السعودية تعزز موقعها في خريطة عالم المعرفة .. بإطلاق مشروع «حاضنات التقنية»

تدخل حيز التنفيذ الأسبوع المقبل وتجمع بين رواد الأعمال والمخترعين

TT

لم يلفت بلوغ النمو في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في السعودية إلى 9 في المائة بين العامين 2002 و2005، الأنظار، مقارنة بمعدلات النمو التي تشهدها دول منطقة الشرق الأوسط والدول العربية بشكل عام، والخليجية المجاورة على وجه الخصوص، بيد أن ذلك كان نتاجاً طبيعياً لمراحل التطور المذهل الذي تشهده البلاد في هذا القطاع الذي يتطلب إمكانيات حديثة ومتتالية لا تتوقف، إن على الصعيد الابتكاري الفني أو على الصعيد التجاري والاستثماري والرغبة الحكومية في الدفع بهذا القطاع إلى مستويات عالية جداً.

إلا أن فوز السعودية السريع بقصب السبق نحو إنشاء «حاضنات تقنية» ضمن ما يعرف حالياً بـ«الاقتصاد معرفي» وتوجهها الفعلي للجمع بين رجال الأعمال والمخترعين، وتحويل براءات الاختراع المسجلة التي تزخر بها أنحاء البلاد إلى أفكار تجارية ذات ربحية أمر جدير بالانتباه والترقب لمستقبل استثماري وتقني جديد تقوده عدد من الجهات في مقدمتها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ـ الجهة القائمة على إنشاء حاضنات تقنية في السعودية ـ عبر خبرائها ومعاهد الأبحاث التي تحتضنها.

وتعرّف «الحاضنة» التي سيتم إنشاؤها بإشراف شركة عالمية بأنها موقع لتوفير خدمات لمساندة منشآت جديدة وتطوير أعمالها، وقد تتضمن حدائق للعلوم وأبحاث التقنية تأتي كمشروع عقاري لدعم الابتكار والبحث ومنطقة متكاملة تدعم القطاع التقني، ويذكر بأنه تتوفر 4 آلاف حاضنة حول العالم ، منها ألف حاضنة في أمريكا وألف حاضنة أخرى في أوروبا والبقية متوزعة في بقية الدول.

ومن اللافت أن تسارع الخطوات من المبادرة إلى التخطيط وصولاً لبدء التنفيذ الأمر الذي يجعل مستقبلاً تقنياً واستثمارياً جديداً واعداً في البلاد يلوح في الأفق، إذ ستبدأ مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية الأعمال الفعلية مع بداية الأسبوع الأول من شهر يونيو (حزيران) القادم لإنشاء أول حاضنة أعمال تقنية تقع تحت مسمى «حاضنة تقنية المعلومات والاتصالات» وفق أرقى المواصفات العالمية وأحدث الأجهزة والمعدات، في العاصمة السعودية الرياض بمساحة تقدر بـ 9600 متر مربع.

وسيشترك في إنشاء الحاضنة التي يقود العمل بها والإشراف على إنشائها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، عدد من الجهات الحكومية والخاصة كشركة الاتصالات السعودية وبنك التسليف ووزارة التجارة، مجلس الغرف التجارية، التعليم الفني، والجامعات.

وستعمد مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لاختيار لجنة إشرافية على الحاضنة وترشح هذه اللجنة شركة عالمية تدير الحاضنة وتضع آلية تنفيذية للحاضنة، فيما ستشهد الثلاثة أشهر الأولى من عمل الحاضنة مرحلة التوعية والتسويق ـ بحسب الأمير تركي بن سعود بن محمد آل سعود نائب رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ـ الذي أكد أن تكلفة الحاضنة تتولاها المدينة، بينما رأس المال المستخدم لتمويل الشركات داخل الحاضنة، يمول من جهات مشاركة، مقدراً تكلفة تمويل حاضنة تقنية المعلومات والاتصالات ـ على سبيل المثال ـ بـ 600 مليون ريال (160 مليون دولار) في الخمس سنوات المقبلة.

