ليلى إسكندر سيدة الأعمال: نقلت نظام التعليم من كاليفورنيا إلى حي «الزبالين» في مصر

TT

لم يكن اسم ليلى اسكندر من الأسماء المعروفة في دوائر عالم المال والأعمال والاقتصاد، مثلما كان معروفاً بين سكان أحد أفقر الأحياء المصرية وهو حي «الزبالين» بالمقطم، الذي أمضت فيه خمسة عشر عاماً تطبق فيه خبرتها ودراستها الأميركية في التعليم على أبناء الزبالين وقد ذاع صيتها حين اختارها منتدى الاقتصاد الدولي في «دافوس» ليمنحها جائزة شواب للإبداع الاجتماعي نظير أعمالها «التطوعية» في مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وذلك خلال انعقاد المنتدى في شرم الشيخ الشهر الماضي.

وبهذه الجائزة دخلت ليلى اسكندر دائرة الضوء في عالم الأعمال، كما دخلت قائمة المبدعين الاجتماعيين الذين يصل عددهم لدى منتدى دافوس إلى 97 مبدعاً في 40 دولة في العالم.

كانت بدايتها عادية، فهي بدأت طالبة مصرية تتلقى تعليمها في مدرسة الإرسالية البريطانية ثم حصلت على بكالوريوس الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة القاهرة وتزوجت وهاجرت مع زوجها إلى الولايات المتحدة عام 1968، واستقرت بولاية كاليفورنيا وعملت في إحدى الإدارات التعليمية الأميركية وحصلت على شهادة من جامعة كاليفورنيا في التربية أهلتها للتدريس لطلبة الثانوي في منطقة وادي السيليكون الشهيرة بصناعة الحاسبات وأجهزة الكومبيوتر وتكنولوجيا المعلومات.

وتقول ليلى اسكندر: كنت أقوم بتدريس الاقتصاد لطلبة من أذكى الطلاب مما كان يشكل حافزاً للإبداع والتطوير في طرق التدريس، كما قمت بتدريس اللغة الدارجة القاهرية في الجامعة لفترة، وبعد عشر سنوات من النجاح في عملي والحياة المرفهة في الولايات المتحدة، انتابني الحنين إلى مصر وقررت العودة إليها، وقبل العودة لمصر عملت لمدة عام ونصف العام في الصندوق الصناعي السعودي وهي خطوة هامة في حياتي تعلمت خلالها معنى «التنمية» حيث تقوم الدولة بتدخلات مخططة ترفع الاقتصاد في اتجاهات معينة تقود إلى التنمية، بينما الوضع يختلف في الولايات المتحدة حيث يقود القطاع الخاص السياسة الاقتصادية، وتهيئ له الدولة المناخ المناسب للانطلاق.

وبهذه الخبرة في مجال التنمية من السعودية عدت إلى مصر عام 1981 ووجدت أن مفهوم التنمية في مصر يختلف هو الآخر عن السعودية لأنه مرتبط بالفقر، وقررت أن تكون التنمية والتطوير هما هدفي، ولم أجد وظيفة تناسبني، وبعد فترة وجدت إعلاناً يطلب متطوعين للتدريس في حي الزبالين بالمقطم، وتحمست للفكرة، وفي أول يوم رأيت مدى الفقر وصعوبات الحياة التي يعيشها الزبالون في هذا الحي حيث يسكنون أكشاك من الصفيح والكرتون حول أكوام من الزبالة والحيوانات النافقة.

وتضيف ليلى اسكندر: هناك قررت أن أنقل خبرتي في جامعة كاليفورنيا إلى حي الزبالين وقوامها التعليم الفردي، حيث ينطلق كل طالب في دراسته وفقاً لقدراته دون انتظار للآخرين، وطبقت النظام بأدوات بسيطة وتمويل وهبات من أهل الخير وتبرعاتهم وأسسنا نظاماً يعتمد على محو الأمية والتعليم التنموي من خلال القصص والحرف البسيطة وتزايد عدد الأطفال حتى وصلوا خلال ست سنوات إلى 300 طفل بعد أن بدأنا بعشرة، وبالتوازي مع هذا العمل التطوعي في حي الزبالين، طبقت نفس الأفكار في بلدي بمحافظة المنيا مع الفلاحين، وحاولت نقل النظريات في التنمية وطرق التعليم إلى خارج المدرسة من خلال مشروعات يتم الربط بينها وبين التعليم خارج الإطار الرسمي، فأي مشروع مثل مشروعات إقراض المرأة أو الحرف اليدوية نضع له برنامجاً ومنهج عمل يتمركز حوله التعليم.

