دراسة: دبي تلعب دورا حاسما في تحركات الذهب بين الهند والخليج العربي وأوروبا

الخطوات الأميركية لمعالجة أوضاعها الاقتصادية تحدد مسار المستثمرين العام المقبل للاحتفاظ بالذهب

TT

حاول بعض المحللين ربط ارتفاع سعر الذهب في الشهرين الأخيرين من هذا العام بالمخاض المالي والنقدي الذي مرت به الإدارة الأميركية أو ما يسمى حسب الاصطلاح الاميركي الجديد اقتصادات (بوش)، وقد تجلى ذلك في ارتفاع سعر الفائدة ثم ارتفاع سعر الدولار في الأسواق العالمية مقابل العملات العالمية الاخرى. ثم عادت أسعار الفائدة الى الهبوط وتلاها الدولار. مما خلق حالة من التذبذب وعدم الاستقرار لم تكن مألوفة لسنوات تعيها الذكرة بوضوح.

وعلى الرغم من التحليلات التي أطلقها الخبراء الغربيون الذين استهوتهم لعبة مراقبة تحرك المال العربي كونهم يعتقدون أن أحد العوامل الرئيسية التي أدت الى استعادة أسواق المعادن الثمينة لحيويتها هو في الواقع ليس ارتفاع سعر الفائدة في أميركا وانما الطلب المتزايد على الذهب في كثير من الدول مثل الصين وبعض الدول المتحررة اقتصادياً في كثير من دول اتحاد السوفياتي السابق حيث انتعاش اقتصادها وكذلك الدول الرائدة في تصدير كثير من المنتجات الذي تستخدم في ضمن صناعتها كميات كبيرة من الذهب في صناعات الإلكترونية مثل اليابان وكثير من الدول التي تقوم بتصنيع الهواتف الجوالة وكثير من الاجهزة يدخل ضمن تصنيعها أو يستخدم كميات كبيرة من الذهب كون الذهب من العناصر الحيوية وموصل جيد وفعال للكهرباء عن طريق الذبذبات والذهب لا يصدأ ولا يتأكسد أبداً.

وبين سامي المهنا الخبير السعودي في أسواق الذهب عبر بحث أجراءه وزود «الشرق الأوسط» بنسخة منه أن هناك أسبابا عدة للتهافت على الذهب ليس أقلها عدم ثبوت الدولار في وضع معين وعدم استقراره بصورة تدعو الى الاطمئنان. يضاف الى ذلك الاجراءات التي اتخذتها الدول الاخرى للمحافظة على مستوى عملاتها. حتى أصبحت مسألة الودائع في العملات الاجنبية توحي بعدم الثقة والقلق.

وأشار المهنا أن حدوث هبوط مفاجئ في سعر الذهب خلال الشهر الماضي وتراجعه عن موقعه يعود إلى قيام دول في المنطقة ببيع كميات كبيرة من الذهب مقابل صفقة تجارية، إلا أن الصفقة فشلت حتى أصبح المحللون يراقبون خطوات كثير من مستثمرين هذا السوق، لمعرفة مدى انعكاس ذلك على السوق خاصة أنه كان هناك شراء للذهب بكميات كبيرة بعد فشل الصفقة التجارية وتحويل جزء كبير من احتياطهم النقدي الى ذهب للحفاظ على استقرار ودعم عملتهم النقدية كونه في مقدمة هذه الدول الصين واليابان.

ويؤكد المهنا أن الذهب ينظر اليه كسلعة من أجل الاستثمار. وهي بذلك خاضعة للعرض والطلب في سوق الذهب العالمي. إلا أن الثابت أن الأزمات السياسية تلعب دوراً كبيراً في تموجات أسعار الذهب، والتي تدفع الى الميل لاكتنازه. على أساس أن الذهب من المعادن الثمينة التي تحافظ على قيمتها في الازمات. ولهذا السبب يكون اكتنازها.. والذهب خلافاً للعملات يميل الى الأزمات الدولية إلى الاستقرار. ولاشك أن أسعار الفائدة تلعب دوراً هاماً في سعر الذهب. اذ عندما ترتفع أسعار الفوائد في البنوك يفضل معظم المستثمرين شراء العملات الأجنبية وبيع الذهب لاسيما العملات التي تعطي معدلات أعلى من معدلات الاستثمار في الذهب. فعلى الرغم من كل ذلك يبقى الذهب هو الرائد والمساند في الظروف الاقتصادية الصعبة لكثير من الدول والبنوك والمستثمرون.

