مد المسؤولية الاجتماعية يطول الشركات في الشرق الأوسط

خبراء يؤكدون أهمية تعزيز أخلاقيات العمل في قطاع الأعمال

TT

منذ اعلان مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية الذي عقدته الأمم المتحدة في جنيف قبل سبع سنوات والذي حث فيه الشركات في انحاء العالم على تحمل مسؤوليات جديدة في الاقتصاد العالمي، ورجال الأعمال في منطقة الشرق الأوسط الذين يديرون المجموعات التجارية العملاقة شبه غائبين عن تحمل مسؤولياتهم بصورة أو بأخرى مع استثناءات قليلة. ويقول خبراء إن مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات، يتجاوز شيكات التبرع للأعمال الخيرية التي يقدمها أصحاب المؤسسات لجهة ما، الا أن هذا التطبيق البدائي للمسؤولية الاجتماعية لا يزال هو السائد في المنطقة الى حد بعيد. ووفقا للأمم المتحدة، فإن العديد من المطلعين على خبايا الشركات في الوقت الحاضر، سواء كان ذلك بوازع من الضمير أو انطلاقا من الحس الجيد بالأعمال التجارية، يدعون إلى مدونات جديدة للأخلاقيات الاجتماعية في قطاع الأعمال التجارية، نظرا إلى ما تواجهه من مطالب في ظل الاقتصاد العالمي الجديد.

وقد يعود ذلك أيضا إلى الثمن الباهظ لتجاهل التبعات الاجتماعية أو الاقتصادية. وسواء تعلق الأمر بتسرب الغاز من معمل يونيون كاربايد في بوبال بالهند، الذي أودى بحياة أكثر من 6000 شخص، أو شركة إيكسون فالديز، التي سكبت 11 بليون برميل من النفط في مضيق الأمير وليام بآلاسكا، فقد بات من الصعب إخفاء كوارث الحوادث الصناعية. ومع حلول عصر البريد الإلكتروني والإنترنت، أصبحت المخالفات الأخرى التي ترتكبها الشركات، مثل اللجوء إلى عمل الأطفال وظروف العمل الاستغلالية، أكثر شيوعا، مع ما يرافق ذلك كثيرا من الآثار السلبية في قطاع الأعمال التجارية.

وتوجه العديد من المنظمات غير الحكومية، اتهاما مؤداه أن مصادقة الشركات عالميا على مدونات السلوك الطوعية لا تعدو كونها مناورة علاقات عامة لمساعدتها على تجنب القواعد الملزمة والمعايير الدولية النافذة لسلوك قطاع الأعمال التجارية. وفي الواقع، فقد وسع موقع المنظمة غير الحكومية المعنون «مراقبة الشركات» على شبكة الإنترنت تعريف «التضليل الإعلامي البيئي» ليشمل «ظاهرة الشركات التي تدمر المجتمعات والبيئة، وتسعى للحفاظ على أسواقها وتوسيعها بتقديم نفسها على أنها من محبي البيئة ومن قادة معركة القضاء على الفقر».

وفي حين توجد دائما شركات تدرك أن الممارسات الاجتماعية التي تتسم بالإحساس بالمسؤولية ـ والتي ربما تتجاوز حتى المطالب التي تقتضيها القوانين ـ لا تتعارض مع تحقيق أرباح صافية جيدة، فإن الجزء الأكبر من هذا السعي نحو اعتماد مدونات المسؤولية الاجتماعية ينبع من أشكال الظلم المتزايدة التي ولدتها العولمة.

فقد جلبت العولمة الرخاء بالفعل للكثير من الناس، غير أنها كانت عملية انتقائية للغاية، واستبعدت المليارات من الأشخاص من أخذ نصيبهم من الثروة الجديدة. ونتيجة لذلك، وسعت العولمة من التفاوتات بين البلدان النامية والبلدان المتقدمة النمو، وبين الأغنياء والفقراء داخل البلدان ذاتها. وإلى جانب الفرص الكبيرة جدا والأرباح الهائلة للشركات، فهناك طلبات متزايدة، من داخل قطاع الأعمال التجارية. وخارجه، تدعو الشركات إلى أن تعمل في إطار مجموعة من القواعد الاجتماعية المعترف بها عالميا.

