انهيارات سوق الأسهم الخليجية تنعش الطلب على المشعوذين

وعود خيالية برد الخسائر للزبائن وتحذيرات دينية من العرافين

TT

لم يجد محمد وعمر سبيلا للخروج من خسائرهما التي تكبداها في سوق الأسهم السعودية، والتي قضت على نحو نصف استثماراتهما مفرا من اللجوء إلى المشعوذين وعلم الفلك، لعلهما يستردان رؤوس أموالهما ويستطيعان أن يحققا أرباحا كما قالا، في أكبر سوق مالي في منطقة الشرق الأوسط.

وذكر محمد وعمر وهما في أواسط الثلاثينيات في اتصالات لـ«الشرق الأوسط» معهما، أنهما لجأ إلى المشعوذين والعرافين في ظل عدم نفع التحليلات المالية للسوق وارتفاع أسهم كثير من الشركات من دون مبررات واضحة، لا سيما منذ الانهيار في الـ25 من فبراير (شباط) الماضي، والتي فقدت السوق منذ ذلك الحين أكثر من 1.5 تريليون ريال (400 مليار دولار) من قيمتها السوقية.

وبيّن محمد الذي يستثمر نحو 10 ملايين ريال (2.66 مليون دولار) في سوق الأسهم السعودية، أن السوق سيطرت عليها المضاربة والإشاعات وأصبحت لا تعترف بالمنطق «العقلاني» الذي يستطيع أي شخص لديه معرفة بحركة الأسواق أن يستفيد منها. واستشهد محمد بتحقيق شركات تعاني من خسائر، ارتفاعات كبيرة جدا لأسعار أسهمها تسببت في الأخير بـ«تعليق» المهرولين خلف السهم بعد انخفاضه بشكل سريع، مشيرا إلى أن 70 في المائة من التوصيات التي قدمها له المشعوذ نجحت. في المقابل يؤكد لـ«الشرق الأوسط» الشيخ عبد المحسن العبيكان المستشار القضائي في وزارة العدل، أن السؤال عن الغيب والمستقبل من أمور الكهانة التي لا يعلم بها غير الله سبحانه وتعالى، واستأثر بها لنفسه عز وجل، مبينا حديث الرسول الكريم، الذي بين فيه كفر من أتى عرافا أو كاهنا وصدقه بما يقول بما أنزل عليه.

لكن محمد وعمر، عاد في هذا الجانب، وأشار إلى أنهما جمعا خلال الأعوام الماضية مبالغ رغبا في تعظيمها من خلال سوق الأسهم، ولا يرغبان في أن يكون مصيرهما كمصير الكثيرين الذين تسبب انهيار السوق في وفاتهم أو الزج بهم في السجن نتيجة تحملهم الديون أو أن يخضعان لجلسات العلاج النفسي في المستشفيات بعد أن قُضي على جلّ مدخراتهم المالية.

واستقطبت سوق الأسهم السعودية خلال الفترة الماضية أكثر من نصف المواطنين بعد أن حققت السوق خلال الثلاثة أعوام الماضية أرباحا صعد خلالها المؤشر العام للسوق إلى أن يتجاوز الـ20 ألف نقطة قبل أن يعود بعد انهيار فبراير (شباط) الماضي، إلى المراوحة بين 7000 و8000 نقطة في الوقت الحالي.

يقول عمر أنه تعرف على مشعوذة في إحدى الدول العربية المجاورة عقب هبوط فبراير (شباط) الشهير، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذ ما تبقى من مساهماته المالية.

وأشار إلى أنه اتفق مع المشعوذ على تقديم ما يتراوح بين 10 و15 في المائة من قيمة الأرباح حسب النتائج المتحققة، بعد تقديم توصيات البيع والشراء وتحديد الفترة الزمنية لذلك، موضحا أن المشعوذ يكتفي بذكر رمز الشركة المعنية من دون تحديد اسمها.

ويسترسل عمر في حديثه أن تحقيقه للمكاسب جعل المشعوذ يقترح عليه أن يفتح محفظة باسمه في السوق السعودية ـ أي عمر، حيث يمنع على غير المقيمين في السعودية فتح محافظ استثمارية في الأسهم ـ وتحويل النسبة المتفق عليها إلى هذه المحفظة في محاولة لتعظيم مكاسبه على أن يدريها عمر بالتنسيق مع المشعوذ.

ويضيف إلا أن المفاجأة هي أن هذه التوصيات «الشعوذية» بدأت تتدهور هي الأخرى، وتفشل مما جعل محفظة المشعوذ نفسه تخفق في تحقيق الأرباح وأصبح «متعلق» في الأسهم السعودية ـ كما يحلو للخاسرين في السوق تسمية أنفسهم حتى استعادة ما خسروه.

وأشار إلى أن هذا الأمر دفعه إلى إيقاف تعامله مع المشعوذ، موضحا أن المشعوذ نفسه ما زحه في إحدى الاتصالات الهاتفية «أن السوق السعودية لم يعد ينفع معها السحر».

ولم يقتصر دور السحرة والمشعوذين في سوق المال السعودية، وإنما امتد أيضا للفلكيين، حيث حذرت ماغي فرح الفلكية الشهيرة في كتابها لعام 2007 كافة المتداولين في أسواق الأسهم الخليجية من الاستمرار في المضاربة العام المقبل، والاستعاضة عن ذلك بالاتجاه إلى أسواق العقارات والمعادن على حد زعمها.

وذكرت في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، أن البورصات الخليجية ستكون في 2007، وحسب قراءتها للنجوم أنها ستكون في وضع حرج.

من جانبها أكدت رجوة سعيد خبيرة في علم الأرقام الغربي والأسماء ورد اتصالات عديدة لها من السعودية ودول الخليج للاستفسار عن أية توصيات مالية تساعدهم في البيع والشراء في البورصة، مفيدة بأنها رفضت إعطاء المتصلين مثل هذه المعلومات لاستنادها على علم الأرقام الغربي «فقط وليس الشعوذة والدجل» كما ذكرت، مضيفة أن «علم الغيب عند الله».

من جانب آخر، عاد الشيخ العبيكان للتوضيح أن انهيار سوق الأسهم السعودية يمثل كارثة كبيرة على المجتمع، متطرقا إلى تسببها بأزمات قلبية لبعض المتداولين الذين خسروا مدخراتهم أو تسببها بوفيات، وآخرين أسعفوا للعناية المركزة.

وأشار إلى أن هناك أشخاصا وصل بهم الحال إلى اضطرابات نفسية وعقلية، مشبها حالهم بالغريق الذي يبحث عن أية وسيلة لانتشال نفسه من خطر الموت. ودعا الشيخ العبيكان كافة المستثمرين والمضاربين إلى الإيمان بقضاء الله وقدره والصبر واحتساب الأجر عنده سبحانه وتعالى، محذرا إياهم من اللجوء إلى كل ما حرم الله.