ويشير المهنا في بحثه أنه لا تزال شحنات الذهب من لندن وزيورخ تتجه الى الأسواق العربية حيث ينشط الوسطاء والعملاء وحتى المهربين. ولكنه نشاط عادي اذا قيس بما حدث في سنة 1978 عندما هجم العرب على الذهب هجمة شديدة لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً، كون الأسواق القلقة وعدم الاستقرار يدفع المستثمرين إلى الأرباح التي تحققها الاستثمارات ذات المدى القصير إلا أن الكثير من الدول العربية لا تزال تفضل إبقاء ذهبها في خزائن البنوك الأوروبية. وأضاف المهنا أن هناك الكثير من الأسر العربية خصوصاً الغنية منها تفضل أن تودع سبائكها في خزائن البنوك السويسرية. وهناك عدة أسباب لهذا التصرف يأتي في طليعتها أنه تعلم العرب من السويسريين حكمة اتقاء عثرات الزمان، وكل ذلك أو بعضه قد جعل تجار الذهب من العرب والمستثمرين في المنطقة يحسون بعدم الاستقرار الاقتصادي وسرعة تغيير الانظمة العشوائية والتي هي مجحدة بحق تجارة وصناعة الذهب ليستقر بعضهم في دبي بدولة الامارات العربية المتحدة إضافة أن دول وبنوك يراقبون تحركات السبائك العربية وخاصة بعد اندلاع الحروب في المنطقة فأصبح معظمهم يقيمون في دول الجوار، للعمل على جذب الذهب ليستقر الذهب نهائياً في سويسرا.

ويؤكد المهنا في بحثه أن دبي تلعب دوراً حاسماً في تحركات الذهب بين الهند والخليج العربي واوروبا. ولا تزال مركزاً رئيسياً لشحنات الذهب القادمة من اوروبا أو الذاهبة اليها، إلا أنه أشار إلى أن الشيء الجديد هو اهتمام الاتحاد السوفياتي السابق بهذه المنطقة ودبي تحديداً حيث بدأ يبيع سبائكه في دبي بدلا من الاعتماد الكامل على الأسواق الأوروبية.

ويشير المهنا في بحثه أنه متى ما تأكد هذا التحرك السوفياتي باتجاه الخليج (ذهباً) فهذا يفسر معنى انخفاض حجم السبائك الذهبية السوفياتية في المراكز الرئيسية لبيع الذهب وشرائه في اوروبا، كونه لاحظ المراقبون ان استثمارات القطاع الخاص العربي في الذهب قد تضائلت نسبياً ويعود السبب في ذلك الى بعض القوانين والأنظمة الصارمة الارتجالية في تطبيقها وكثير من هذه القرارات لم تأخذ حقها في الدراسة وواقعية التطبيق ولم يستشار أصحاب الاختصاصات والخبرات الفعليين.

واستشهد المهنا أنه في السنوات الخمس الماضية شهدت دول الخليج فقد لكثير من رؤوس الاموال وهروب كثير من الخبرات المعروفة في تجارة وصناعة الذهب الى العالم العربي في سوق المعادن الثمينة وقد برزت بعض دول المنطقة باعطاء تسهيلات لا حدود لها لذا بنت احتياطها من الذهب منها الإمارات والأردن وسورية.

ويشدد المهنا إن هناك اهتماما كبيرا في الأسواق المالية العالمية بالذهب كونه سيشهد العالم تحركاً غير عادي في سوق المعادن الثمينة في السنة القادمة. وكل ذلك يعتمد على الخطوات التي ستتخذها الولايات المتحدة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية المتردية فيها واستقرار الأوضاع العالمية وخصوصاً الإقليمية. ثم ردود الفعل الأوروبية لهذه الإجراءات. الا ان هناك عاملا آخر لا بد من الاهتمام به والتفكير فيه وهو قدرات الاتحاد السوفياتي السابق وجنوب أفريقيا في التدخل في سوق الذهب العالمي.