وتضرب ليلى اسكندر مثالاً لذلك بمشروع للنول اليدوي للسيدات، حيث يتم وضع برنامج لتعليم الفتاة كيفية العمل على النول مع ربط النظافة الشخصية بحوافز العمل فتأتي الفتاة بملابس نظيفة لأنها تعلمت أنه إذا اتسخ النسيج الذي تنتجه سينخفض الأجر الذي تحصل عليه، وفي نفس الوقت تتعلم أصول الحساب التي يؤهلها لتفهم كيف تبيع وتشتري وتتعلم القراءة في إطار أسماء المنتجات وأسعارها، كذلك في مشروعات تربية الأرانب يتعلم القائم بالمشروع كتابة المواعيد الخاصة بجداول نضج نوعيات الأرانب وطعامها ويتعلم الحساب وعمليات البيع والشراء وهكذا.

ولكن كيف تحول الأمر من عمل تطوعي إلى بزنس أسست من خلاله شركة خاصة، وهل تحقق الشركة أرباحاً من خلال عملها في التنمية؟ تجيب ليلى اسكندر: هناك عدد كبير من الجمعيات الأهلية بها رجال ونساء يقومون بأعمال تطوعية، وبدأت أتعرف على بعضها، ومع صعود تيار المشروعات الممولة من الجهات المانحة للتنمية، بدأت أقارن بين مشروعات تأخذ ملايين الدولارات ولا تحقق النتائج المرجوة منها ومشروعات أخرى تتم بتمويل ذاتي بسيط وتؤدي نتائج أكثر من المتوقع، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء الشركة عام 1995 مع مجموعة من أصدقائي من القطاع الخاص وأسسنا الشركة برأسمال 60 ألف جنيه على أساس أن تقدم خدمات تقليدية في البداية مثل الاستشارات والتدريب والدراسات والأبحاث حتى نصل إلى القيام بمشروعات شراكة لتحقيق التنمية دون اللجوء إلى جهات مانحة، وهذا لا يعني ألا نحقق ربحاً لكن أن نعمل على أساس كيف نختار المشروعات التي تؤدي إلى تقوية وبناء المؤسسات، وقمنا بالعمل مع ثلاثة قطاعات هي الحكومة والقطاع الخاص والجمعيات الأهلية. وتقول ليلى اسكندر: كان من المهم في الشركة أن نقوم بتنظيم برامج تربط ما بين البزنس والتنمية، وعلى سبيل المثال ساعدنا إحدى شركات الشامبو التي كانت تعاني من مشكلة الغش التجاري للعبوات الفارغة التي تحمل أسمها ويتم إعادة استخدامها، فأسسنا جمعية أهلية في حي الزبالين، وعلمنا الأولاد أن يشتروا العبوات الفارغة (بأموال الشركة الأهلية) ويقوموا بتكسير العبوات وإعادة تدوير البلاستيك والزجاج المكسور وبيعه للشركات وتحقيق عائد يعود جزء منه لبناء فصول ومشروعات جديدة للحي.

وتشير ليلى اسكندر إلى أن شركتها قامت بتصميم خرائط رقمية لكل ورشة في حي الزبالين بالمقطم وعدد العمالة بها وحجم استثماراتها، موضحة أنه يوجد 600 مشروع صغير ومتوسط في مجال إعادة تدوير المخلفات في حي الزبالين، تورد المخلفات التي يتم تصنيفها إلى خمسين أو ستين مصنعاً على مستوى الجمهورية تعيد استخدام هذه المخلفات.

وتحلم ليلى اسكندر بأن ترفع الوعي بأهمية إعادة تدوير المخلفات، موضحة أن إحدى الدراسات التي قامت بها أكدت أنه في حال فصل المخلفات من المنبع أي في المنازل والمنشآت سيخلق كل طن من المخلفات 7 فرص عمل.