وخلال مؤتمر المسؤولية الاجتماعية للشركات التي عقد أخيرا في دبي اشارت جان بكنغهام مدير القيم العالمية لشركة «بودي شوب» البريطانية الى ان السبيل الوحيد لتطبيق استراتيجيات مستدامة للمسؤولية الاجتماعية للشركات هو ان يتم ربطها بالقيم الداخلية للشركة وموظفيها.

وتقول بكنغهام ان برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات، لن تكون ناجحة ما لم تعكس طريقة العمل التجاري في الشركة أو المؤسسة، حيث تعمل قيم الشركة نفسها في نهاية المطاف على توجيه ودفع الاستراتيجيات الطويلة الأمد للمسؤولية الاجتماعية للشركات.

ومن الجوانب المدهشة في نموذج اعمال شركة «بودي شوب» ايجاد قوة عمل تعمل كسفارة لها، لدرجة ان قيمها الاساسية، تنعكس حتى في مهام الوظائف لديها. والشركة ايضا تعمل على تمكين موظفيها وتعزيز جانب الامان الوظيفي لديهم من خلال معرفتهم، بأن قيم الشركة قريبة من قيمهم. وبالفعل تمكنت بودي شوب من ايجاد التأثير الذي تمتلكه حاليا من خلال قوة العمل لديها والتأثير على حملة الاسهم داخليا وخارجيا. ومن خلال شبكتها من متاجر التجزئة ورجال المبيعات الداخليين، نجحت الشركة من خلال هؤلاء السفراء في توصيل القيم الاساسية للمسؤولية الاجتماعية للشركة للمجتمع المحلي والمجتمع الاوسع.

وحملت حملتان حديثتان القيم الاخلاقية لشركة بودي شوب في منطقة الشرق الاوسط هما «كن صديقا للماء»، وهي مبادرة للحفاظ على هذه الثروة و«اوقفوا العنف في البيوت» التي تم اطلاقها نتيجة اظهار احدى الدراسات ان 30 في المائة من النساء في العالم يتعرضن لنوع ما من العنف خلال حياتهن. وكان للحملتين موضوع عالمي مع وعي بالثقافة المحلية، وخاصة في منطقة الشرق الاوسط. وهذا الامر وفقا لبكنغهام، هو القضية الاساسية في عالم الاعمال المحاط بصور سلبية عن العولمة. وتقول بكنغهام «من خلال أبحاثنا وجدنا ان موظفينا وعملاءنا يريدون حملات محلية جدا تعبر عنهم على الفور. وبالتالي من خلال المبادرات المحلية، دعما تاما من خلال متاجرنا حول العالم، يمكننا انتاج حملات عالمية تحمل فوائد محلية ايضا». من جهتها توضح آنا روزفلت نائب الرئيس للمواطنة المؤسسية العالمية في شركة بوينغ الامريكية، ان النموذج الخيري في المسؤولية الاجتماعية للشركة هو الجانب المفضل لدى العديد من الشركات الامريكية. وعادة ما تركز الشركات الامريكية، كما قالت على التبرعات المعفية من الضرائب للأعمال الخيرية، وهي ممارسة نسختها العديد من المؤسسات في منطقة الشرق الأوسط.

وتقول روزفلت «لقد مضت تلك الايام التي كانت فيها الشركات تكتفي بتسليم شيك والسلام. طبعا الاعمال الخيرية لا تزال مؤثرة وقائمة، الا ان الامر يتعلق بكيفية استخدام هذه الاموال وانعكاساتها الملموسة على المجتمع».