تتعادل ما بين الالبسة الجاهزة وتصاميم الخياطة الراقية وان كانت كمية انتاج الالبسة الجاهزة تفوق تصاميم الخياطة الراقية. ويراوح سعر الفستان ضمن خط الالبسة الجاهزة ما بين 2500 و8000 دولار، وموسم تلو الآخر اخذ خط الالبسة الجاهزة يتطور وغزت التصاميم سوق الولايات المتحدة اذ اصبحت تباع في عدد من الولايات. وفي ابرز المتاجر الاميركية كما باتت تباع في روسيا ولندن وباريس ومونتي كارلو والنمسا واليونان واوكرانيا.

في العام 2005 اصبح سعر فستان السهرة يراوح ما بين 8000 و18000 دولار وسعر فستان العرس يراوح ما بين 25 الفا و50 الف دولار. وقد لامس عدد الزبونات في هذا العام 70 زبونة عربية يتعاملن بشكل مستمر مع الدار وسبق لمراد ان افتتح في العام 2004 متجراً خاصاً بالالبسة الجاهزة في منطقة باب ادريس في وسط بيروت، ويمتد المتجر على مساحة 350 متراً مربعاً. ويراوح سعر الفستان ضمن خط الالبسة الجاهزة ما بين 2500 و8000 دولار ويفيد مراد بأن سوق الخليج ساهم بنسبة 80 في المائة بزيادة انتاجه.

وحول نسب الانتاج ما بين الالبسة الجاهزة والخياطة الراقية وكمية الاستهلاك حسب البلاد والقارات للعام 2005، يقول: «70 في المائة من انتاج الالبسة الجاهزة كان لاوروبا والولايات المتحدة. و50 في المائة من انتاج الخياطة الراقية للخليج و20 في المائة للبنان وسورية والاردن ومصر. و30 في المائة لاوروبا والولايات المتحدة».

ويختم مراد: «على مدى عشر سنوات حققت نمواً بنسبة مائة في المائة وقد ساهم سوق الخليج بنسبة كبيرة في هذا النمو لاسيما في البدايات. اليوم وفي ما يتعلق بلبنان والخليج اعتبر انني لامست السقف لذلك اتطلع الى التوسع اوروبياً واميركياً. وافكر حالياً باطلاق خط للاكسسوار من حقائب واحذية اضافة الى خط لمواد التجميل».