ومن المؤمل من إنشاء الحاضنة التي يتوقع أن يستغرق زمن إنشائها أكثر من 12 شهراً، سينهي معاناة كثير من المخترعين الذين يطالبون بأن تستغل اختراعاتهم تجارياً وأن يبادر رجال الأعمال الغير واثقين بجدوى بعض الاختراعات صناعياً وسط زخم هائل في اعداد الاختراعات، بدلالة تصدر السعودية المركز الأول عربياً في عدد طلبات براءات الاختراع بحسب تقرير للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (ويبو) إذ تصدرت السعودية الدول العربية بـ 45 طلب براءة اختراع العام المنصرم مقارنة مع 39 طلبا في عام 2005. ولعل البدء في إنشاء حاضنة واحدة ليس لمجرد التجربة فحسب، بل لجعلها لبنةً مخططا لها بأن تصمد وتتحدى العوائق، إذ أن إنشاء هذه الحاضنة التي يراد لها دعم شركات لها ربحية تأتي ضمن خطة لإنشاء خمس حاضنات في البلاد، ضمن توجه مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لدعم الاقتصاد الوطني من خلال تعزيز فرص الاستثمار في الاقتصاد المعرفي الذي يدعم العمل التجاري في السعودية ويسهم في توفير فرص عمل للشباب وإثراء لثقافة الأعمال واستغلال أمثل للأفكار الإبداعية والاختراعات، بعد الجمع بين أصحاب الأعمال والمخترعين والمبتكرين. وبحسب الأمير تركي بن سعود بن محمد آل سعود نائب رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لمعاهد البحوث فإن العديد من براءات الاختراع المسجلة في السعودية يمكن أن تسوّق من خلال الحاضنة التي سيبدأ إنشاؤها الأسبوع المقبل، مشيراً إلى أن الأفكار الإبداعية تشكل فرصاً تجارية ستحظى بتمويل من خلال الحاضنة بناء على خطط يشترك بها رواد أعمال ومخترعين.

وكان الأمير تركي قد لفت في حديث ألقاه الأسبوع الماضي في العاصمة السعودية الرياض بتنظيم من الهيئة السعودية للمهندسين إلى أن أثر استثمار العلوم والتقنية في الاقتصاد الجديد يتمثل في زيادة وتسريع النمو وضمان مستوى ونوعية حياة أفضل إلى جانب رفع مردودية الاستثمار وزيادة الإنتاجية، وتحسين التنافسية في الأسواق العالمية.

وأشار الأمير تركي في ورقة العمل التي ألقاها إلى أن الاقتصاد المعرفي الذي تتوجه المدينة إلى تعزيزه في الوقت الحاضر يكتسب خصائص متعددة كالعامل الزمني سريع، والسوق متحرك، والمنافسة عالمية، ومصادر التميز كالابتكار والجودة والتوقيت والسعر، إلى جانب شبكة تحالفات، ومجتمع معلوماتي رقمي.

وقال الأمير تركي بأن الاقتصاد المعرفي يكتسب أهمية ومقومات أبرزها سياسة اقتصادية تطويرية مستقرة، وأنظمة حكومية محفزة ومرنة، وبنية تحتية متكاملة، ومنظومة للعلوم والتقنية، وجهات بحثية وتطويرية وتعليمية، وبيئة للابتكار والحماية الفكرية، وشراكة بين القطاع العام والخاص، وانفتاح وتعاون دولي، وسوق منتجات إقليمي وعالمي، وأساليب توظيف تقنية واستغلال تجاري للابتكارات، وكوادر مؤهلة متحركة بين الدول، إلى جانب المستثمرين، ورواد الأعمال.

ويقول نائب رئيس المدينة بأن تحقيق الاقتصاد المبني على المعرفة يتطلب أدوات عدة في مقدمتها حاضنات وحدائق للعلوم والأبحاث، ومناطق تقنية وتجمعات صناعية، مشيراً إلى أن الأهمية الاستراتيجية لتوجه السعودية نحو الاقتصاد المعرفي تكمن في تنويع الاقتصاد الوطني وتقوية القطاع الخاص والمنشآت الاستراتيجية.

وبحسب الورقة التي أعدها نائب الرئيس فإن مصادر الإيرادات للحاضنة متنوعة وقد تكون على شكل إيجارات وتكاليف محددة مقابل الحصول على خدمات الاستضافة حيث يشكل هذا المصدر أكبر مصادر الإيراد للحاضنات ويمكن من خلاله تغطية ما يقارب من 60 في المائة من مصاريف الحاضنة، إلى جانب الدعم المستمر من قبل القطاع الحكومي والخاص والذي يمثل أحد المصادر المهمة للحاضنات ذات الأهداف الغير ربحية ويتخذ أشكالاً متعددة منها ما يكون على شكل رعاية (Sponsorship) أو دعم لمشاريع خاصة أو على شكل دعم سنوي، أو من خلال حيازة حصص في الشركات المتخرجة من الحاضنة (Equity sharing) أو عن طريق الإيرادات الناتجة عن توقيع اتفاقيات مشاركة في إجمالي إيرادات هذه الشركات (Royalty agreements).