دراسة: الشركات تودع «التفرد».. وتدخل حقبة الرئيس التنفيذي «الحاضن»

الرؤساء التنفيذيون يتجهون نحو المشاركة في رسم الاستراتيجية العامة بدلا من احتكار السلطة والقرار

TT

شهد العقد المنصرم تحوّلاً جذرياً في دور الرئيس التنفيذي في الشركات عبر العالم. فقد ولّى زمن الرئيس التنفيذي «المتفرد» الذي كان حتى زمن قريب «كإمبراطور» يصول ويجول في الشركات آمراً ناهيا أوحدا، ولتبدأ حقبة الرئيس التنفيذي «الحاضن». وأفادت دراسة بوز ألن هاملتون السنوية عن تعاقب الرؤساء التنفيذيين، وتلقت «الشرق الاوسط» نسخة منها انه بعد أن كان الرئيس التنفيذي يحتكر السلطة والقرار، لم يعد اليوم مطلق الصلاحية، وأداؤه أصبح خاضعاً لتقييم مجلس الإدارة الذي يتّجه أكثر فأكثر نحو المشاركة في رسم الاستراتيجية العامة ويشدّد على تحقيق الرئيس التنفيذي عائداً مقبولاً والامتثال لأخلاقيات العمل في سلوكه الوظيفي. وتشير الإحصاءات بالفعل الى أنّ مجالس الإدارة أضحت أكثر استعداداً لتنحية الرئيس التنفيذي استباقاً لأداء مستقبلي لا يلبي الآمال، وليس فقط عقاباً على سوء الأداء كما كان في الماضي. وعلى هذا النحو، اتّسع دور كبار المساهمين، مثل صناديق التحوّط (Hedge Funds)، والأسهم الخاصة، في اتخاذ قرارات كانت في ما مضى حكراً على الرؤساء التنفيذيين طبقا للدراسة المذكورة. وفي هذا السياق قال بهجت الدرويش الذي يشغل منصب مدير في بوز ألن هاملتون، الشركة العالمية للاستشارات الإدارية ولها مكاتب وفروع في مختلف بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، «يتبيّن للرؤساء التنفيذيّين أنّ نجاحهم في الحقبة الجديدة يتوقّف على مدى تفهّمهم وتبنّيهم لهواجس أعضاء مجلس الإدارة والمستثمرين وغيرهم من الأطراف، كالموظفين والحكومة. ومن يتجاهل القواعد الجديدة هذه، فليتحمّل التبعات».

واضاف قائلا: «ستتطلّب الحقبة الجديدة مجموعة مهارات جديدة، تفرض مسؤوليات جديدة على كاهل الرئيس التنفيذي ومجلس الإدارة. إذ على الرئيس التنفيذي «الحاضن» أن يكون مستعداً للتحاور مع المستثمرين والموظّفين والحكومة، والاستعانة بمديرين ومستشارين يكمّلون قدراته واختصاصاته. كما عليه التزام الوضوح والشفافية في إعداد القوائم المالية وتحديد التعويضات والمكافآت».

وهكذا، يتطلب من مجالس الإدارة دورين أساسيين: أولا، تشجيع النقاش والاختلاف البنّاء في الآراء ووجهات النظر والتخلّي عن منطق التوافق الذي أصبح من مخلّفات الحقبة السابقة. وثانيا، العمل على تهيئة مجموعة من المرشّحين لتولّي منصب الرئيس التنفيذي، وحيث اقتضى الأمر، اتباع وسائل مبتكرة ومرنة في البحث عن مرشّحين من خارج الشركة. ولا بدّ لهم كذلك موازنة مصالح المؤسسات المساهمة ـ كصناديق التحوّط وشركات شراء الأسهم المسيطرة (Buyout Companies) ـ ومصالح المستثمرين الآخرين. وقد بيّنت دراسة بوز ألن هاملتون عن استبدال الرؤساء التنفيذيّين، على امتداد السنوات الست الماضية، هذا التبدّل في ظروف العمل التي أصبحت أكثر تطلّباً من ذي قبل. فقد ارتفع المعدّل السنوي لاستبدال الرؤساء التنفيذيّين في العالم بنسبة 59 في المائة بين العامين 1995 و2006.

وشهدت الفترة الزمنية نفسها ازدياداً في معدّل استبدال الرؤساء التنفيذيّين لأسباب متصلة بالأداء ـ أي الحالات التي تمّ فيها صرف الرئيس التنفيذي أو إجباره على ترك منصبه ـ بنسبة 318 في المائة. ففي العام 1995، واحد من ثمانية فقط من الرؤساء التنفيذيّين الذين تركوا العمل، أرغم على الرحيل، بينما واحد من ثلاثة تقريباً اجبر على ترك منصبه في العام 2006. وعلى الرغم من أنّ أخبار المؤامرات والمكائد بين مجالس الإدارة والرؤساء التنفيذيين قد احتلّت العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام في العام 2006، فإنّ معدّل استبدال الرؤساء التنفيذيّين قد سجّل في الواقع تراجعاً بسيطاً عمّا كان عليه في العام 2005. ولعلّ هذا يعكس الوضع «الطبيعي الجديد» الذي أشارت إليه الدراسة المنشورة العام المنصرم.

ولعل أبرز خلاصات واستنتاجات العام 2006: اولا، استقرار معدّل استبدال الرؤساء التنفيذيّين عند نسبة مرتفعة 14.3 في المائة، وهو تراجع بسيط نسبةً إلى ما كان عليه في العام 2005. وقد استقرت معدّلات ترك العمل «الإرادي» على 6،6 في المائة ومعدّلات الصرف القسري على 4،4 في المائة منذ 2004، وهو ارتفاع كبير مقارنةً بالمستويات التي شهدتها نهاية تسعينيّات القرن الماضي وبداية القرن الواحد والعشرين. ثانيا، زيادة احتمالات ترك الرؤساء التنفيذيّين العمل قبل بلوغ سنّ التقاعد حيث اقتصرت نسبة الرؤساء التنفيذيّين الذين تركوا العمل في ظروف «طبيعية»على 46%، وهي النسبة الأدنى منذ 9 سنوات.

كما كشفت الدراسة عن تحقيق الرؤساء التنفيذيين الذين يتركون العمل نتيجة عمليات الاندماج أو الحيازة أفضل الأداء للمستثمرين. وبالفعل، تمكّن الرؤساء التنفيذيون الذين بيعت شركاتهم إلى جهات خارجية من تحقيق عائدات للمستثمرين يفوق معدّلها المعدّل العام في سوق الأسهم بـ 8.3 نقطة مئوية سنوياً. أمّا الذين بلغوا سنّ التقاعد الطبيعية، فكان أداؤهم أفضل بـ 5.3 نقطة مئوية، بينما لم يحقق أولئك الذين صرفوا من الخدمة سوى 1.2 نقطة مئوية فوق مستوى السوق. هذا وبينت الدراسة ازدياد حالات ترك الرؤساء التنفيذيين لمناصبهم نتيجة الخلافات بين أعضاء مجلس الإدارة، إذ ارتفعت هذه النسبة من 2 في المائة في عام 1995 إلى 11 في المائة بين العامين 2004 و 2006. هذا واظهرت الدراسة اتجاه مجلس الإدارة لتنحية الرئيس التنفيذي احترازيا بناء على توقعات أداء مستقبلي لا تلبي متطلبات المستثمرين وليس فقط بناء على نتائج غير مرضية لفترات سابقة. كذلك بينت تحسن آليات التخطيط لخلافة الرئيس التنفيذي في مواجهة معدّلات الاستبدال المرتفعة. وشددت الدراسة على ضرورة الفصل بين منصب الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة. فقد تبيّن في العام 2006 أنّ معظم الرؤساء التنفيذيين في شمال أميركا الذين بقوا في الخدمة مدّة طويلة ولم يحقّقوا مستوى الأداء المطلوب، كانوا إمّا يحملون لقب رئيس مجلس الإدارة إضافةً إلى لقب الرئيس التنفيذي، أو يعملون تحت إشراف رئيس مجلس إدارة كان الرئيس التنفيذي السابق. وخلصت الدراسة الى انه انطلاقاً من بيانات دراساتنا للسنوات التسع السابقة، تم تحديد عاملين جوهريّين في أسلوب اختيار الرئيس التنفيذي من قبل مجلس الإدارة والإشراف على عمله. فمجلس الإدارة أصبح اليوم أقلّ تفهّماً وتسامحاً في تعامله مع سوء الأداء، وأكثر ميلاً إلى الفصل بين الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة.

أمّا العامل الجوهري الآخر فيتمحور حول أسس التنظيم والإدارة، أو ما يعرف اليوم بـ«حوكمة الشركات»، حيث تتّجه مجالس الإدارة نحو الفصل بين اختصاصات الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة، وتعيّين رؤساء مجالس إدارة لم يسبق لهم تولي منصب الرئيس التنفيذي في الشركة. ومن مصلحة المستثمرين ألاّ يكون رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي السابق للشركة. ومع اتّساع نطاق صلاحيات مجلس الإدارة وازدياد مشاركة مختلف الأطراف المعنيين في الاستراتيجية والحوكمة، أصبح مبدأ «حضن» وإشراك كافة الجهات المعنية السمة الأهم في عمل الرئيس التنفيذي، بدءاً بمدى قدرته على مراعاة شواغل المستثمرين والموظفين والحكومة ومقترحاتهم. فالمستثمرون بالإجمال مستعدون للموافقة على أية تحسينات تزيد من قيمة الشركة وتولّد عوائد كبيرة حتى ولو لم تكن مطابقة تماماً لمقترحاتهم. ومن العناصر الضرورية الأخرى لتحقيق المشاركة التزام الشفافية. ويبقى السبيل الأمثل للفوز بثقة مجلس الإدارة، إشراك أعضائه في وضع الاستراتيجية وصياغتها، بدلا من الآلية التقليدية القاضية بطلب اعتماد المجلس للاستراتيجية المعدة من قبل الإدارة. وتظهر التجربة أن هذا جهدا يستحق العناء، نظراً لمدى أهمية فوز الرئيس التنفيذي بدعم مجلس الإدارة في مواجهة تحدّيات المستثمرين بانتظار ما ستسفر عنه الاستراتيجية الجديدة من نتائج.